مسلمون ومسيحيون مصريون يحاولون تجاوز حقل ألغام الفيلم المسيء

الشرطة البلجيكية تعتقل 250 من المحتجين على الفيلم المسيء > هولندا: زعيم اليمين المتشدد يعرض الفيلم عبر صفحته على الإنترنت

محتجون يمنيون في طريقهم إلى مبنى السفارة الأميركية في صنعاء للتعبير عن غضبهم ضد الفيلم المسيء للرسول (رويترز)
TT

نشر رجل أعمال مسيحي مصري إيضاحا في 3 صحف محلية واسعة الانتشار بشأن تشابه بين اسم نجله وواحد ممن وردت أسماؤهم ضمن المسؤولين عن إنتاج فيلم يسيء للرسول (صلى الله عليه وسلم). ويعكس هذا الإيضاح قدر المخاوف من أن يتسبب أي خطأ في تفجير أزمة طائفية جديدة في البلاد. ويبدو أن المصريين اليوم يتحسسون مواضع أقدامهم، سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين، لكي يعبروا «حقل ألغام» الفيلم المسيء للرسول الكريم.

وبعيدا عن محيط السفارة الأميركية في القاهرة، حيث دارت على مدار بضعة أيام اشتباكات بين قوات مكافحة الشغب ومحتجين غاضبين، لا يوجد تأثير يذكر بشأن تداعيات أزمة الفيلم، لكن الأجواء مثقلة بالترقب الحذر.

ويشتكي المسيحيون المصريون من إجراءات تمييزية بحقهم، على الرغم من أن الدستور والقانون في البلاد يتيحان حرية الاعتقاد ويجرمان التمييز على أساس الدين، كما وقعت خلال العقود الماضية اشتباكات وأحداث طائفية راح ضحيتها العشرات من الجانبين المسيحيين والمسلمين.

ويرى مراقبون أن وصول الإسلاميين إلى الحكم ساهم في تعزيز مخاوف المسيحيين، لكنه حجّم أيضا من ردود الفعل الغاضبة تجاه الفيلم المسيء، حتى من الحلفاء الأكثر تشددا لجماعة الإخوان المسلمين التي تهمين على السلطة في البلاد حاليا.

وتتهم جماعة الإخوان وذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة، أطرافا داخلية بتأجيج الأزمة أمام السفارة الأميركية بوسط القاهرة، لتوتير علاقات الحكومة الإخوانية بالغرب، كما تنصلت أحزاب وحركات إسلامية من محاولات المحتجين اقتحام السفارة الأميركية وإنزال العلم الأميركي.

وسارعت الجبهة السلفية، وهي رابطة تضم عدة رموز إسلامية وسلفية مستقلة، كما تضم تكتلات دعوية، بتقديم اعتذار شديد للقمص صليب متى ساويرس، حيث رفعت الصفحة الخاصة بالجبهة صورته وموضوعا نسب إليه على أنه الأب يوتا، وقالت الجبهة إن «هذا خطأ كبير وغير مقصود على الإطلاق، حيث إن شخصية المدعو بالأب يوتا شخصية مغايرة تماما للقمص صليب متى ساويرس».

وأرسلت الجمعية القبطية الإيطالية بميلانو خطابا أمس إلى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب تستنكر فيه بشدة الانتهاكات المريبة التي قامت بها مجموعة، وصفها الخطاب بـ«الضالة»، في إنتاج هذا الفيلم المسيء للعالم بأكمله. وقد طالبت الجمعية في خطابها بمحاكمة كل من تسول له نفسه تعدي الخطوط الحمراء وازدراء الأديان، وصرحوا بأنهم كمجتمع مسيحي يقفون جميعا للتصدي لهذه الإهانات المستفزة.

وقال بيان صادر عن بيت العائلة المصري، وهو تجمع يضم الأزهر والكنائس المصرية الكبرى، إنه يراقب الأحداث وما يصدر من بيانات ويرى أن مصدر هذه الإساءات المتكررة ليس عقلاء الناس ولا العاديين منهم، وإنما هي جهات تقف وراءها مؤسسات الهيمنة الاستعمارية، ومعها الصهيونية، التي يجاهدها الإسلام لكسر هيمنتها. وأفصحت ماري منير وهي شابة مسيحية لـ«الشرق الأوسط» عن مخاوفها بشأن الفترة المقبلة، قالت: «نحن نشعر بالقلق.. لا يوجد شيء حتى الآن، لكن الأوضاع غير مريحة».

وتابعت: «المؤسف أننا نكره موريس صادق (أحد المصريين المشاركين في إنتاج الفيلم المسيء) ربما أكثر من المسلمين، فهذا الرجل قد أساء كثيرا للبابا الراحل شنودة الثالث والكنيسة.. نحن نشعر بأن بعض المسيحيين في الخارج لا يتحملون المسؤولية؛ فهم يعيشون مرتاحين هناك (في الغرب) ويجلبون لنا المشكلات هنا».

