نقاش محتدم في واشنطن حول أسباب حدة الاحتجاجات ضدها

مخاوف من عودة صدام الثقافات بين الشرق والغرب بسبب الفيلم المسيء

رجال امن افغان لدى التصدي لمتظاهرين افغان ضد سياسات الولايات المتحدة في كابل أمس (رويترز)
TT

هناك وعي في بعض الاوساط الاميركية بأن الاحتجاجات التي اشتعلت ضد الفيلم المسيء في عشرين دولة في دول العالم الإسلامي، لم تكن أسبابها مجرد حساسية دينية أو سياسية، وإنما كان غضبا ممزوجا بالرغبة في الحصول على الحرية، لكن بمفهوم يختلف تماما عن مفهوم الحرية في المجتمع الغربي، فالحرية من وجهة نظر المحتجين الغاضبين هي حق المجتمع سواء كان مسيحيا أو مسلما أو يهوديا، في عدم التعرض لإهانات تمس العقيدة أو الهوية. وهو ما يشير إلي أبعاد للاختلافات الثقافية في مفهوم الحرية والديمقراطية بين الشرق والغرب.

ودعا محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين إلي تجريم الاعتداءات على مقدسات جميع الأديان السماوية، مهددا بأن استمرار الاعتداء على المقدسات سيؤدي إلي تشكك المسلمين في جميع أنحاء العالم واستنكارهم للغرب، خاصة الولايات المتحدة، لسماحهم للمواطنين في انتهاك حرمة المقدسات دون أن يتم اتخاذ أي إجراءات ضد الذين أنتجوا هذا الفيلم، وقال «بالتأكيد فإن هذه الهجمات لا تندرج تحت حرية الرأي أو الفكر». وقالت الجماعة في بيان لها، إن «الغرب سن قوانين ضد الذين ينكرون الهولوكوست وضد من يتشكك في عدد اليهود الذين قتلهم القائد النازي أودلوف هتلر، وهو ما يعد موضوعا تاريخيا بحتا ولا يتعلق بالعقيدة المقدسة».

ويشير مراقبون اميركيون الى ان في الواقع، فإن إنكار الهولوكوست أمر يحميه مبدأ حرية الرأي والتعبير في الولايات المتحدة، على الرغم من أنه غير مقبول في ألمانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى، لكن يسود مصر وعددا من الدول اعتقاد أن إنكار الهولوكوست هو أمر غير قانوني. وتوجد بالولايات المتحدة مجموعة (كي كي كي) التي تهاجم السود وتتهمهم بأنه عبيد وتقوم بإحراق الصليب، وهي تواجه بالاستياء والاستنكار من المجتمع الأميركي دون وجود قيود قانونية تمنع حريتهم في التعبير عن آرائهم حتى وإن جاءت مسيئة ومشينة.

كانت الدهشة والاستنكار قد سادت أوساط بعض الباحثين لعدم إقدام الولايات المتحدة على معاقبة السينمائيين الذي شاركوا في الفيلم، وقال زكريا مجدي (23 عاما) «الجميع لديهم نفس الغضب ويثرون نفس السؤال لماذا لم يتم اتخاذ أي إجراء ضد الذين صنعوا هذا الفيلم؟».

وفي الغرب، يندهش كثيرون أن مقتل مسلم في جرائم كراهية لا يثير نفس الغضب، كما فعل الفيديو.

وتحدث كثير من المصريين أن الهجوم ضد إيمانهم جريمة أكبر من الهجوم على الأرواح وقال أحمد الشوبكي (42 عاما صائغ) «عندما تهاجم شخصا فإن الألم يصيب شخصا واحدا، لكن عندما تهاجم دينا فإن الإهانة والألم يصيبان أمة بأكملها، والنبي عندنا أكثر عزة وأهمية من العائلة والوطن».

وقال آخرون إن الغضب ضد الفيديو جاء من تراكم إحساس الاستصغار للمسلمين ودينهم على مدى فترة طويلة، فقد فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها بعد غزو العراق، ونشر صور الاعتداء في سجن أبو غريب، وتدنيس القرآن في أفغانستان، وإقدام القس تيري جونز على حرق القرآن في ولاية فلوريدا والاعتقالات دون محاكمة في معتقل غوانتانامو وعدم منح تأشيرات لزيارة الولايات المتحدة لبعض القادة المسلمين، ومقتل مدنيين مسلمين في غارات بطائرات من دون طيار والحملات السياسية ضد شبح الشريعة الإسلامية داخل الولايات المتحدة.

