مواقف حكومة مرسي تجاه المحتجين تهدد العلاقات المصرية الأميركية

أوباما عبر لمرسي عن عدم رضاه عن رد الفعل الفاتر من حكومته

TT

رغم الصور المروعة للهجوم على البعثة الدبلوماسية الأميركية في مدينة بنغازي الليبية، ترى إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أن مشكلتها الكبرى على المدى البعيد ستكون مع مصر، وليس مع ليبيا.

وقبل ساعات من هجوم بنغازي يوم الثلاثاء الماضي، وقعت السفارة الأميركية في القاهرة تحت حصار المحتجين المصريين. وعلى الرغم من أن العنف الذي حدث في القاهرة لم يسفر عن أية وفيات، فإن رد الفعل الفاتر من جانب الحكومة المصرية على الاحتجاجات العنيفة قد زاد من أسباب قلق المسؤولين في واشنطن، علاوة على ما لديهم من قلق بالفعل جراء توجهات الحكومة الإسلامية للرئيس المصري محمد مرسي.

وكان البيت الأبيض قد أعلن يوم الثلاثاء الماضي أن الرئيس أوباما قد اتصل هاتفيا بكل من مرسي ورئيس المجلس الوطني الليبي محمد المقريف وتحدث معهما بلهجتين مختلفتين، فقد عبر للمقريف عن «تقديره للحكومة الليبية والشعب الليبي على التعاون في الرد على هذا الهجوم العنيف»، في حين عبر لمرسي عن عدم رضاه عن رد الفعل المصري ولم يكن هناك أي شكر، وبدلا من ذلك أعلن البيت الأبيض في بيان منفصل أن أوباما «شدد على أهمية التزام مصر بالتعاون مع الولايات المتحدة لضمان أمن المرافق الدبلوماسية الأميركية والعاملين بها». وأشار أوباما، خلال الخطاب الذي ألقاه أول من أمس بحديقة «روز غاردن»، إلى أن السلطات الليبية حاولت تقديم المساعدة للجهود الأميركية، التي تهدف لحماية الدبلوماسيين في بنغازي. وأضاف: «لن يؤثر هذا الهجوم على العلاقات بين الولايات المتحدة وليبيا، فقد ساعد الليبيون دبلوماسيينا لكي يكونوا في أمان ونقلوا السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز إلى المستشفى، وعلمنا من هناك بأنه قد قتل بشكل مأساوي».

ولم يجد الرئيس الأميركي كثيرا من الأسباب التي تدفعه للرضا عن موقف مصر، التي تعد ثاني أكبر دولة في العالم بعد إسرائيل في قائمة المساعدات الأميركية الخارجية، حيث تحصل على 2 مليار دولار سنويا، بعدما اكتفى مرسي بإصدار توبيخ خفيف للمحتجين – على فيس بوك – في الوقت الذي دعت فيه جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها إلى يوم آخر من المظاهرات ضد الفيلم المعادي للإسلام، الذي أثار هذه الموجة من الاحتجاجات. وعلى الرغم من التنسيق بين الشرطة المصرية والمسؤولين الأميركيين، انتظر مرسي 24 ساعة قبل أن يصدر بيانا ضد المحتجين الذين اقتحموا السفارة. وعلى الجانب الأخر، أصدرت السلطات الليبية بيانات فورية، لا لبس فيها عبرت من خلالها عن أسفها لما حدث في بنغازي.

وذكرت وكالة رويترز للأنباء أن مرسي قد صرح في بيان «متلفز» يوم الخميس أنه يؤيد الاحتجاجات السلمية، ولكن من الخطأ مهاجمة الناس أو السفارات، مضيفا: «إن الإعراب عن الرأي، وحرية الاحتجاج وإعلان المواقف مكفولة من دون الاعتداء على الملكية الخاصة أو العامة، والبعثات الدبلوماسية أو السفارات». وأشارت «رويترز» أيضا إلى أن مرسي قد أدان مقتل السفير الأميركي.

وأشار أوباما إلى أن العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر تتطور. وقال الرئيس الأميركي خلال حوار له مع شبكة «تيلموندو» الأميركية، الذي أذيع مساء الأربعاء الماضي في برنامج «راشيل مادو شو» على قناة «إم إس إن بي سي»: «لا أعتقد أننا نعد مصر حليفا، لكننا لا نعدها عدوا. أعتقد أن الأمر في طور التغير، لكن من المؤكد أن ما نتوقعه في هذا الموقف هو الاستجابة لإصرارنا على حماية سفارتنا والعاملين بها».