«سأخبرك قصة» هكذا استهل مينا أشرف (26 عاما) حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قال: «كنت أتحدث إلى فتاة هندية على (فيس بوك)، وسألتني عن جنسيتي.. قلت إنني مصري، فرد على الفور: أنت إرهابي إذن. فأوضحت لها أن اسمي مينا، فردت ببساطة: أنتم في مصر جميعا إرهابيون». تابع أشرف: «ما يحدث هنا ينعكس علينا جميعا، مسيحيين ومسلمين.. وحينما يتأثر الاقتصاد بما يجري الآن سنقف جميعا أيضا في طوابير الخبز والبنزين.. لكن مع الأسف لا أحد يدرك ذلك». ومنذ بدء أحداث العنف في محيط السفارة الأميركية في القاهرة، على خلفية أزمة الفيلم المسيء، وحد عدد كبير من المسيحيين على شبكة التواصل الاجتماعي «فيس بوك» صور صفحاتهم الشخصية، حيث حملت لافتة مكتوب عليها اعتذار للمسلمين على الفيلم المسيء نصه: «أنا مسيحي ضد الفيلم المسيء».

وفي بروكسل، قالت الشرطة البلجيكية إنها اعتقلت أعدادا كبيرة من المحتجين على الفيلم المسيء للإسلام، عقب مصادمات وقعت بين المئات من المشاركين في مظاهرة مساء السبت وعناصر الشرطة التي حاولت الإبقاء على المظاهرة في مكان محدد، وعدم توسعها، وفي نفس الإطار قام زعيم اليمين المتشدد في هولندا، خيرت فيلدرز، بوضع الفيلم المثير للجدل «براءة المسلمين» على موقعه بالإنترنت، وقال فيلدرز لوكالة الأنباء الهولندية إنه أراد توجيه رسالة مفادها أن العنف لا يجدي.

وفي مدينة انتويرب البلجيكية، قال فونس باستيانسن المتحدث باسم الشرطة، إن المظاهرة التي نظمت، مساء أول من أمس، وشارك فيها المئات للاحتجاج على الفيلم المسيء قد خرجت عن السيطرة، ووقعت مصادمات بين الشرطة والمتظاهرين، واستخدم رجال الأمن الهراوات الخاصة بالتعامل مع المتظاهرين وتؤدي إلى السيطرة عليهم, ونجحت في اعتقال 230 شخصا، وقالت مصادر أخرى إن العدد 250 عنصرا من المشاركين في المظاهرة، وهم من أبناء الجالية المسلمة التي يشكل المغاربة والأتراك الجزء الأكبر منها، وقالت الشرطة إن اعتقال هذا العدد ساهم في عودة الهدوء النسبي، ولكن لا أحد يعلم ماذا تحمل الساعات المقبلة، وقد بدأت السلطات في إطلاق سراح أعداد من المعتقلين على فترات، وفي نفس الوقت قررت إحالة عدد منهم إلى المحاكمة بتهمة ضرب رجال الشرطة، وقالت السلطات إنه لم تقع إصابات خلال المظاهرة، وتساءلت وسائل إعلام بلجيكية عن دور محتمل لجماعة تعرف باسم «الشريعة» في بلجيكا، في تأجيج المظاهرة، ومحاولة تحويلها إلى مصادمات مع الشرطة، وهي جماعة تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في بلجيكا، وسبق اعتقال مسؤول الجماعة، ويدعى فؤاد بلقاسمي، قبل العطلة الصيفية، على خلفية أحداث شغب وقعت في بروكسل، إثر توقيف الشرطة لسيدة منتقبة في الشارع.

وفي الدولة الجارة, هولندا، قام زعيم اليمين المتشدد خيرت فيلدرز بعرض الفيلم المسيء للجدل على موقعه الشخصي بالإنترنت «أونلاين»، وقال في تصريحات لوكالة الأنباء الهولندية، إن ما فعله يأتي في إطار الدفاع عن حرية التعبير، وفي نفس الوقت للرد على الذين يلجأون للعنف كرد فعل، وأقول لهم إن العنف لن يفيد وهو غير مقبول، وكان زعيم حزب الحرية سبق وأن نشر فيلم «فتنة» على الإنترنت في 2008، وأثار غضب الجاليات المسلمة، التي اعتبرته مسيئا للإسلام، ولقي فيلدرز هزيمة في الانتخابات التشريعية الأخيرة في بلاده، وخسر ما يقرب من نصف المقاعد التي كان يشغلها حزبه في البرلمان.

وكانت الشرطة قد أغلقت الطرق المؤدية إلى مقر السفارة الأميركية في بروكسل وقامت بإجلاء موظفي القنصلية والسفارة، بعد ظهر الجمعة الماضي، بعد أن تسربت أنباء عن وجود دعوة للتظاهر بالقرب من السفارة الأميركية، وقالت وسائل الإعلام في بروكسل إن الشرطة اتخذت عدة تدابير ونشرت فرقا أمنية متخصصة تستعين بالطائرات المروحية لمراقبة التحركات بالقرب من السفارة.