مصادر دبلوماسية عربية: الإبراهيمي يسعى للبقاء على مسافة واحدة من الطرفين المتنازعين في سوريا

قالت إن الإبراهيمي «يتريث» في الكشف عن أفكاره ولم يتبن خطة سلفه

TT

قالت مصادر دبلوماسية عربية في العاصمة الفرنسية إن المبعوث الدولي - العربي الأخضر الإبراهيمي «حريص على عدم حرق أوراقه وتحاشي الوقوف مع فريق دون آخر» للمحافظة على مهمته وترك قنوات التواصل مفتوحة مع كافة الفرقاء.

وترى هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، أن الإبراهيمي، وهو الدبلوماسي المتمرس، يجد نفسه كـ«بهلوان» يسير على حبل مشدود وهو مهدد في أية لحظة بالوقوع في هذا الجانب أو ذاك، وفي حال وقوعه «فلن تقوم له قائمة بعدها».

ويعي الإبراهيمي صعوبة مهمته التي يصفها بـ«المستحيلة»، إذ عليه النجاح حيث فشلت الجامعة العربية والأمم المتحدة والوسيط الدولي السابق كوفي أنان في وقف حرب بدأت قبل 18 شهرا وأوقعت ما يزيد على عشرين ألف قتيل.

وبعد بداية متعثرة عكستها تصريحات مبهمة حول عدم قدرته على المطالبة بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد، فهم الإبراهيمي أن عليه «التكتم» والامتناع عن أي كلام يمكن أن يثير هذا الطرف أو ذاك، وأن يكرس وقته، في المرحلة الأولى «للاستماع» للأطراف المعنية. وهكذا توجه إلى نيويورك وبعدها إلى القاهرة ومنها إلى دمشق. كما أنه ينوي زيارة العواصم الفاعلة الأخرى.

وحتى الآن، لم يقل الدبلوماسي الجزائري الذي رحبت بتعيينه كل الأطراف، ما خطته أو على الأقل ما أفكاره. بل كل ما صدر عنه في الأيام التي انقضت رسميا على تعيينه «منذ الأول من سبتمبر (أيلول)» هو تحذيره من المخاطر التي تتربص بسوريا ومن تفاقم الوضع فيها، وتأكيده أن الحل يجب أن يأتي من السوريين ولمصلحتهم.

وتلحظ المصادر الدبلوماسية العربية وجود «نقاط تماس» بين الإبراهيمي والمعسكر العربي - الغربي المناصر للمعارضة وبينه وبين معسكر النظام والجهات الخارجية الداعمة له وعلى رأسها الثلاثي الإيراني - الروسي - الصيني.

فمن جهة، يرفض الإبراهيمي تبني الموقف العربي - الغربي «وهو موقف المعارضة والمجلس الوطني السوري بشكل رئيسي» الذي يعتبر أن لا حل سياسيا بوجود الأسد في السلطة وأن رحيله شرط مسبق. وينهض هذا الموقف عربيا على التوصية التي صدرت عن الجامعة العربية في شهر يوليو (تموز) الماضي، وغربيا على «ورقة جنيف» التي تتحدث عن الانتقال السياسي وعلى خلاصات اجتماع «أصدقاء الشعب السوري» في باريس في 6 يوليو التي شددت على رحيل الأسد.

فضلا عن ذلك، فإن الإبراهيمي يبتعد عن الموقف الغربي بدعوته إلى إشراك إيران في الحل باعتبارها طرفا مؤثرا على سوريا، وهو الموقف الذي التزمه سلفه أنان. لكن الضغوط الغربية منعت الأمين العام السابق للأمم المتحدة من ضمها إلى «مجموعة العمل» التي اجتمعت في جنيف والتي خرجت بما يشبه «ورقة طريق» للحل في سوريا، بقيت حبرا على ورق بسبب الاختلاف على تفسير بندها الأول؛ بين من يعتبر أنه يدعو إلى رحيل الأسد «الغرب» ومن يدافع عن تفسير مغاير تماما «روسيا والصين»، باعتبار أن البند المذكور لم يأت أبدا على ذكر الأسد.

فضلا عن ذلك، تفيد المصادر الدبلوماسية بأن الإبراهيمي رفض في المشاورات التي أجراها في القاهرة مع أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي ورئيس اللجنة العربية لمتابعة الوضع في سوريا (رئيس وزراء ووزير خارجية قطر)، الالتزام بسقف زمني محدد لمهمته. وسبب الدعوة العربية التخوف من استمرار النظام السوري في المماطلة وكسب الوقت. لكن للإبراهيمي «فلسفة أخرى»، كما تقول المصادر العربية التي ترى أن «إعطاء إنذار للأسد» لن يفيد، كما أنه يريد أن يبقى طليق اليدين حتى إزاء ما توصل إليه أنان.

يبقى، وفق المصادر الدبلوماسية العربية، أن أعتى ما يواجه الإبراهيمي هو استمرار انقسام الأسرة الدولية ووجود معركة «لي ذراع» بين واشنطن وموسكو حول سوريا، الأمر الذي برز علنا في الفترة الأخيرة في لقاء الوزيرين كلينتون ولافروف في فلاديفوستوك. ويترافق ذلك مع ما يبدو أن الطرفين ومن يدعمهما قررا الاحتكام إلى ما يجري في ساحة القتال لإحداث تغيير في ميزان القوى وتحسين المواقع التفاوضية.

وبينما تحاول المعارضة المسلحة، رغم تناقضاتها وافتقارها إلى التنظيم والتنسيق بينها، قضم مناطق جديدة وتشتيت قوى النظام بإشعال عدة جبهات في وقت واحد - فإن الأخير يحاول إعادة فرض سيطرته عليها باللجوء إلى استراتيجية تدميرية على نطاق واسع واستخدام كل قواته، بما فيها القوات الجوية، طالما أن الأسرة الدولية لم تنجح في فرض المناطق الآمنة أو منع طيرانه من التحليق أو إيجاد ممرات إنسانية أو غيرها من الإجراءات.

وتوجز المصادر العربية وضع الإبراهيمي بأنه «موجود بين نارين»، وأن كل خطوة «غير محسوبة» يمكن أن تطيح بمهمته التي لا يوجد لها كثير ممن يراهنون على نجاحها أصلا.