الهند تحبس أنفاسها في انتظار قرار المرأة القوية ماماتا

رئيسة وزراء ولاية غرب البنغال ترفض الانفتاح على شركات عالمية.. واكتسبت شهرتها بسحق الشيوعيين

ماماتا بانيرجي
TT

بعدما تمكنت ماماتا بانيرجي، تلك المرأة المفعمة بالنشاط التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، أخيرا من هزيمة الشيوعيين في العام الماضي بعد عقود من سوء الحكم، تحولت إلى واحدة من أقوى السياسيين في الهند. وظلت البلاد تنتظر بقلق كبير أمس قرار بانيرجي بشأن احتمال انسحابها من الائتلاف الحاكم.

تشغل بانيرجي منصب رئيسة حكومة ولاية غرب البنغال، وهي الولاية التي يزيد عدد سكانها على سكان دولة ألمانيا، فضلا عن ترؤسها حزبا إقليميا لديه 19 وزيرا في البرلمان، وهو ما يعتبر كتلة كبيرة من الأصوات بالنسبة لـ«التحالف التقدمي المتحد» الحاكم في الهند. وفي الواقع، تعتبر بانيرجي شخصية مؤثرة للغاية، لدرجة أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قامت بزيارة خاصة لها خلال رحلتها الأخيرة إلى الهند، وهو ما يعتبر تكريما كبيرا غير معتاد لأي زعيم إقليمي.

قامت الحكومة الهندية يومي الخميس والجمعة الماضيين بالدفع من أجل إقرار العديد من التغييرات الشاملة في سياساتها، بما في ذلك تبني تشريع سيسمح لسلاسل التجزئة العالمية مثل «وول مارت» و«إيكيا» بإقامة متاجر لها في الهند. وعارضت بانيرجي، التي تعتبر يسارية أكثر من الشيوعيين في بعض الأمور، مرارا مثل هذه الخطط الرامية لفتح الهند أمام مزيد من المنافسة. ولكن على الرغم من أنها تعهدت بالاحتجاج على هذه التغييرات، فإنه لم يتضح مسبقا ما إذا كان اجتماع حزبها أمس سيخرج بأبعد من ذلك ويدفع باتجاه إجراء انتخابات مبكرة. فكما هو الحال عادة مع بانيرجي، غالبا ما تكون خطاباتها العامة متناقضة. نشرت بانيرجي على حسابها الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» يوم الجمعة الماضي: «نحن لا ندعم مثل هذه القرارات المعادية للناس، نحن نشعر بقلق كبير للغاية إزاء هذه التطورات، وعلى استعداد تام لاتخاذ قرارات صعبة إذا لم تتم إعادة النظر في هذه القضايا»، ولكنها صرحت مرارا في اليوم التالي خلال أحد التجمعات الحاشدة: «نحن لا نريد إسقاط الحكومة».

تظهر الأشهر الـ15 التي قضتها في رئاسة وزراء ولاية غرب البنغال، وعاصمتها كالكتا، بوضوح مدى صعوبة محاولة التنبؤ بتصرفات بانيرجي. فلم يمض وقت طويل لها في المنصب حتى أعلنت أن إحدى ضحايا الاغتصاب كانت كاذبة، على الرغم من عثور الشرطة على أدلة تدعم مزاعم الضحية، فضلا عن مطالبتها بإلقاء القبض على أحد المزارعين بعد أن طرح عليها سؤالا حول ارتفاع أسعار الأسمدة.

انسحبت بانيرجي غاضبة من إحدى الجلسات التلفزيونية التي جمعتها ببعض طلاب الجامعات بعد اتهامها للجماهير التي حضرت الجلسة بأنهم ماويون. وبالإضافة إلى ذلك، قامت حكومتها بإلقاء القبض على أحد أساتذة الجامعة بعد أن قام بإعادة إرسال بريد إلكتروني يحتوي على كاريكاتير سياسي يسخر منها، حيث ادعت وجود مؤامرة عالمية لقتلها.

