مخيم الزعتري.. شاهد على قساوة النظام السوري

إجراءات أمنية مكثفة وتصاريح دخول للزائرين.. والمستشفى المغربي يعمل على مدار الساعة

TT

أصبح مخيم الزعتري للاجئين السوريين في منطقة المفرق مقصدا لزوار الأردن الرسميين، فقد كثفت الدبلوماسية الأردنية منذ افتتاحه في أواخر يوليو (تموز) الماضي اتصالاتها مع دول العالم الغنية وصاحبة القرار المؤثرة في مجلس الأمن الدولي من أجل مساعدة الأردن لتحمل أعباء استضافة أكثر من 190 ألف لاجئ موجودين على أراضيه منذ انطلاق الثورة السورية في مارس (آذار) من العام الماضي. ويحرص وزير الخارجية الأردني، ناصر جودة، على اصطحاب جميع نظرائه الوزراء الزائرين للأردن في جولات ميدانية للاطلاع من كثب على قساوة النظام السوري وما فعله بشعبه، إضافة إلى الأوضاع والحياة القاسية التي يعيشها هؤلاء اللاجئون في منطقة صحراوية، الغبار فيها لا يهدأ خلال النهار رغم الجهود الكبيرة التي تقوم بها الجهات المشرفة على المخيم من أجل تحسين الظروف المعيشية والتغلب على جميع العقبات التي ما زالت تجثم على الجميع.

الزائر إلى المخيم الذي يبعد 80 كيلومترا عن العاصمة عمان، منذ وصوله إلى المدخل الرئيس على الطريق المؤدية إلى العراق، يلاحظ الضغط الهائل على رجال الأمن العام المكلفين حراسة المخيم، خاصة أن هناك زوارا من الأردنيين والسوريين الذين يحضرون يوميا لزيارة معارفهم أو تكفيلهم أو الاطمئنان عليهم. ورجل الأمن هنا، على الرغم من قساوة الطقس والغبار وإلحاح المراجعين، مطلوب منه الانضباط واستيعاب الجميع، خاصة أن رضا الناس غاية لا تدرك، ولذلك تلاحظهم يعملون في ظروف استثنائية، حيث أبلغنا أحدهم: «إننا لا نعرف الصديق من العدو، ولذلك ندقق في هوية الزوار حتى لا يتسلل مندسون إلى المخيم من اتباع النظام السوري لإثارة المشاكل أو القيام بأعمال تخريبية».

في المخيم الذي بلغ عدد اللاجئين فيه حتى يوم الأربعاء الماضي 30 ألفا، هناك ثلاثة حواجز أمنية للتدقيق في الزوار ومنع خروج اللاجئين إلا بتصريح أمني أو كفالة أردني، لذلك يطلب من الجميع تصاريح أمنية للقيام بالزيارة، حتى الصحافيين الزائرين يطلب منهم تصريح من دائرة المطبوعات والنشر قبل الدخول إلى المخيم لإجراء المقابلات وعمل تقارير صحافية.

وبعد تجاوز الحواجز الأمنية بأمتار، أقيم المستشفى الميداني المغربي منذ مطلع أغسطس (آب) الماضي، وهو المستشفى الوحيد بين المستشفيات الميدانية الذي يضم جميع التخصصات الطبية والعمليات الجراحية والطوارئ، لذلك تلاحظ مدى الإقبال الكبير على العيادات، فقد أبلغ مدير المستشفى، العقيد الطبيب مولاي حسن الطاهري، «الشرق الأوسط»، أن أكثر من 9 آلاف حالة راجعت المستشفى منذ إقامته؛ أي ما نسبته 33 في المائة من عدد سكان المخيم، وأن المستشفى يعالج 98 في المائة من مراجعيه، بينما يتم تحويل الحالات المستعصية إلى المستشفيات الأردنية في المدن القريبة. ويتدفق اللاجئون السوريون، على اختلاف أعمارهم وأجناسهم، منذ الساعة الثامنة والنصف صباحا، بشكل مكثف، على المستشفى، لما وجدوه في كوادره الطبية من حسن استقبال وعناية، وما يلمسه الزائر لهم من تفان في أداء مهامهم على أكمل وجه.

ويضيف الطاهري أن نحو 500 حالة يتعامل معها المستشفى يوميا، وفي جميع التخصصات الطبية الموجودة لدى المستشفى، وغير المتوافرة في الوحدات الطبية الأخرى التي أقيمت للتكفل باللاجئين السوريين.

