يهود العراق يطالبون الحكومتين الإسرائيلية والعراقية بتعويضات

طالبوا بتحقيق في دور الموساد.. وأحد زعمائهم لـ «الشرق الأوسط»: اليمين الإسرائيلي يطمس الحقائق التاريخية

مبان مهجورة في منطقة ببغداد كانت تسكنها في السابق غالبية يهودية («الشرق الأوسط»)
TT

اتهم يهود عراقيون أمس اليمين الإسرائيلي بـ«طمس الحقائق التاريخية» في ما يخص ظروف هجرتهم من العراق، ورفضوا حملة للحكومة الإسرائيلية تطالب بتعويضات عن أملاكهم. وطالب هؤلاء اليهود العراقيون بالتحقيق في دور الموساد في هجرتهم.

وكانت «لجنة يهود العراق» في إسرائيل، قد دعت في بيان أصدرته في تل أبيب أول من أمس إلى «فتح ملف الانفجار الذي استهدف كنيس (مسعودة) ببغداد بوضع متفجرات فيه والتوصل إلى الجهة التي تقف وراءه وما إذا كانت هذه الجهة هي الموساد بهدف تسريع رحيلهم من العراق». ودعا البيان إلى «تأسيس لجنة تحقيق في الطرق التي اعتمدها رئيس وزراء إسرائيل الأول ديفيد بن غوريون ورئيس الوزراء العراقي الراحل نوري السعيد في مطلع خمسينات القرن الماضي، مع قضية تهجير اليهود العراقيين». وأكدت اللجنة أن اليهود العراقيين «سيطالبون بنصف التعويضات من الحكومة العراقية وبالنصف الآخر من الحكومة الإسرائيلية وليس من السلطة الفلسطينية»، مشددة على «رفضهم لتعويضهم من أملاك الفلسطينيين، أو الربط بين قضية أملاكهم التي تركوها في العراق بقضية اللاجئين الفلسطينيين».

إلى ذلك، قال كوخافي شيمش، وهو محام يسكن في القدس ولكنه من مواليد العراق، لـ«الشرق الأوسط» إن اليمين الإسرائيلي المتطرف يطمس حقائق تاريخية مهمة في إطار خطة المطالبة بحقوق اليهود من أصل عربي، وإن يهود العراق هجروا وطنهم وقدموا إلى إسرائيل وتركوا أملاكهم هناك، ليس لأنهم طردوا؛ بل لأن هناك اتفاقا أبرم بين حكومة إسرائيل بقيادة ديفيد بن غوريون وحكومة العراق برئاسة نوري السعيد.

بدوره، قال الكاتب والشاعر ألموغ بهر، مؤسس «لجنة يهود بغداد في رمات جان»، إنه ورفاقه قرروا تشكيل هذه اللجنة، في أعقاب محاولة نائب وزير الخارجية وحكومة إسرائيل «استغلال تاريخنا بطريقة مهينة في ألاعيبهم السياسية». وأضاف: «ليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها محو تاريخنا واستغلاله وتشويشه، لكنها القشة التي قصمت ظهر البعير، فأقمنا، هذه اللجنة التي تضم شبابا ومسنين ورجالا ونساء من مواليد بغداد (وثلاثة موصليين، وثلاثة بصراويين أيضا) واثنين من مواليد إسرائيل في عقد التسعينات، وتضم اللجنة أشخاصا يقيمون في رمات جان، واثنين من مدينة أور - يهودا، وشخصا يقيم في القدس، وعراقيين من جهة الأب والأم، وأربعة عراقيين مختلطين (وهكذا ضمت اللجنة شخصين عراقيين كرديين، وعراقيا - مغربيا واحدا)، وضمت مهاجرين عراقيين من أبناء الجيل الأول، والثاني والثالث». وقال بهر إن تشكيل اللجنة جاء «لكي تستأنف المطالبة بتاريخنا، وثقافتنا (وأملاكنا بالطبع)، ولا نترك للآخرين، ومن ضمنهم الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل، الاستحواذ عليها لصالحها. وبناء على ذلك، كتبنا بياننا الصادر في الرابع عشر من سبتمبر (أيلول) ردا على أفعال الحكومة الإسرائيلية، وسنواصل، يوميا، الوقوف على أهبة الاستعداد، للمطالبة بمكانتنا التاريخية، إيمانا بأن التجمع البشري اليهودي العراقي الضارب في التاريخ من أبناء الجيل الأول والثاني والثالث لديه ما يقوله عن الماضي العراقي والإسرائيلي، وعن الحاضر العراقي والإسرائيلي، وعن المستقبل العراقي والإسرائيلي».

وقال كوخافي شيمش، وهو من أبرز قادة حركة «الفهود السود» في إسرائيل التي نشطت في السبعينات ضد التمييز العنصري بحق اليهود الشرقيين، إن «حكومة إسرائيل غبية في طرحها هذه الحملة لتحصيل حقوق اللاجئين اليهود من الدول العربية. فاللاجئ هو من تم طرده من وطنه. وليس هناك أنصف من أن تحل قضية اللاجئين اليهود والعرب بواسطة فتح الطريق لكل من يريد منهم أن يعود إلى وطنه. فيعود اليهود إلى الدول العربية ويعود الفلسطينيون إلى فلسطين، أي إسرائيل اليوم. فهل هذا ما تريده إسرائيل؟ فنحن تعلمنا في المدرسة أننا بصفتنا يهودا عدنا إلى وطننا الأول القديم؛ أرض الميعاد. فكيف أصبحنا لاجئين في إسرائيل؟».