لا يزال كثير من الناس يأملون في أن تتمكن بانيرجي، التي يشار إليها هنا باسم «ديدي» أو (الشقيقة الكبرى)، من وقف التراجع الكبير الذي تشهده ولايتها وأن تساهم في انتعاش الاقتصاد الهندي. وحتى حلفاؤها بدأوا في التساؤل حول ما إذا كان مزاجها الانفعالي وبياناتها غير العادية ومعركتها الشرسة مع وسائل الإعلام الإخبارية، نقطة نهايتها رئيسة للوزراء، وهو المنصب الشبيه بمنصب العمدة. ويقول لافيش بهانداري، مدير شركة «إنديكوس»، وهي شركة أبحاث اقتصادية: «لم تتمكن أبدا من التحلي بالمهارات اللازمة لكبح جماح غضبها حتى تستطيع أن تدير وتحكم الولاية».

ثمة شعور واضح بين كبار الوزراء في الحكومة المركزية حول ما يبدو أنه حالة سيئة من «ضجر ماماتا». ورفضت بانيرجي طلبات لإجراء مقابلة خلال إعداد هذا التقرير. ووصف أميت ميترا، وزير المالية في حكومة بانيرجي، الجدل الدائر حول بانيرجي بأنه ليس أكثر من مجرد زوبعة في فنجان، وقال ميترا: «هذه المخاوف تخص فقط الطبقة العليا الناطقة بالإنجليزية».

تعد بانيرجي شخصية استقطابية، حيث ساهمت معارضتها خطط الحكومة، التي كان يتم الإعداد لها منذ أشهر، في حدوث ما يشبه الشلل في الحكومة المركزية الهندية. وأظهرت دراسة استقصائية أجرتها إحدى الصحف الرائدة في مجال الأعمال أن 25 من بين 50 رئيسا تنفيذيا بارزا في البلاد يرون بانيرجي على أنها العقبة الكبرى الوحيدة في طريق النمو في الهند.

ولكنها لا تزال بطلة من وجهة نظر كثيرين في ولاية غرب البنغال، وهو ما يرجع بصورة جزئية إلى أنها لا تزال رمزا قويا للوحدة. ففي بلد يعج بالفساد السياسي، تعيش بانيرجي، غير المتزوجة، في منزل في مثل حجم مرأب يتسع لسيارتين فقط وترتدي ساريا قطنيا رخيص الثمن وخفين مصنوعين من المطاط، بينما تملك سيارة «هيونداي» مدمجة.

أمضت بانيرجي عقودا طويلة في محاربة الماكينة الشيوعية التي حكمت ولاية غرب البنغال على مدى 34 عاما، حيث تعرضت شخصيا للإيذاء البدني مرارا عن طريق كوادر الحزب الشيوعي، وتمكنت من النجاة بحياتها بالكاد في إحدى هذه المرات. ويقول أحد الوزراء في حكومتها، الذي طلب عدم الكشف عن هويته خشية إغضاب بانيرجي: «ينبغي لك أن تكون مجنونا لتحارب الشيوعيين مثلما فعلت، فالأشخاص الطبيعيون لا يقومون بمثل هذه التصرفات. ولسوء الحظ، باتت هذه الصفة الآن عيبا خطيرا في شخصيتها».

