العلاقات المصرية ـ الأميركية على المحك

أوباما: مصر ليست عدوا ولا حليفا

TT

بينما كان مئات المتظاهرين الغاضبين يحاولون الاقتراب من أسوار السفارة الأميركية في القاهرة للاحتجاج على سماح السلطات الأميركية بعرض فيلم يسيء إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، غادرت سيارة تابعة للسفارة الأميركية وهي تقل المستشار السياسي للسفارة في طريقها لمقر جماعة الإخوان المسلمين بحي المقطم (شرق القاهرة)، لاستطلاع رأي الجماعة التي باتت تهيمن على مقاليد السلطة التنفيذية والتشريعية في البلاد، بشأن أزمة الفيلم المسيء.

وجاء ذلك بينما صرح الرئيس الأميركي باراك أوباما في مقابلة تلفزيونية أن الولايات المتحدة لا تعتبر الحكومة التي يتزعمها إسلاميون في مصر حليفا ولا عدوا.

وقال أوباما لقناة «تيليموندو» وهي شبكة تبث إرسالها باللغة الإسبانية مساء أول من أمس بعد أن هاجم حشد من المتظاهرين الغاضبين بسبب فيلم يعتبرونه مسيئا للإسلام السفارة الأميركية في القاهرة «لا أعتقد أننا سنعتبرهم حليفا لكننا لا نعتبرهم عدوا». وأضاف أن الحكومة المصرية التي تم تشكيلها حديثا والتي انتخبت ديمقراطيا تحاول أن «تتلمس طريقها».

وقال الرئيس الأميركي في المقابلة التي بثت بالكامل أمس إنه إذا اتخذ مسؤولو الحكومة إجراءات تبين أنهم «لا يتحملون المسؤولية» فإنه في هذه الحالة «ستكون هناك مشكلة كبيرة».

وتعكس تصريحات أوباما قلقا أميركيا متزايدا بعد الهجوم على السفارة في القاهرة بشأن الرئيس الجديد في مصر محمد مرسي الذي تولى السلطة في يونيو (حزيران) بعد أول انتخابات حرة تشهدها البلاد.

تصريحات أوباما بدت مقلقة للنخبة السياسية في مصر، ووصف عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، تصريحات أوباما بأنها «تحول خطير في علاقات واشنطن مع القاهرة، وتغير جذري يجب أن يؤخذ بكل جدية». وقال موسى لـ«الشرق الأوسط»: «التصريحات تكشف عن بداية اهتزاز في العلاقة الاستراتيجية المصرية - الأميركية، والأحداث التي جرت أمام السفارة آن لها أن توضع في إطارها الصحيح، لأنها تدخل في إطار خلق الالتباس في العلاقات بين البلدين».

ويعتقد مراقبون أن الاقتصاد المصري يمر بأزمة حاليا لا تسمح له بتحمل عواقب معاداة الولايات المتحدة أو دول غربية أخرى، من المرجح أن تلعب حكوماتها واستثماراتها دورا حيويا في إحياء النمو وتوفير الوظائف، وهي نقاط مهمة لأي مستقبل سياسي في البلاد.

الدكتور أشرف العربي، وزير التعاون الدولي والتخطيط، استبعد أن تؤثر تداعيات الاحتجاجات ضد الفيلم المسيء إلى الرسول على العلاقات المصرية - الأميركية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن المباحثات بشأن المساعدات الأميركية لمصر تتقدم بشكل ملحوظ»، مؤكدا أن «الإدارة الأميركية تعهدت، وإن شفهيا، بمنح مصر 450 مليون دولار في صورة منحة نقدية لا ترد، وتبقى المفاوضات على جزء آخر من المساعدات بقيمة 650 مليون دولار، حيث تسعى أميركا لمبادلة ديوننا لديها بتلك القيمة، ونسعى إلى إسقاط ديون بنفس القيمة».

