قدم معتقلون سابقون ينتمون إلى «السلفية الجهادية» والمدافعون حاليا عن «السجناء الإسلاميين» الذين اعتقلوا في إطار قانون الإرهاب، تقريرا شاملا عن حالات التعذيب التي تعرضوا لها، إلى مقرر حقوق الإنسان الأممي لمناهضة التعذيب خوان منديز (أرجنتيني) بعد لقائه بهم السبت الماضي.
وكان منديز بدأ زيارته إلى المغرب بدعوة من الحكومة يلتقي خلالها مسؤولين حكوميين وجمعيات حقوقية، بهدف «تقييم أوضاع حقوق الإنسان والمتعلقة تحديدا بممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة»، خصوصا بعد اعتماد الدستور في يوليو (تموز) من العام الماضي. وذلك في أفق إصداره تقريرا يخول قبول المغرب عضوا في مجلس حقوق الإنسان. ويأمل المغرب في الحصول على هذه العضوية بعد أن سقطت عضوية ليبيا إثر انهيار نظام العقيد معمر القذافي.
وكشف التقرير الذي أصدرته أمس (الاثنين) «اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين» عقب لقاء أعضائها بالمقرر الأممي، أن منديز وفريق عمله المكون من مرافقتين ومترجمين وخبير في الطب الشرعي، أوضح لأعضاء اللجنة أنه جاء إلى المغرب بناء على طلب من الحكومة المغربية من أجل تقييم أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب، مؤكدا أن الحكومة تعهدت بعدم التعرض لأي شخص يلتقيه أو يستمع إليه بأي شكل من أشكال التضييق كيفما كانت. كما أبرز أنه يود معرفة قصص التعذيب النفسي والجسدي أثناء التحقيق، وما الظروف التي يعيشها المعتقلون داخل السجون.
من جانبهم، ذكر أعضاء اللجنة التي تضم معتقلين إسلاميين سابقين، وتتابع أوضاع «السجناء الإسلاميين» الذين ما زالوا في السجن، بالسياق العام الذي جاءت فيه تلك الاعتقالات، موضحين أنها بدأت مباشرة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وإعلان أميركا الحرب على الإرهاب، ثم ازدادت حدة الاعتقالات بعد الأحداث الإرهابية بالدار البيضاء ليوم 16 مايو (أيار) 2003.
واستعرض أعضاء اللجنة أمام المقرر الأممي مجموعة انتهاكات التي تعرض لها المعتقلون سواء عند الاعتقال أو في المخافر السرية أو مراكز الشرطة أو أثناء المحاكمة أو حتى بعد نقلهم إلى السجون، موضحين أن «هذه الانتهاكات لم تكن حالات متفرقة بل كانت وما زالت سياسة ممنهجة تنتهجها الدولة بحيث شملت جل المعتقلين واستمرت منذ ذلك الحين إلى حد الساعة وبنفس الكيفية على الرغم من اختلاف الأماكن»، وأكدوا أن معظم الاعتقالات كانت تتم عن طريق الاختطاف، ويتم إيداع المعتقل بأماكن سرية قد يتجاوز البقاء فيها مدة سنة مع ما يصاحب ذلك من تعذيب نفسي وجسدي، مستشهدين ببعض الحالات التي مكثت بمعتقل تمارة السري أشهرا طويلة كحالة الشيخ أبي معاذ نور الدين نفيعة وزوجته، وفتيحة الحسني (زوجة كريم المجاطي، عضو تنظيم القاعدة الذي قتل في السعودية) وابنها، وأسامة بوطاهر وآخرون، الذين قضوا بذلك المعتقل أزيد من ستة أشهر، حسب المصدر ذاته.
كما استعرض أعضاء اللجنة مجموعة من أساليب التعذيب (المفترضة) التي يتعرض لها المعتقلون مثل: انتهاك العرض، التجريد من الملابس، تكبيل اليدين والرجلين، الضرب المبرح في مختلف أنحاء الجسد، التهديد بالاغتصاب، الحرمان من النوم، الحرمان من العلاج، حرمان ذوي الأمراض المزمنة من الأدوية، نزع الأظافر، قلع الأسنان، الصعق بالكهرباء، الحرمان من ممارسة الشعائر الدينية.
وذكر تقرير اللجنة أن منديز وجه أسئلة عن مجريات التحقيق سواء عند الشرطة أو عند قاضي التحقيق، فأكد أعضاء اللجنة المشتركة أن المعتقلين تعرض عليهم المحاضر عند الشرطة ويجبرون على التوقيع عليها بأعين معصبة ويتم تهديدهم بإعادتهم إلى مراكز التعذيب في حالة رفض التوقيع، وبناء على تلك المحاضر يتم تقديمهم إلى قاضي التحقيق دون إخبارهم بأنه قاضي التحقيق، والذي يخير المعتقلين بين الإقرار على ما هو بالمحضر أو العودة مجددا إلى مراكز التعذيب، علما بأن عددا من الحالات تكون آثار التعذيب بادية عليها، ولا يبادر قاضي التحقيق إلى فتح تحقيقات في ملابساتها، كما استفسر منديز، عما إذا كانت المحاكمات تتم بناء على تلك المحاضر فكان الجواب بالإيجاب، وهو ما استنكره، مؤكدا «أنه ليس من حق أي دولة أن تحاكم أشخاصا بناء على محاضر أخذت تحت الإكراه أو التعذيب»، حسب المصدر ذاته.
كما عرف اللقاء تقديم شهادات حية من طرف «معتقلين إسلاميين» سابقين تم الإفراج عنهم حديثا حيث تحدث أحد الشهود عن وقائع أحداث الشغب الذي عرفها سجن سلا يومي 16 و17 مايو (أيار) من العام الماضي، وما صاحبها «من انتهاكات ومعاملات مهينة وحاطة من الكرامة الإنسانية».
وقدم أعضاء اللجنة للمقرر الأممي في ختام لقائه بهم ملفا يضم مجموعة من التقارير وشهادات المعتقلين حول التعذيب الذي تعرضوا له معززا بصور لمعتقلين تعرضوا للتعذيب حديثا، كما قدموا لائحة بأسماء عدد من المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب وخاصة الذين تم انتهاك أعراضهم، وقد وعد المقرر الأممي بزيارتهم والكشف عنهم، كما وعد باستقبال كل تقارير وشكاوى اللجنة المتعلقة بتعذيب المعتقلين أو أي شكل من أشكال المعاملة اللاإنسانية عبر بريد إلكتروني تم وضعه رهن إشارة أعضائها. ويختتم منديز اليوم زيارته إلى العيون، كبرى مدن الصحراء، بعد لقائه مسؤولين محليين وممثلين عن جمعيات حقوقية، وتمتد زيارته إلى المغرب حتى السبت المقبل.