تحولت سوزيت جوردن إلى موضوع لإحدى حلقات الجدل الخاصة ببانيرجي، حيث تعرضت جوردن، وهي سيدة مطلقة وأم لطفلين، للضرب والاغتصاب تحت تهديد السلاح في أوائل فبراير (شباط) الماضي، ولكنها أصيبت بصدمة كبيرة لدرجة أنها لم تستطع الإبلاغ عن الجريمة لعدة أيام. وعندما أقدمت على الإبلاغ بالجريمة، فشلت الشرطة في إجراء التحقيق، حتى قامت جوردن بسرد قصتها لأحد الصحافيين، وقامت بعدها الشرطة باستعادة لقطات سجلتها إحدى كاميرات المراقبة تثبت صدق كثير من روايتها. وفي خضم إحدى المناقشات، سئلت بانيرجي عن قضية جوردن، فأجابت في ذلك الوقت: «تم اختلاق هذه القصة بأكملها بدافع الافتراء على الحكومة. سيتضح كل شيء في سياق التحقيق». في غضون ساعات قليلة من تصريحات بانيرجي، قالت جوردن إن مجموعة من الأشخاص الغاضبين أحاطوا بالبناية التي تقطن فيها، مضيفة: «كان هناك آلاف من الأشخاص خارج بوابات المنزل. شعرت بناتي بالرعب الشديد ولم تستطع والدتي، التي كانت مريضة بالالتهاب الرئوي، القيام بشيء. لم يستطع أي من أصدقائي اجتياز هذه الحشود». أقامت جوردن مع بعض أصدقائها حتى أعلنت إحدى المسؤولات البارزات في الشرطة عن إلقاء القبض على بعض الأشخاص في هذه القضية. وبعد مرور ستة أسابيع، تم نقل هذه المسؤولة إلى وظيفة أقل وجاهة، وهي الخطوة التي أثارت موجة أخرى من الغضب في وسائل الإعلام.

وعند سؤالها عن قرار نقل هذه الشرطية، أجابت بانيرجي: «يدخل في نطاق اختصاصات حكومتي ضمان إنجاز المهام عن طريق الأشخاص الذين يعملون بصورة أفضل. أما الطريقة التي تجري بها الهجمات الشخصية فهي مجرد مؤامرة ولعبة». ورغم كل الانتقادات، لا تزال بانيرجي تتمتع بشهرة كبيرة في الولاية، وهو ما يعود بصورة جزئية إلى أن الناس يعتبرونها ووزير ماليتها ميترا الأمل الوحيد في إنعاش اقتصاد ولاية غرب البنغال الذي يعاني من تراجع منذ عقود. وفي حديث مطول في مكتبه، أشار ميترا إلى أن التمرد الماوي الشرس في الولاية قد هدأ منذ تولي بانيرجي مهام منصبها، وتوقع تدفق المصانع على ولاية غرب البنغال في القريب العاجل. وأضاف ميترا: «الدعوة المهمة التي توجهها ماماتا بانيرجي إلى الصناعة هو أنه لم يعد هناك أي شخص يطالب بالحصول على رشى».

وفي الوقت نفسه، ترفض بانيرجي، التي عارضت قيام الحكومة السابقة بتملك الأراضي بالقوة، استخدام سلطات الولاية للحصول على الأراضي الزراعية لإقامة منشآت صناعية. وفي دولة قد يؤدي الحصول على قطعة أرض صغيرة فيها إلى سنوات طويلة من الجدل القانوني، يقول اقتصاديون إن مثل هذا الرفض يعد مدمرا لآفاق النمو الاقتصادي في ولاية غرب البنغال. ويتساءل أنيرودها لاهيري، رئيس مجموعة «شاتيرجي غروب»، التي تملك مصنعا عملاقا للبتروكيماويات في غرب البنغال: «لو أنهم لن يساعدوك في الحصول على قطعة أرض، فكيف ستدير عملك؟». وعلى الرغم من ذلك، أكد سوميت مازومدر، رئيس شركة «تي آي إل ليمتد»، التي تقوم بتصنيع المعدات الثقيلة، أنه أكثر تفاؤلا بشأن آفاق العمل في ولاية غرب البنغال، مضيفا: «ماماتا امرأة قوية الشخصية للغاية. فقط الأشخاص ذوو الشخصيات القوية هم الذين يستطيعون إنجاز الأمور».

* ساهم في كتابة هذا التقرير هاري كوما من كالكتا ونيودلهي

* خدمة «نيويورك تايمز»