عواصم عربية تشتعل غضبا ضد الفيلم المسيء.. وقتلى في القاهرة وتونس والخرطوم

محتجون يشعلون النيران في السفارة الألمانية بالخرطوم * إحراق مطعمين أميركيين في طرابلس تزامنا مع وصول البابا * طائرات دون طيار فوق بنغازي وإغلاق مجالها الجوي لساعات * تأسيس فريق محامين لملاحقة منتجي الفيلم

محتجون مصريون يقذفون بالحجارة قوات شرطة مكافحة الشغب التي تفصل بينهما كتل اسمنتية وذلك بالقرب من محيط السفارة الأميركية وسط القاهرة أمس (إ.ب.أ)
TT

ارتفعت موجة الغضب أمس في مليونية «لا للإساءة للرسول» في عدد من العواصم العربية، ففي ميدان التحرير بوسط العاصمة المصرية القاهرة، ظهرت حدة الاحتجاجات على الفيلم الأميركي المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم. وسقط أمس أول قتيل في الاشتباكات الدائرة بمحيط السفارة الأميركية بين المتظاهرين ضد الفيلم المسيء للرسول وقوات الأمن. وأعلنت مصادر أمنية أن «القتيل يدعى إسماعيل رشاد (36 عاما)، مصاب بطلقات خرطوش في الوجه والصدر، وتوفي فور وصوله مستشفى إمبابة العام». وأكدت المصادر نفسها، ارتفاع عدد الإصابات بين الضباط والمجندين في اشتباكات السفارة إلى 48 إصابة. من ناحية أخرى، قالت مصادر أمنية وشهود عيان أمس في شمال سيناء، إن «محتجين مسلحين اقتحموا قاعدة للقوات الدولية بسيناء وتبادلوا إطلاق الرصاص مع القوات الدولية المتمركزة داخل المعسكر».

وفي الوقت الذي تظاهر فيه الآلاف في ميادين مصر وانطلقت مسيرات من أمام المساجد للتنديد بالفيلم، تصاعدت حدة المصادمات بين المتظاهرين وقوات الأمن في محيط السفارة الأميركية بالقاهرة رغم الحواجز الإسمنتية والإجراءات الأمنية المشددة التي فرضتها السلطات المصرية حول مقر السفارة.

وحاولت مؤسسة الرئاسة المصرية معالجة الأزمة، وقال الدكتور ياسر علي، المتحدث باسم الرئاسة المصرية أمس، إن «الرئيس محمد مرسي يتابع ما يحدث في القاهرة من روما، وأنه أكد احترام الدولة لحق التظاهر»، وقال الرئيس مرسي خلال كلمة ألقاها عقب صلاة الجمعة بالمركز الإسلامي في روما، إنه أخبر الرئيس الأميركي باراك أوباما، بضرورة وجود رادع لمن يستهزئ بمعتقدات الآخرين ويسعى للعبث بالعلاقات بين الشعوب.

وعلى صعيد ردود الفعل، قام الدكتور هشام قنديل، رئيس الوزراء المصري، بتفقد الحالة الأمنية في محيط السفارة الأميركية، رافقه وزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين، واستنكر قنديل ما يحدث من قبل الشباب صغار السن الذين يقومون بمهاجمة رجال الأمن والسفارة بالحجارة وزجاجات المولوتوف.

وفي القاهرة، خرجت عشرات المسيرات من أمام المساجد الرئيسية في المحافظات واصطف المصلون أمام المساجد عقب الصلاة نصرة للرسول، فيما احتشد الآلاف في ميدان التحرير، ورددوا هتافات: «إلا رسول الله»، و«محمد أكرم الخلق»، و«نحن فداك يا رسول الله»، «لا إله إلا الله.. والله أكبر.. والشعب بيقول إلا الرسول».

ورفع المتظاهرون الأعلام السوداء المكتوب عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله» والتي أطلق عليها أعلام الخلافة، كما رفعوا صورة كبيرة لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة السابق. وأعلنت جماعة الإخوان المسلمين تغيير خطتها في التظاهر أمس، حيث قررت المشاركة بشكل رمزي في مليونية ميدان التحرير بدلا من التظاهر أمام المساجد عقب صلاة الجمعة. وفي الإسكندرية، انطلقت مظاهرات ومسيرات حاشدة من أمام مسجد القائد إبراهيم إلى مقر القنصلية الأميركية، فيما عقدت قيادات الجماعة الإسلامية مؤتمرا جماهيريا أعلنوا خلاله وبقوة توعدهم لأميركا بسوء المصير والانتقام على خلفية تبنيها إنتاج الفيلم المسيء للرسول. وقال الشيخ عاصم عبد الماجد، المتحدث الرسمي باسم الجماعة، إنه «من اليوم لا بد وأن يتم تشكيل كتائب باسم الأنصار في كل مكان في مصر والعالم الإسلامي لتتولى الدفاع عن الرسول». وهدد عبد الماجد، قائلا: «سنقطع يد وعنق ونريق دم كل من يتطاول على نبينا الكريم». وعاش سكان المنطقة الشرقية في ليبيا ساعات عصيبة على مدى الساعات الأربع والعشرين الماضية وسط شائعات لم يثبت صحتها عن قصف أميركي متوقع لمواقع تخص متشددين إسلاميين، فيما اتهم الدكتور محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني الليبي (البرلمان) تنظيم القاعدة بالمسؤولية عن الهجوم الذي تعرضت له القنصلية الأميركية في مدينة بنغازي بشرق ليبيا، مما أدى إلى مقتل أربعة أميركيين من بينهم كريس ستيفنز السفير الأميركي لدى ليبيا.

