أميركا تستعد لحصار طويل الأمد للتوترات العربية

صور تمزيق وإشعال النيران في العلم الأميركي تعيد إلى الأذهان أزمة الرهائن في إيران

TT

بعد أيام من اندلاع أعمال العنف ضد أميركا في العالم الإسلامي، يستعد البيت الأبيض لفترة ممتدة من الاضطرابات التي سوف تكون بمثابة اختبار لأمن البعثات الدبلوماسية الأميركية وقدرة الرئيس أوباما على تشكيل قوى التغيير في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من الجلبة التي وسمت يوم الأربعاء، وقال مسؤولون رفيعو المستوى في الإدارة الأميركية إنهم خلصوا إلى أن الاحتجاجات العنيفة في الدول العربية ربما تكون في بعض الأحيان إرهاصات لفترة من عدم الاستقرار مع أحداث دبلوماسية وسياسية لا يمكن التكهن بها. وفي الوقت الذي يتم فيه الضغط على القادة العرب من أجل السيطرة على الاضطرابات، يقول مستشارو أوباما إنهم قد يفكرون في الحد من الأنشطة الدبلوماسية في المنطقة.

لقد أصبح هذا الهياج بسبب الفيلم المسيء للرسول فجأة هو أخطر تهديد يتعلق بالسياسة الخارجية يواجهه الرئيس في موسم الانتخابات، حيث تقول مجموعة من المحللين إنه يثير تساؤلات بشأن الأركان الأساسية التي تقوم عليها السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

ومن هذه التساؤلات: هل يقوم الرئيس بما يكفي للمساعدة في تحول الدول التي شهدت الربيع العربي من الاستبداد إلى الديمقراطية؟ هل بذل ما يكفي من جهد في مواجهة المتطرفين الإسلاميين؟ هل فشلت إدارته في التعامل مع المخاوف الأمنية؟

وتأتي هذه التساؤلات في وقت غير مناسب على الإطلاق في الداخل، حيث يخوض أوباما الانتخابات في فصل الخريف متقدما بنسبة غير مريحة في استطلاعات الرأي. لم يتم التدقيق في سياساته خلال الأيام الأولى التي أعقبت الهجوم، الذي أسفر عن مقتل أربعة أميركيين في ليبيا الأسبوع الماضي، ومن أسباب ذلك الضجة التي أثارتها تصريحات ميت رومني، الذي اتهم الرئيس بالتعاطف مع منفذي الاعتداء. وقال مسؤولو البيت الأبيض إنهم اعترفوا بأنهم كانوا بالتأكيد سيكونون في موقف الدفاع لولا تصريحات رومني. وبدا ليلة السبت أن أسوأ جزء في الأزمة قد مر حتى هذه اللحظة على الأقل. واستجابة لضغوط الإدارة الأميركية، تصدت الحكومة المصرية للمحتجين يوم السبت، وألقت الحكومة في ليبيا القبض على المشتبه في ارتكابهم أعمال العنف التي أودت بحياة أربعة أميركيين يوم الثلاثاء. ودعا القادة في المملكة العربية السعودية وتونس إلى الهدوء.

مع ذلك ما زالت صور الأسبوع الماضي، التي ظهر فيها تمزيق وإشعال النيران في العلم الأميركي ورفع العلم الإسلامي واقتحام الجماهير الغفيرة الغاضبة السفارات، تمثل عنصرا خطيرا في محاولات حصول الرئيس على مدة رئاسية أخرى في انتخابات تعد السياسة الخارجية بها نقطة قوة.

وبدأ بعض المنتقدين والمعلقين يثيرون بالفعل بعض صور أزمة الرهائن في إيران التي حكمت على رئيس آخر بالفشل. ويقول مايكل روبين، باحث في شؤون الشرق الأوسط في إدارة بوش: «بعد نجاح أوباما في قتل أسامة بن لادن والقذافي وعدم تدمير العراق، أعتقد أن أوباما ومساعديه أدركوا أهمية رعاية هذا الصندوق جيدا».

وأضاف: «يتبدد كل هذا الآن وكأنه لم يكن، فبدلا من أن يكون أوباما البطل الذي قضى على بن لادن، نتحدث عن أوباما وكأنه امتداد لجيمي كارتر، وهذا أمر غير مرغوب فيه في حملته الانتخابية». وتعهد أوباما عند توليه المنصب بإعادة النظر في علاقات أميركا بالعالم الإسلامي بعد الحرب على العراق، وألقى خطبة عصماء في جامعة القاهرة دشن خلالها حقبة جديدة من الإخاء.