وتقدم الحكومة الأميركية مساعدات لمصر كل عام بقيمة 1.55 مليار دولار، منها 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية. وتعهدت الولايات المتحدة بمساعدة مصر اقتصاديا من عدة أوجه، فصرح مسؤول بالحكومة الأميركية أول من أمس بأن بلاده ستتدخل لمحاولة إسقاط ديون خارجية لمصر بنحو 7 مليارات دولار، كما أن نفوذ أميركا لدى صندوق النقد الدولي سيساهم في مساعدة مصر للحصول على قرض من الصندوق بقيمة 4.8 مليار دولار لمساعدة اقتصادها المتأثر منذ اندلاع الثورة العام الماضي.

وحاولت السفارة الأميركية في القاهرة فض الالتباس الذي تحدث عنه موسى، وهو دبلوماسي مخضرم قاد وزارة الخارجية المصرية لعقد من الزمان، في لقاء دام قرابة الساعة ونصف الساعة بين موفد السفارة الأميركية والدكتور محمود حسين أمين عام جماعة الإخوان، أول من أمس. وحول ما دار خلال اللقاء، قال حسين لـ«الشرق الأوسط»: «أبلغت مستشار السفارة أننا نعتقد أن هناك أطرافا بالداخل (مصر)، وأطراف أخرى في الولايات المتحدة الأميركية يعملون على إفساد العلاقات بين القاهرة وواشنطون».

وتابع حسين: «نحن نعتقد أن رفع راية تنظيم القاعدة على أسوار السفارة في القاهرة عمل مدبر من أطراف لها مصلحة في تأجيج الفتنة وتوتير علاقاتنا مع الغرب، خاصة خلال زيارة الرئيس مرسي إلى أوروبا».

حرص حسين على تأكيد أن زيارة المستشار السياسي للسفارة الأميركية كانت له شخصيا وأنها جاءت في إطار استطلاع رأي القوى السياسية في البلاد حول أزمة الفيلم المسيء.

ويعتقد حسين الذي يعبر عن موقف جماعته التي دعت لمليونية اليوم (الجمعة)، أن الإدارة الأميركية تأخرت كثيرا في استنكار ما جرى (إنتاج وعرض الفيلم المسيء) أو محاولة منعه.. «لقد أبلغناهم أن المعتقدات الدينية خط أحمر، مع إعلاننا رفض إنزال العلم الأميركي والاعتداء على السفارة».

ويقول المراقبون إنه منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، تتحسس الولايات الأميركية خطواتها على طريق السياسات الخارجية لقوى الإسلام السياسي التي حملها الربيع العربي إلى واجهة المشهد السياسي في الشرق الأوسط.

وأعلنت الولايات المتحدة منذ عام ونصف العام انفتاحها على جماعة الإخوان، وزار أكثر من مسؤول أميركي، في لقاءات بعضها سري، مقر «الإخوان» والتقوا قيادات بارزة، على رأسها نائب المرشد خيرت الشاطر، الذي يصفه المراقبون بالرجل القوي داخل الجماعة.

وكان مجلس العلاقات الخارجية الأميركية قد أكد في تقرير له مطلع الشهر الحالي أن جماعة الإخوان المسلمين التي تحكم البلاد الآن عبر الرئيس محمد مرسي، تسعى في المقام الأول لتحقيق أجندتها الخاصة، مع التعبير عن الالتزام بوعود ميدان التحرير الثورية، مشيرا إلى أن تلك الأجندة تتمثل في إضفاء الطابع المؤسسي على سلطة الجماعة.

من جانبه، يرى الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن الرئيس الأميركي وصف بدقة الحالة المصرية الراهنة، في إشارة إلى تصريح أوباما بأن الحكومة المصرية الجديدة لا تزال تحت الإنشاء. وقال نافعة الذي كان عضوا في المجلس الاستشاري المعاون للمجلس العسكري إن «السياسية المصرية الخارجية لن تتضح قبل استقرار الأوضاع السياسية، فنحن لا نزال في مرحلة انتقالية، والنظام السياسي لم يتحدد بشكل كامل».

وأضاف نافعة لـ«الشرق الأوسط» أن الولايات المتحدة تنتظر أن تتضح ملامح السياسية المصرية في ضوء مستجدات الوضع الداخلي، وخاصة انتخابات البرلمان المرتقبة التي سوف تكشف التركيبة السياسية في مصر حاليا، وحتى ذلك الحين سوف تقف أميركا على مسافة كافية لفهم تعقيدات الوضع السياسي في البلاد.