إلى ذلك، قال المهندس إميل كوهين، اليهودي العراقي الحامل الجنسية البريطانية، إن هذه المطالبة «هي مسألة سياسية ليست أكثر»، مشيرا إلى أن «يهود العراق يعرفون أنهم لن يحصلوا على أية تعويضات عما جرى لهم». وقال كوهين، لـ«الشرق الأوسط» في لندن إن «اليهود العراقيين في إسرائيل كانوا قد عقدوا الأسبوع الماضي مؤتمرا بتأييد من الحكومة الإسرائيلية طالبوا خلاله بتعويضات مالية من الحكومة الإسرائيلية والعراقية مناصفة»، منبها إلى أن «الحكومة الإسرائيلية دعمت لأول مرة مثل هذه المطالب كما اعترفت بتسمية اليهود العراقيين باللاجئين لتشبيه قضيتهم باللاجئين الفلسطينيين الذين يطالبون بتعويضات من إسرائيل عن أملاكهم وحق العودة». وأضاف كوهين قائلا: «هذا نوع من المساومة والضغط على الحكومات العربية التي هجرت مواطنيها اليهود كي يكف الفلسطينيون عن المطالبة بحقوقهم»، كاشفا عن «مشروع كان قد تم الاتفاق عليه مع الحكومة العراقية يقضي بتوطين فلسطينيين مهجرين في العراق مقابل أملاك اليهود العراقيين وتهجيرهم».

كوهين، المولود في مدينة البصرة جنوب العراق عام 1943 قبل أن تنزح عائلته إلى بغداد، كشف عن أنه ترك العراق إلى بريطانيا عام 1959 لدراسة الهندسة «على أمل العودة إلى بلدي العراق؛ وبالفعل عدت خلال العطلة الصيفية عام 1961 ثم واصلت الدراسة في لندن، وفي عام 1967 صدر ضدي حكم بالسجن لستة أشهر ونشر في الصحف العراقية مع سحب جنسيتي العراقية، بينما اضطرت عائلتي للهرب عبر إيران إلى إنجلترا عام 1970 وتركوا كل أملاكهم»، مشددا على أن «أي فرد من عائلتنا لم يفكر في الهجرة إلى إسرائيل أو الإقامة فيها، فوالدي كان عراقيا وطنيا صميما ولولا الضغوط الأمنية لما ترك العراق».

وأوضح كوهين أن «هناك أموالا كثيرة لليهود في العراق كعقارات وأراض تركوها مجبرين في الخمسينات بعد حملات تهجيرهم التي شاركت فيها منظمات صهيونية والحكومة البريطانية بتواطؤ من الحكومة العراقية آنذاك»، مبينا أن «نوري السعيد رئيس الحكومة العراقية وقتذاك وافق على تهجير اليهود لأن أغلبهم كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي الذي كان يعتبره عدوه الأول، بالإضافة إلى مضايقات حزب الاستقلال الذي كان قوميا عربيا صميما وفيه أعضاء من الإخوان المسلمين الذين اعتبروا كل يهودي عراقي صهيونيا مع أن غالبية يهود العراق معادين للصهيونية، كما مورست ضغوط قوية ضدنا من قبل الحكومة منها فصل كل اليهود من وظائفهم وحرمانهم من التجارة بأسمائهم وحرمان أبنائهم من الدراسة في الجامعات».

وقلل كوهين من «أهمية مطالبة يهود العراق في إسرائيل بالتعويضات»، وقال: «ليست هناك تعويضات، وإذا صارت فسوف تذهب للخزانة الإسرائيلية»، موضحا أن «الحكومات العراقية المتعاقبة تصرفت بأموال اليهود العراقيين تحت إدارة مديرية الأموال المجمدة ولا تعترف بأنها مصادرة حيث لا أحد يعرف أين تذهب عائدات هذه الأموال المجمدة طوال هذه العقود الطويلة، حيث إن هناك عقارات ملكهم في شارع الرشيد والبتاويين والعلوية والكرادة في وسط بغداد».

وكان اليهود العراقيون قد أخذوا في الهجرة من مناطق وجودهم في العراق بعد وقت وجيز من تأسيس إسرائيل، مدفوعين بأعمال عنف أخذوا يتعرضون لها في العراق من جهة؛ وتشجيع بعض الأوساط اليهودية في الخارج لهم بالهجرة إلى الدولة المعلنة حديثا.

وذكر كوهين أن «عدد اليهود في العراق كان أكثر من 150 ألف عراقي قبيل تهجيرهم؛ واليوم ليس هناك أكثر من ستة أشخاص متخفين ولا يعلنون عن دينهم، وكنا نعيش في بلدنا حالنا حال أي عراقي آخر»، نافيا رغبته «ورغبة الغالبية من يهود العراق في العودة والاستقرار بالعراق في المستقبل المنظور».