الحكومة المغربية تتهم صحيفة محلية بـ«التحريض» وتلوح بمقاضاتها

وزير الإعلام: الأخبار الزائفة قد تمس بسلامة رئيس الحكومة

TT

اتهمت الحكومة المغربية صحيفة محلية مستقلة «بالتحريض» و«شن حرب نفسية» ضدها، في بادرة غير مسبوقة، ولوحت باللجوء إلى القضاء. وجاء ذلك في تكذيبين منفصلين صدرا الليلة قبل الماضية عن رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، وقبله محمد الوفا وزير التربية والتعليم، نفيا من خلالهما خبرين أوردتهما يومية «الصباح» في عددي يومي الأربعاء والخميس.

وفي غضون ذلك قال مصطفى الخلفي وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة إن نشر الأخبار الزائفة من قبل بعض الصحف من شأنه المس بمصداقية العمل الحكومي، وقد تصل إلى المس بسلامة رئيس الحكومة، بيد أن الصحيفة اعتبرت اتهام الحكومة لها بالتحريض كونه أمرا «خطيرا» يمس بحرية التعبير.

وكانت يومية «الصباح» قد نشرت أول من أمس أن رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران أوقف عملية توزيع نحو 700 رخصة نقل سبق أن منحها الملك محمد السادس لعدد من المواطنين، قبل تشكيل الحكومة الحالية، وأوضحت الصحيفة استنادا إلى مصادر قالت إنها موثوقة أن ابن كيران سبق أن أخبر مجموعة من الموعودين بالاستفادة من الرخص في لقاء مباشر معهم بأنهم سيتوصلون برخصهم بعد عيد الفطر الماضي بيد أنه تراجع عن ذلك على اعتبار أن العملية تدخل ضمن اقتصاد الريع الذي تسعى الحكومة المغربية إلى محاربته. ونفى ابن كيران ما أوردته الصحيفة واعتبره «خبرا زائفا» و«عاريا من الصحة ويتضمن تحريضا ضد رئيس الحكومة»، ودعا الصحيفة إلى نشر التكذيب وأكد على حقه في اللجوء إلى القضاء.

من جهته نفى محمد الوفا، وزير التربية الوطنية بدوره «نفيا قاطعا» خبرا أوردته الصحيفة نفسها، الأربعاء الماضي، تحت عنوان «ابن كيران للوفا: هل تريد قطع مصدر رزقي». وكانت الصحيفة قد كشفت أن الوزير الوفا صرح في اجتماع له مع ممثلين عن المدارس الخاصة، استنادا إلى مصادر حضرت الاجتماع، أن ابن كيران اعترض على قرار أصدره الوفا يقضي بمنع المدرسين العاملين بالمدارس الحكومية من التدريس في المدارس الخاصة، على اعتبار أن ابن كيران يدير مدرستين للتعليم الخاص.

واعتبر الوفا أن الخبر الذي أوردته الصحيفة «يدخل في إطار الحرب النفسية التي تسعى إلى شنها على الحكومة». وأضاف أن «مثل هذه القضايا المصيرية لا يمكن البتة أن تكون موضوع مزاح بيني وبين رئيس الحكومة»، مشيرا إلى أنه يحتفظ بحقه في متابعة الصحيفة قضائيا في حال عدم نشر التكذيب.

وتعليقا على صدور تكذيبين لخبرين نشرتهما صحيفته، عن كل من رئيس الحكومة ووزير التربية والتعليم، واتهام الحكومة لها بالتحريض، قال خالد الحري رئيس تحرير صحيفة الصباح لـ«الشرق الأوسط» إن التكذيبين سينشران اليوم (السبت) في الصحيفة مرفقين بتعليق، وأوضح الحري أن التكذيب الذي أصدره الوزير الوفا لا يرى أي مسوغ له، وقال إنه يوجد شهود عيان أكدوا الخبر، كما أن لدى الصحيفة تسجيلا عن ما دار في ذلك الاجتماع، مشيرا إلى أنه «كلما خرج ما يدور في الكواليس إلى العلن يقومون بتكذيبه».

