اضطرابات في قطاع المناجم الحيوي بجنوب أفريقيا

عمال يواصلون احتجاجاتهم المطالبة برفع الأجور.. واتهامات للحزب الحاكم بالتخلي عن الفقراء

عمال منجم يواصلون احتجاجهم بعد رفضهم عرضا جديدا برفع الأجور في مدينة ماريكانا أمس (أ.ب)
TT

زادت وتيرة الاحتجاجات العمالية التي تجتاح مناجم جنوب أفريقيا مؤخرا، حيث دفعت أعمال الشغب إلى توقف الإنتاج في عدد من المناجم المنتشرة في هذه الدولة الأفريقية، التي تعد أكبر منتج للبلاتين في العالم، في الوقت الذي تقوم فيه قوات الأمن بإطلاق القنابل المسيلة للدموع على العمال المحتجين في أحد أكبر مناجم الذهب هناك.

وامتدت أعمال الشغب إلى كافة المناطق المنتجة للذهب والبلاتين المحيطة بجوهانسبورغ بعد أن قامت قوات الشرطة بقتل 34 عاملا في أحد مناجم استخراج البلاتين في الشهر الماضي في مدينة ماريكانا، والتي تقع على بعد 80 ميلا إلى الشمال الغربي من جوهانسبورغ، في محاولة لوقف أعمال العنف والإضرابات غير القانونية التي يقوم بها العمال الذين يطالبون بزيادة رواتبهم. وأدى انتشار هذه الاضطرابات إلى زعزعة الاستقرار في واحدة من أهم الصناعات في جنوب أفريقيا، والتي تعد أكبر الاقتصادات في القارة الأفريقية.

وفي الخطاب الذي ألقاه أمام العمال المضربين في أحد مناجم الذهب يوم الاثنين الماضي، دعا يوليوس ماليما، الرئيس السابق لـ«رابطة شباب حزب المؤتمر الوطني الأفريقي»، إلى تنظيم إضراب عام في كل مناجم في البلاد حتى يتم زيادة رواتب كافة العاملين بقطاع التعدين إلى 12500 راند (1500 دولار) شهريا، وهو ما يعتبر مثلين أو ثلاثة أمثال الأجور التي يتقاضونها حاليا. وقال ماليما، الذي كان يرتدي قميصا أبيض اللون مطرزا عليه شعار «حزب المؤتمر الوطني الأفريقي»، الذي تم طرده منه، وقبعة سوداء: «أين قادتنا؟ لقد باع قادتنا جنوب أفريقيا. إنهم نائمون في العاصمة».

وأمس، رفض العمال المضربون في منجم ماريكانا عرضا بزيادة الأجور ليبددوا أي آمال في إنهاء أسابيع من الإضرابات التي اجتاحت قطاع البلاتين في البلاد. ورفض العمال العرض باعتباره أقل كثيرا من مبلغ 1500 دولار الذي يطالبون به. وقال موليفي فيلي المتحدث باسم العمال المضربين: «نحن غير مهتمين. ما يعرض علينا لا يمكن أن يشتري لنا أي شيء. كل ما نطلبه هو 12500 راند».

وفي خضم هذه الاضطرابات، أعلنت شركة «أنجلو أميركان بلاتينيوم»، التي تقول إنها تنتج نحو 40% من معدن البلاتين في العالم، يوم الأربعاء الماضي عن إيقاف عمليات التعدين بالقرب من ماريكانا بسبب وجود تهديدات ضد عمالها.

وأكدت الشركة في البيان الرسمي الذي أصدرته: «في ظل الاضطرابات الحالية التي تشهدها منطقة روستنبورغ، حيث يتم منع موظفينا الذين يرغبون في العودة للعمل من القيام بذلك، فضلا عن المحاولات الرامية إلى إرهابهم عن طريق مثل هذه التهديدات العنيفة، قررت شركة (أنجلو أميركان بلاتينيوم) تعليق عملياتها هناك».

وقامت قوات الأمن يوم الأربعاء بإطلاق القنابل المسيلة للدموع على العمال المضربين في أحد مناجم الذهب في مدينة كارلتونفيل، التي تقع على بعد 50 ميلا إلى الجنوب الغربي من جوهانسبورغ. وفي يوم الأحد الماضي، قام نحو 15000 عامل بترك وظائفهم في هذا المنجم التي تديره شركة «غولد فيلدز».