واستؤنفت مساء أمس رحلات الخطوط الجوية من مطار بنينة ببنغازي بعدما توقفت بسبب تلقي سلطات المطار تهديدات بإطلاق صواريخ حرارية على الطائرات.

وإثر هذه التهديدات، أغلقت ليبيا مجالها الجوي فوق بنغازي بصورة مؤقتة ولمدة عشر ساعات قبل أن يعلن فوزي بالتمر وكيل وزارة المواصلات لشؤون الطيران والنقل الجوي أن العمل عاد إلى طبيعته بالمطار.

وقال شهود عيان في بنغازي إن «طائرات دون طيار» حلقت فوق المدينة لساعات مساء أول من أمس، بينما قال مسؤولون وإعلاميون إن طائرة واحدة على الأقل حلقت فوق المدينة دون تأكيدات بأنها طائرة دون طيار. وحطم متظاهرون في العاصمة السودانية مبنى السفارة الألمانية بشارع البلدية وسط الخرطوم وأنزلوا العلم الألماني وأحرقوه، وأشعلوا النيران في أحد المكاتب، وألحقوا به أضرارا كبيرة.

وحاول المحتجون على الفيلم المسيء للنبي الكريم والرسوم الكاريكاتيرية اقتحام السفارة البريطانية المجاورة، وأطلق حراس أمن السفارة الرصاص الصوتي لتخويف المحتجين. وسيطرت سيارات إطفاء على الحريق الذي أشعله المحتجون الغاضبون في مبنى السفارة الألمانية. وأوردت تقارير صحافية أن رعايا السفارة الألمانية في الخرطوم «سالمون».

وخرج محتجون تقدر أعدادهم بعشرات الآلاف من المسجد الكبير، ومساجد أخرى، وسدوا شارع البلدية وسط الخرطوم منددين بالإساءة للرسول الكريم.

وفور تفريق الشرطة للمحتجين وسط الخرطوم انتقلت أعداد منهم في سيارات خاصة وسيارات مواصلات عامة، قاصدين السفارة الأميركية قرب الطريق البري الرابط بين مدني والخرطوم عند ضاحية سوبا جنوب الخرطوم.

وقال المتحدث باسم السفارة الأميركية بالخرطوم رون هوبكنز لـ«الشرق الأوسط»: «جميع الرعايا الأميركان والموظفون بالسفارة سالمون، وإن السفارة لم تصب بأية أضرار». واستدعت وزارة الخارجية السودانية القائم بالأعمال الأميركي والسفير الألماني بالخرطوم وأبلغتهما احتجاج السودان على الفيلم المسيء للإسلام والرسول الكريم.

من جهته، أطلق الدكتور محمد العولقي مؤلف كتاب «هذا محمد» (أكبر كتاب في العالم عن سيرة النبي محمد) ثلاثة مشاريع للرد على الفيلم المسيء الذي أحدث ردود فعل عنيفة في العالم العربي خصوصا في مصر وليبيا، ولا يزال يترى في عدد من دول العالم، وقال العولقي إن المشروع الأول قانوني حيث تم تشكيل فريق محامين لملاحقة منتجي الفيلم ومقاضاتهم قانونيا أمام المحاكم. ويتولى المشروع الثاني إقامة معرض متنقل يجوب الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وأستراليا يتولى التعريف بالنبي الأكرم وشرح سيرته وحياته ودوره في الحضارة البشرية، كما أطلق حملة على الإنترنت للاعتذار للمسلمين عن الإساءة لنبيهم.

وتوجه آلاف التونسيين بعد صلاة الجمعة إلى مقر السفارة الأميركية الواقعة بمنطقة ضفاف البحيرة بالعاصمة وأنزلوا العلم الأميركي من أعلى البناية ورفعوا العلم الأسود (علم التيار السلفي) فوق مقر السفارة. وكانت معظم مساجد العاصمة التونسية قد خصصت خطبة الجمعة لموضوع الفيلم المسيء للرسول، ودعت المصلين إلى التظاهر السلمي أمام السفارة الأميركية «دفاعا عن الإسلام والمسلمين». ولإيقاف زحف المتظاهرين على مقر السفارة، أطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع بكثافة كما استعملت النيران في الهواء لتفريقهم دون جدوى.