أما الخبر المتعلق بابن كيران، فقال الحري إنه خبر مؤكد أيضا، وقال إن عددا من الأشخاص الذي وعدوا بمنحهم رخص النقل قدموا أمس (الجمعة) إلى مقر الصحيفة ونقلوا أن ابن كيران عاتبهم وقال لهم لماذا أخبرتم صحيفة «الصباح»، ووعدهم بحل مشكلتهم. وأضاف الحري أن «الحكومة هي من تمارس حربا نفسية ضد الصحافة المستقلة لأنها لا تريدنا أن ننقل أخبارا عادية بكل تجرد ومصداقية بل أخبارا لصالحها». وزاد قائلا: «لا أعتقد أنه بهذا المنطق ستسير الصحافة في ظل الديمقراطية والحكامة التي تنادي بها الحكومة نفسها». ومضى يقول: «الافتراء على صحيفة بهذا الشكل يدعو للضحك والسخرية» من وجهة نظره. وأضاف «اتهام صحيفة بالتحريض أمر خطير، فنحن لسنا مؤسسة سياسية أو حزبية بل دورنا هو إخبار الرأي العام».

من جهته قال مصطفى الخلفي، وزير الاتصال (الإعلام) الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن الحكومة ناقشت خلال اجتماعها الأسبوعي أول من أمس «طريقة تعامل بعض وسائل الإعلام مع العمل الحكومي، خاصة عندما يتم نشر اتهامات أو أخبار زائفة وغير صحيحة ودون أن يتم الاتصال بالجهات المعنية». وأضاف الخلفي ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» خلال اللقاء الصحافي الذي عقد عقب اجتماع الحكومة، حول صحة ما يتردد عن وجود خلافات بين عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة، ومحند العنصر وزير الداخلية، أود الإشارة إلى قضية أكبر وأهم وكانت موضوع نقاش خلال اجتماع الحكومة، وأشار الخلفي في هذا الصدد إلى أنه نسب إلى محمد الوفا وزير التعليم قوله إن ابن كيران اعترض على قرار منع مدرسي المدارس الحكومية التدريس في المدارس الخاصة، لأن رئيس الحكومة كان يدير قبل تعيينه رئيسا للحكومة مدرستين خاصتين، وشدد الخلفي على أن الخبر لا أساس له من الصحة على الإطلاق. مشيرا إلى أن مثل هذا الخبر يترتب عليه تأويل يمس بمصداقية العمل الحكومي، لأن الأمور الشخصية لا علاقة لها بقرارات وسياسة الحكومة. ومضى الخلفي يقول «في اليوم الموالي نشرت الصحيفة نفسها خبرا بشأن رخص نقل منحها الملك لبعض الأشخاص، وقالت إن رئيس الحكومة أوقف تلك الرخص، علما أن هذا لم يحدث على الإطلاق، والخبر غير صحيح ويمكن أن تنجم عنه تداعيات تمس بشخص رئيس الحكومة وربما تصل إلى حد المس بسلامته بسبب هذه الأخبار الزائفة». وتابع الخلفي قائلا: «التزمت الحكومة ببرنامج إصلاحي وشمولي لموضوع الرخص، وأعلن عن ذلك رئيس الحكومة في إحدى جلسات الأسئلة الشهرية في البرلمان». ومضى الخلفي يقول في تصريحاته للمراسلين «لا أخفيكم.. تسود وسط الحكومة حالة قلق كبيرة حول بعض الممارسات الصحافية، وجرت مناقشة الموضوع داخل اجتماع الحكومة». وزاد قائلا: «حرية الصحافة مكسب لا يمكن التراجع عنه، لكن هناك في نفس الوقت أخلاقيات المهنة التي تنص على قواعد التثبت والتحري وعدم نشر أخبار من دون أدلة وكذلك عدم نشر أخبار غير صحيحة لأن هذا من شأنه أن يمس بنبل رسالة العمل الصحافي». وقال الخلفي إن الحكومة مستعدة للإجابة على جميع الأسئلة والقضايا.

يذكر أنها ليست المرة الأولى التي يكذب فيها ابن كيران خبرا تنشره يومية «الصباح» فقد سبق له أن نفى وجود «سوء تفاهم بينه وبين المحيط الملكي» في إشارة إلى مستشاري الملك، وقال ابن كيران ردا على تصريحات نسبتها إليه «الصباح»: «يؤسفني أن أعلن للرأي العام أن الموضوع الذي نشر تحت عنوان (ابن كيران: لا تواصل بيني وبين محيط الملك) مليء بالافتراء والدس لإفساد التعاون القائم بين المؤسسات الدستورية تحت قيادة الملك»، واعتذر ابن كيران للملك ومستشاريه على أثر التصريحات التي أوردتها الصحيفة.