ولا يزال المنجم الذي شهد عمليات القتل في مدينة ماريكانا، والذي تملكه شركة «لونمين» التي يقع مقرها في لندن، مغلقا منذ أكثر من شهر، بعد أن دخل مشغلو معدات حفر الصخور في الشركة، والذين يقومون بأصعب وأخطر الأعمال، بالدخول في إضراب للمطالبة بزيادة رواتبهم.

عبر العمال المضربون، الذين ينتمي معظمهم لأحد الاتحادات العمالية الراديكالية الانفصالية، عن سخطهم من سياسات «الاتحاد الوطني لعمال المناجم» في جنوب أفريقيا، والذي يعد جزءا من اتحاد النقابات التجارية المتحالفة مع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم.

وحتى الوقت الحالي، لم تؤد هذه الاضطرابات إلى إحداث أضرار كبيرة سواء في الاقتصاد أو سوق الأوراق المالية أو العملة الرسمية في جنوب أفريقيا. ويقول فرانس كرونجي، وهو محلل في «معهد جنوب أفريقيا للعلاقات العرقية»، وهي مؤسسة بحثية تقوم بتقديم الاستشارات للمستثمرين، إن الاضطرابات العمالية تعد أمرا شائع الحدوث في جنوب أفريقيا، رغم أنها لا تكون عادة بمثل هذا العنف. ويضيف كرونجي: «تمتلك جنوب أفريقيا تاريخا من الصراع وعدم الاستقرار والعنف».

تبرز مثل هذه الإضرابات المشاكل التي تواجهها البلاد، والتي تتمثل في وجود أعلى معدل من عدم المساواة بين كافة الاقتصادات الكبرى في العالم، طبقا لبعض التقديرات، ومعدلات البطالة الكبيرة التي تصل إلى 50% بين الشباب الأسود، فضلا عن نظام التعليم الذي لا يقوم بإعداد الخريج جيدا لشغل الوظائف المتاحة في البلاد. وبات كثيرون الآن ينظرون إلى «حزب المؤتمر الوطني الأفريقي» الحاكم في جنوب أفريقيا، والذي يصف نفسه بأنه حامي الفقراء، على أنه متساهل للغاية مع أصحاب رؤوس الأموال.

ويقول كرونجي: «لم يدرك عالم الشركات بعد مدى خطورة مشكلة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه البلاد. تشعر هذه الشركات في كثير من الأحيان أن علاقاتها السياسية هي الملاذ الآمن الذي سيمكنهم من التغلب على هذه المشكلة. ولكن كتلة التصويت الأكبر في البلاد هم هؤلاء الأشخاص الذين لا يقومون بالتصويت في الانتخابات، لذا فمن غير المجدي أن يكون لديك أحد أعضاء (حزب المؤتمر الوطني الأفريقي) داخل مجلس إدارتك».

ويقوم ماليما، الذي تم طرده من «حزب المؤتمر الوطني الأفريقي» نظرا لقيامه بنثر بذور الخلاف بين أعضاء الحزب، بزيارات متكررة لعمال المناجم المضربين، فيما يراه البعض محاولة منه لتعزيز شعبيته في إطار مساعيه الرامية لإقالة الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما من رئاسة الحزب. يخضع الآن ماليما، المعروف عنه تصريحاته المتطرفة التي تدعو إلى تأميم مناجم البلاد والاستيلاء على مزارع البيض دون دفع تعويضات، للكثير من التحقيقات حول وجود شبهات فساد في ثروته الطائلة التي اكتسبها في ظروف غامضة.

قوبل ماليما باستقبال حار من جانب عمال مناجم الذهب المضربين، الذين قاموا بالتلويح له وإنشاد الأغاني التي تشيد به، حيث كان أحد هؤلاء العمال المضربين يحمل لافتة مكتوب عليها: «جوجو للرئاسة»، مستخدما اللقب الذي يطلق على ماليما، ولكن العمال الآخرين أبدوا تشككهم حيال ذلك.

ويقول فوسي تشوميلا، عامل في مناجم الذهب ويبلغ من العمر 28 عاما: «هو يقول إن أصحاب هذه المناجم يقومون باستغلالنا، ولكن السياسيين يستغلوننا أيضا»، مضيفا: «أعتقد أنه يقوم أيضا باستغلالنا هو الآخر».

* خدمة «نيويورك تايمز»