وفي العاصمة الأردنية عمان انطلقت أمس، مسيرات احتجاجية، وعدد من المدن الأردنية في الشمال والجنوب للمطالبة بالمزيد من الإصلاحات الدستورية ووقف الاعتقالات والتنديد بالفيلم المسيء للرسول الكريم. وتواصلت لليوم الثاني على التوالي وفي مختلف مدن العراق التظاهرات المنددة بالفيلم المسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وذلك عقب صلاة الجمعة أمس. وامتدت المظاهرات الغاضبة من مدينة الموصل شمالا حتى البصرة جنوبا مرورا بمدن الرمادي والفلوجة وسامراء وبغداد والنجف وكربلاء وبابل والعمارة والناصرية والكوت.

وأوردت مصادر أن اثنين من المحتجين لقيا مصرعهما قرب السفارة الأميركية بالخرطوم، أحدهما على الأقل قتل دهسا بسيارات الشرطة، وتردد أن أحد القتلى أصيب برصاص آت من جهة السفارة، ورجحت المصادر أن يكون «حراس السفارة» هم مصدر الرصاصات، فيما أصيب الكثيرون بحالات إغماء واختناقات بسبب الغاز المسيل للدموع.

وراجت في وقت لاحق معلومات أن عدد القتلى ارتفع إلى خمسة، وأن المتظاهرين دخلوا مبنى السفارة الأميركية. ولا توجد معلومات رسمية حتى الآن عن أعداد القتلى والجرحى.

من جهته اعتبر المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني أن التجاوز على النبي محمد صلى الله عليه وسلم يعني استفزاز أكثر من مليار مسلم. وقال ممثله في كربلاء عبد المهدي الكربلائي أثناء صلاة الجمعة إن «المرجعية الدينية العليا وبقية المراجع العظام يستنكرون بشدة عرض فيلم يسيء إلى الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم لما فيه من تجاوز كبير على قداسة النبي واستفزاز لأكثر من مليار مسلم».

وفي الوقت الذي كان فيه لبنان الرسمي والشعبي يستقبل البابا بنديكتوس السادس عشر في مطار بيروت الدولي، كانت مدينة طرابلس في شمال لبنان تشهد صدامات بين قوى الأمن الداخلي ومحتجين هاجموا مطعم «كي إف سي» و«هارديز» الأميركيين للوجبات السريعة بالعصي والحجارة، قبل أن يضرموا النار فيهما، احتجاجا على الفيلم الأميركي المسيء للرسول.

وكانت جماعات إسلامية قد دعت لاعتصام في المسجد المنصوري الكبير بعد صلاة الجمعة للاحتجاج على الفيلم دون الخروج من الجامع، تفاديا لأي صدامات، إلا أن مجموعة من المتجمهرين خرجت من المسجد، وتوجهت إلى ساحة النور القريبة من المطعمين، وهاجمتهما وأضرمت النار فيهما، بحسب ما روى بعض المشايخ المشاركين في الاعتصام. وفي تطور لاحق نصحت الولايات المتحدة أول من أمس رعاياها بعدم السفر إلى الجزائر متحدثة عن خطر متزايد من وقوع اعتداءات مناهضة للأميركيين. وتوجه آلاف التونسيين بعد صلاة الجمعة إلى مقر السفارة الأميركية الواقعة بمنطقة ضفاف البحيرة بالعاصمة وأنزلوا العلم الأميركي من أعلى البناية ورفعوا العلم الأسود (علم التيار السلفي) فوق مقر السفارة. وكانت معظم مساجد العاصمة التونسية قد خصصت خطبة الجمعة لموضوع الفيلم المسيء للرسول، ودعت المصلين إلى التظاهر السلمي أمام السفارة الأميركية «دفاعا عن الإسلام والمسلمين». ولإيقاف زحف المتظاهرين على مقر السفارة، أطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع بكثافة كما استعملت النيران في الهواء لتفريقهم دون جدوى، وتمكن بعضهم من إنزال العلم بعد اجتياح مبان ملحقة بالسفارة وإطلاق ألسنة النيران في مأوى داخل السفارة وإحراق محتوياتها مما جعل الدخان الكثيف يغطي محيط السفارة، وقال شهود عيان إن بعض المحتجين تمكنوا من دخول سور السفارة واستعملوا الزجاجات الحارقة.

وفي كابل, اتخذت السلطات الأفغانية ومعظم السفارات في العاصمة الأفغانية إجراءات أمنية مشددة قبل ساعات من صلاة الجمعة خشية اندلاع مظاهرات مناهضة للغرب بسبب بث الفيلم.