وقال عماد شاهين أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بالقاهرة «هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها توجيه إهانة للمعتقدات الإسلامية» معتبرا أن الفيلم كان القشة التي قصمت ظهر البعير وقال، «الرسالة هنا – التي أثارها الفيلم - أننا لا نهتم بمعتقداتك وبسبب حرية التعبير لدينا يمكننا الحط من شأنكم في أي وقت، ولا نهتم بمشاعرك» وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أمس أن المطالبة بالحرية يعد امتدادا لمواقف كثيرة تبنتها كثير من التيارات في المنطقة، وكانت دائما ما تعبر عن رفضها الكامل والقاطع للسياسات الإقليمية، منذ إقدام الولايات المتحدة على شن حربها الشهيرة على الإرهاب منذ عقد من الزمان، والتي اعتبرها الكثيرون أنها تستهدفهم من ناحية، بالإضافة إلى هبوب رياح جديدة في دول عدة منذ نشوب ثورات الربيع العربي، والتي أطاحت بالأنظمة الديكتاتورية التي سيطرت على مقاليد الأمور لعقود طويلة، وهو ما يعني للكثيرين أن هناك ضرورة جديدة لاحترام رغبات الشعوب.

وأبرزت الصحيفة الأميركية تصريحا أدلى به أحد رجال الدين المشاركين في المظاهرات التي شهدتها القاهرة في الأيام الماضية، ويدعى إسماعيل محمد، والذي كان إماما بأحد المساجد في ألمانيا من قبل، والذي أكد أنه على الغرب أن يتفهم عقلية الشعوب، مؤكدا أنه على الساسة الغربيين أن يضعوا في حسبانهم مطالب الشعوب العربية، وألا تقتصر اهتماماتهم على الحكومات. وأضاف أن تصوير الأنبياء لا يقع بأي حال من الأحوال في إطار حرية التعبير، وإنما يعد جريمة في حق المسلمين.

وتابعت: «نيويورك تايمز»، أن المتظاهرين الغاضبين أكدوا أن تلك الاحتجاجات لا تعكس صداما بين المسلمين والمسيحيين، وإنما أوضحوا أن التقاليد الدينية لشعوب المنطقة، والتي يتشارك فيها كل طوائف المجتمع، تتعارض بشكل كبير مع الأفكار التي يتبناها الغرب، والتي تعكس علمانية المجتمعات الغربية وفرديتها.

وذكرت الصحيفة أن كثيرا من المفكرين الأقباط في مصر قد أعربوا عن استيائهم من الفيلم المسيء للإسلام، والذي أثار ضجة كبيرة في كثير من دول المنطقة، ومن بينهم المفكر القبطي يوسف سيدهم - رئيس تحرير جريدة «وطني» الأسبوعية وهي جريدة مسيحية تهتم بالشأن القبطي والسياسي والاجتماعي - وأعرب سيدهم عن انتقاده الشديد للعنف الشديد الذي صاحب مظاهرات المصريين أمام السفارة الأميركية خلال الأيام الماضية، إلا أنه أكد أن الفيلم المسيء للإسلام يعد تكرارا لفيلم «شفرة دافنشي» الذي أساء كثيرا للمسيحية، وهو ما أثار ضجة في قطاعات كبيرة من المجتمعات المسيحية في ذلك الوقت. وقد تم منع كل من الرواية والفيلم المأخوذ عنها، في مصر والأردن ولبنان وبعض دول أخرى. ووفقا للقانون المصري فإن توجيه إهانة لأي من الديانات السماوية الثلاثة (الإسلام والمسيحية واليهودية) هي جريمة يعاقب عليها القانون. ولذا يجد الناس صعوبة في فهم أن الحكومة الأميركية لا تستطيع فعل شيء أمام قواعد حرية الرأي والتعبير ولا تستطيع إسكات المتعصبين الدينيين.

وقالت الصحيفة، إن المتظاهرين قد أعربوا عن استيائهم واستغرابهم من أن حالة الغضب الشديد وردود الأفعال العنيفة لم تدفع مسؤولي الإدارة الأميركية لمعاقبة صانعي الفيلم، في حين أن كثيرا من الغربيين أعربوا عن اندهاشهم من أن قتل بعض المسلمين في جرائم كراهية ربما لا يثير موجة الغضب العارمة الذي صاحبت الفيديو المسيء، موضحة أن المصريين المتظاهرين أكدوا أن الهجوم على العقيدة الدينية هو أسوأ في نظرهم من استهداف حياة بعض الأشخاص.