مصر: مدرسون وعمال نقل وإداريون خارج الخدمة لحين تحقيق مطالبهم

قالوا إن الحكومة تتجاهل مطالبهم ووعودها عبارة عن «كلمات معسولة»

TT

تطلعات كثيرة ملأت ذهن سيد عبد العال، ولكنه رآها تتسرب من بين يده تباعا. سيد الرجل الأربعيني الذي وقف بجوار زملائه في أحد الجراجات العمومية الخاصة بحافلات النقل العام جنوب القاهرة، معلنا الإضراب عن العمل لحين تحقيق مطالبه هو ورفاقه، بدت عليه اللامبالاة ربما لشعوره بأن الحكومة لن تلبي مطالبه، وقال بصوت مخنوق، «وعود بعد وعود وكلمات معسولة لدرجة أنني بدأت أكره الوعود.. كنا نقول إن نظام (الرئيس السابق) مبارك هو السبب فمنذ 2007، ونحن نتظاهر من أجل المطالب ذاتها ولم يكن أحد يسمع لنا وبعد الثورة ظننا أن حقوقنا على بعد خطوات منا، ولكن شيئا لم يتغير وعندما انتخبنا الرئيس مرسي كنا نأمل في أن يتحقق شيء من الوعود الكثيرة لكن الحال كما هو».

ومع اقتراب مدة المائة يوم التي وضعها الرئيس مرسي مقياسا له لإصلاح عدد من القضايا المهمة أهمها المواصلات، راح سيد يتحدث بمرارة عن ظروفه المعيشية الصعبة هو وغيره من عمال النقل العام في مصر، بينما مر أطفال صغار يصرخون في محاولة للفكاك من أيدي أمهاتهم وهم في الطريق لأول أيامهم في المدرسة، ويتوقف صراخ أحمد وليد الذي لم يتجاوز السادسة من عمره وتشتد قبضته على يد أمه بعد أن كان يحاول التهرب منها، فور سماعه لأصوات رفاق سيد بمنطقة إمبابة جنوب القاهرة داخل جراج النقل العام الذي علقت على أبوابه مطالب العمال، حين علا صوتهم مطلقين هم أيضا صرخاتهم للتعبير عن غضبهم.

ولم ينظر محصلو وسائقو عربات النقل العام إلى أسوار المدارس المحيطة بجراجهم الذي احتضن عرباته المتوقفة. ليصطدم أحمد وزملاؤه الصغار في أول يوم دراسي بمطالب الكبار التي لا يفقهون فيها شيئا غير أن الكبار ربما يتذمرون مثلهم وأنه ربما لن يجد من يدرس له اليوم بسبب إضراب مماثل لعدد من المدرسين للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية.

ويتابع عبد العال وهو ينظر لوليد ورفقته: «كثير من أطفالنا وعائلاتنا سيتضررون من هذا الإضراب، ولكن الحكومة هي من تجبرنا على ذلك لأنها في كل مرة تخلف وعودها لنا»، لكن يبدو أن عبد العال ليس وحيدا في اتهام الحكومة بالتقصير في حقوقه ففي جامعة القاهرة استقبل العاملون والإداريون بالجامعة الطلاب بإضراب مماثل ووقفوا على درجات سلم أبواب القاعة الرئيسية للجامعة، معلنين عن مطالبهم والتي لم تختلف عن سابقيهم إلا في رغبتهم في وجود ممثل لهم في مجلس الجامعة ومجالس الكليات وأن يكون لهم الحق في انتخاب رئيس الجامعة.

وجلست سنية محمد مسندة ظهرها على أعمدة أسوار الجامعة الشاهقة، وراحت المرأة التي تعمل إدارية بشؤون الطلاب بإحدى الكليات تهتف خلف المتظاهرين الذين أعلنوا إضرابا عن العمل لحين تحقق مطالبهم، وقالت «نحن لا نطلب إلا حقوقنا وأن تتم معاملتنا مثل البشر فلنا مطالب واحتياجات، لكن الدولة تصر على تجاهلنا ولكننا قررنا أن يكون لنا موقف لأول مرة».

وشهدت مصر منذ العام 2006 مظاهرات واعتصامات فئوية عدة تنوعت مطالبها بين المادية والإدارية، وعقب ثورة 25 يناير تزايدت معدلات المظاهرات الفئوية وراحت كثير من فئات الشعب في مصر تبحث عن حقوقها رافعين شعار الثورة «عيش حرية عدالة اجتماعية»، وتظاهر قبل عدة أيام عمال الضيافة الجوية بمطار القاهرة وقبلهم كثير من الفئات في مصر، لكن المطالب كانت تواجه بالوعود تارة وبالتجاهل مرات ما جعل ثقة كثير من المصريين في شعارات الثورة تخفت.

ويقول محمد مسامح، وهو مدرس بنظام الحصة يعمل في محافظة المنيا جنوب مصر، «تظاهرنا العام الماضي من أجل تحسين أوضاعنا في العمل ووضع حد أدنى للمرتبات، ولكنني حتى الآن أتقاضى راتبا على عدد الحصص التي أدرسها ولا يتعدى هذا الراتب 350 جنيها (55 دولارا) شهريا. لن أتظاهر هذا العام، ولكني لن أمتنع عن عملي الخاص لأن الحكومة التي تدعونا للامتناع عن الدروس الخصوصية لا توفر لنا أبسط مقومات الحياة». وما بين مسامح الذي بدأ يشك في إمكانية تطبيق شعارات الثورة وبين سنية التي قررت لأول مرة أن يكون لها صوت، يقف المصريون في أجواء مغايرة ربما الأبرز فيها أن التظاهر والاعتصام والإضراب سيكون نصير كل من يطالب بما يرى أنه حقه، وأن أحدا لن يصمت مرة أخرى.