وبعد أن بوغت بسلسلة من الثورات في الشرق الأوسط، اضطر أوباما في النهاية إلى دعم الثوار الذين أطاحوا بالرئيس المصري الذي ظل متربعا على سدة الحكم لفترة طويلة، وأصدر أوامر بشن ضربات جوية ساعدت على التخلص من معمر القذافي قبل أن يقتل بعد ذلك. رغم ذلك فإن إدارة أوباما حاولت بشدة تحقيق التوازن بين دعم الديمقراطية وحماية المصالح الوطنية في المنطقة، في الوقت الذي تحل فيه أحزاب إسلامية تحظى بشعبية ولا ترتبط كثيرا بواشنطن، محل الحكام المستبدين. وربما لا يكفي دعم الولايات المتحدة لمزيد من الديمقراطية لتبديد مشاعر الغضب تجاه أميركا في منطقة ليس لديها تاريخ في حكم الشعب، وتعاني مشاكل اقتصادية عظيمة. وتبدو إشارته إلى ليبيا باعتبارها نموذجا للتحول الديمقراطي موضع شك حاليا، وتقف الولايات المتحدة عاجزة أمام أعمال العنف الدموية التي تشهدها سوريا. ويقول مسؤولو الإدارة إنهم يدركون جيدا المخاطر ويشعرون بالقلق من استمرار موجة الغضب؛ لأنه مع كل احتجاج جديد، يشاهد عدد أكبر من الناس الفيلم الأميركي المسيء للإسلام الذي أشعل نيران الغضب في النفوس. ودعا تنظيم القاعدة في اليمن إلى شن المزيد من الهجمات ضد السفارات الأميركية. ويقول ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية في إدارة بوش: «الواقع هو أن الشرق الأوسط سيكون مضطربا خلال المستقبل القريب وما بعده. وسيضع هذا الولايات المتحدة أمام عدد من الاختيارات الصعبة. وسيكون هذا مثيرا للحنق لأنه في أكثر الأحداث ستكون مصالحنا أكبر من نفوذنا على الأرجح». ويقول مسؤول الإدارة إن الناس في الشوارع ليسوا هم من فازوا بالانتخابات، بل الذين خسروها؛ وأدانت الحكومات الجديدة العنف بوجه عام. إنهم يقولون إن تواصل أوباما حسن موقف الولايات المتحدة في العالم الإسلامي.

وقال بنيامين رودز، نائب مستشار الأمن القومي: «لقد فعلنا الكثير حتى نؤكد أن الولايات المتحدة ليست في حرب ضد الإسلام، واعتبار تنظيم القاعدة فصيلا واحدا فقط داخل الدين الإسلامي، لكن من الواضح أنه ما زالت هناك تحديات في بعض الأجزاء من العالم العربي. إنها تتكون منذ فترة طويلة». ويحدث تداخل غير مريح بين شقي التحدي المزدوج المتمثل في التعامل مع الأزمة في الخارج وسياسة التعامل معها في الداخل. واتجه أوباما جوا إلى لاس فيغاس لحضور فعالية من الفعاليات الانتخابية بعد ساعات من انتهاء الحداد على الضحايا الأميركيين خلال الهجوم الذي وقع بليبيا في حديقة «روز غاردن» يوم الأربعاء الماضي. وبعد وصول التوابيت المكسوة بالعلم الأميركي في قاعدة أندروس يوم الجمعة، توجه أوباما إلى مقر الحزب الديمقراطي لعقد اجتماعات في إطار حملته الانتخابية، ثم حضور فعالية لجمع الأموال خلال فترة المساء. وأشار أوباما في خطابه الأسبوعي يوم السبت إلى قلق الأميركيين من الاضطرابات، حيث قال: «أعلم أن الصور التي شاهدناها على التلفزيون مزعجة، لكن دعونا لا ننسى أن أمام كل مجموعة غاضبة، هناك الملايين الذين يتوقون إلى الحرية والكرامة ويأملون فيما يمثله علمنا».

ويحاول المسؤولون خلال الاجتماعات الماراثونية التي يتم عقدها في البيت الأبيض منذ مقتل الدبلوماسيين الأميركيين في بنغازي، توقع التطورات المقبلة والتفكير في الرد المناسب، لكنهم فوجئوا عندما تم نهب مدرسة إدارتها أميركية في تونس التي يرون أنها تمر بمرحلة تحول ناجحة.

حتى مع إرسال المزيد من قوات المارينز لحماية البعثات الدبلوماسية وسفينتين حربيتين، تواصل أوباما مع قادة مثل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وطلب مساعدوه من موقع «يوتيوب» مراجعة أمر نشره للفيلم.

كذلك يواجه فريق أوباما طبيعة الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، فمع تكثيف الحماية على السفارات بالفعل بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، يتساءل المسؤولون الأميركيون عما إذا كان من الممكن زيادة تأمين السفارات، أو عما إذا كانت هناك ضرورة للحد من الأنشطة الدبلوماسية، مثل برامج المساعدة التي تجعل الأميركيين أكثر عرضة لأي خطر، وإن كان لا يوجد خطط في هذا الصدد حتى هذه اللحظة.

* خدمة «نيويورك تايمز»