ومن جهته، قال السفير الأميركي الأسبق لدى إسرائيل مارتن إنديك إن «القضية السياسية الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة هي مصر». وأضاف: «على الرغم من عدم مقتل أي أميركي، إلا أن هذا الاقتحام هو الرابع من نوعه ضد السفارة الأميركية في القاهرة، في الوقت الذي يكون فيه رد فعل الشرطة فاترا». وتساءل إنديك «أين إدانة الرئيس مرسي من كل هذا؟».

وقال كثير من الخبراء إنهم يخشون من أن يفضل الرئيس مرسي استرضاء الإسلاميين في بلاده على الأمن القومي لمصر.

يأتي هذا في الوقت الذي تقوم فيه حكومة مرسي بتحركات أخرى مثيرة للقلق، بما في ذلك القيود المفروضة على حرية الصحافة والصراع مع إسرائيل حول كيفية اتخاذ إجراءات صارمة ضد الإرهابيين الموجودين في شبه جزيرة سيناء. وما يجعل التوجه المصري الغامض مربكا للبيت الأبيض هو أن أوباما، أكثر من أي رئيس أي دولة أجنبية أخرى، كان قد ساند أكثر من مرة الشارع المصري، حتى عندما تعارض هذا الدعم بوضوح مع رغبات الحلفاء التقليديين، بما في ذلك الجيش المصري، ودول الخليج العربي وإسرائيل.

وفي شهر يونيو (حزيران) الماضي، دعا أوباما الجيش المصري لتسليم السلطة بسرعة لحكومة مدنية منتخبة – وهو التحرك الذي ساعد مرسي وجماعته الداعية لتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد على تولي السلطة. وفي نفس الوقت، كان هذا الموقف يعد بمثابة عقاب للجيش المصري، الذي ظل الحصن المنيع للمصالح الأساسية والاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط لمدة 30 عاما، من خلال المحافظة على معاهدة كامب ديفيد الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979.

وبعد كل هذا، فإن اندلاع الاحتجاجات المناهضة للولايات المتحدة في مصر يمكن أن يعكس عمق الخلافات بين الولايات المتحدة وبين مصر التي كانت واحدة من أقوى حلفائها في المنطقة. وفي الواقع، جاء رد الفعل المتأخر من قبل مرسي بعد عدد من المواقف التي أربكت المسؤولين الأميركيين، بدءا من حضور مؤتمر عدم الانحياز بالعاصمة الإيرانية طهران وحتى اختيار الصين لتكون إحدى زياراته الخارجية بعد توليه السلطة. وكان أوباما قد تعهد بشطب مليار دولار من الديون المصرية.

وتساءل ستيف كوك، وهو زميل بارز بمجلس العلاقات الخارجية بالكونغرس الأميركي، : «كيف يمكن للرئيس أن يذهب إلى الكونغرس ويقول (نرغب في شطب مليار دولار من ديون مصر؟)». وأضاف كوك: «والشيء الذي يزيد الأمر تعقيدا هو أن ذلك يحدث قبل ستة أسابيع فقط من الانتخابات.. إن الأشياء التي تريد الإدارة الأميركية القيام بها في مصر قد باتت تمثل عبئا ثقيلا».

ويقول ديفيد ماكوفسكي، وهو زميل بارز بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: «ثمة كثير من علامات الاستفهام الجادة والحقيقية بشأن توجهات الحكومة المصرية التي سيتم التغاضي عن بعضها في الوقت الحالي بسبب الانتخابات، ولكن من المرجح أن تعود الإدارة الأميركية للتعامل معها في وقت لاحق».

ويرى بعض المحللين أن احتمالات النجاح مع ليبيا قد تكون أكبر، لأن المشاكل التي تعاني منها ليبيا تكمن في عدم وجود إدارة فعالة وفي المشاكل الأمنية مع المواطنين المدججين بالسلاح، وليس في حركة سياسية وصلت مؤخرا للسلطة (جماعة الإخوان المسلمين) وتنظر إليها الولايات المتحدة بعين الشك والريبة منذ زمن بعيد.

وقال دينيس روس، وهو مستشار سابق في البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط: «العامة في ليبيا مؤيدون للولايات المتحدة، ولذا قد يكون هناك رد فعل عنيف ضد المسؤولين عن هذا الحادث»، مضيفا أن الأمر في مصر يختلف تماما لأن «مرسي والإخوان المسلمين مستمرون في العيش وفقا للواقع الخاص بهم. وإذا كانوا يرغبون في الحصول على دعم اقتصادي واستثمار من الخارج، فعليهم العمل على وجود مناخ آمن».

* ساهم في كتابة التقرير بيتر بيكر من واشنطن وريتشارد بيري من باريس

* خدمة «نيويورك تايمز»