وعزا البروفسور الطاهري، الإقبال الكبير على المستشفى المغربي إلى كون اللاجئين المراجعين يجدون العلاج أيا ما كان نوع مرضهم، خاصة أن المستشفى يضم 21 تخصصا طبيا، من بينها الجراحة العامة والعظام والتقويمية وجراحة الأعصاب والقلب والأمراض الصدرية والباطنية والجلد والجراحة العامة وطب الطوارئ والتخدير والطب النفسي وطب العيون والأذن والأنف والحنجرة وطب النساء والأطفال، مشيرا إلى أن قسم الطوارئ الذي يعمل على مدار الساعة، استقبل نحو 2400 حالة، خارج ساعات الدوام الرسمي للعيادات، التي تغلق في العادة عند الساعة الثالثة مساء.

وقال إن الأطفال يتصدرون أعداد مراجعي المستشفى بـ4300 طفل، يليهم النساء بـ2500، مضيفا أن غالبية هؤلاء المراجعين يعانون أمراضا جلدية (1050 حالة) وأزمات صدرية وصدمات نفسية. وتابع أن قسم الولادة بالمستشفى شهد 12 حالة ولادة، منها أربع حالات أجريت لها عمليات قيصرية، مشيرا إلى أن 16 من الجرحى أجريت لهم عمليات جراحية تكميلية، خاصة أنهم تلقوا العلاج في بلادهم بطريقة بدائية.

في عيادة الطب النفسي، يجلس الطبيب العقيد محمد كرطوم، اختصاصي الطب النفسي، في إحدى الخيام يستمع إلى مرضاه المراجعين للعمل على إعطاء دواء يخفف آلامهم ومساعدتهم على الخروج من الأزمة والتوتر والحالة النفسية التي يعيشونها.

يقول الطبيب كرطوم، الذي خدم في قطاع غزة وكوسوفو وبعض الدول الأفريقية، «إن الحالات التي راجعت المستشفى تندرج ضمن أربع فئات: الأولى تخص نازحين يعانون أمراضا نفسية مزمنة وهؤلاء نقدم لهم العلاج ونشرف على حالاتهم خوفا من أية مضاعفات. والثانية تتعلق بالأطفال والنساء الذين عاشوا تجربة قاسية وتعرضوا لصدمة نفسية جراء ما عاينوه في بلادهم من أعمال قتل وتدمير وإهانات». وأضاف أن «الفئة الثالثة تخص جرحى الحرب، خاصة إذا كانوا يقيمون بالمستشفى فرادى بعد أن تركوا أهاليهم في سوريا ولا يعلمون شيئا عن مصيرهم، والفئة الرابعة التي تعاني حالات توتر نفسي نتيجة عدم تأقلمها مع واقع المخيم والأوضاع داخله، علما أنها كانت تعيش حياة رغيدة في بلادها». في عيادة الطب النفسي، تسمع من المراجعين حكايات وروايات وشهادات عاشها هؤلاء اللاجئون بعد أن مروا بظروف قاسية جدا يصعب على الإنسان وصفها.

يقول الطفل محمد، (9 سنوات)، من بلدة طفس، وهو يروي للطبيب كرطوم ما يعانيه في الليل: «أتذكر الجنود عندما قاموا بضرب والدي بكعب البندقية وألقوه أرضا وبدأوا رفسه بالبساطير. إضافة إلى سماع أصوات القنابل والقذائف في الليل».

واشتكى محمد للطبيب من صوت الطائرات الحربية الأردنية التي تحلق في العادة فوق المخيم لاعتقادهم أنها طائرات حربية سورية جاءت لتقصفهم.

وهناك أطفال لا يستطيعون الحديث من الخوف، ولكن الطبيب كرطوم يبادر إلى إعطائهم ورقة وألوانا ويطلب منهم الرسم، وفورا يرسمون دبابة أو بيتا مهدما أو رشاش كلاشنيكوف أو قنبلة وغيرها مما يحتفظ هو بذاكرته.

أما شحادة كيوان، (67 عاما)، فيقول: «نجا أبنائي وأطفالهم، ونحن جميعنا نجونا بعد أن شاهدنا الموت أمام أعيننا»، وقال: «أذكر أنه تم تجميع أكثر من خمسين رجلا في البلدة، وسحب بعضهم البندقيات ووضوعها على رؤوسنا وبدأوا بالشتم والسباب وضربنا، وكانوا يقولون لنا: (حكم العلويين مش عاجبكم يا أخوات.. ال...) وغير ذلك من الكلمات البذيئة». وخلص كرطوم إلى أن التعامل مع هذه الفئات، وغيرها كثير، يتطلب الكثير من الصبر والتروي، لمساعدتها في تحمل معاناتها النفسية، في انتظار الشفاء منها، خاصة أنها وجدت نفسها بعيدة عن أرضها وأهلها، وقد فقدت فجأة كل ما كانت تملك، ولم يدر بخلدها يوما ما أنها ستتكبد معاناة اللجوء. وإذا كانت آلام ومعاناة اللاجئين السوريين قد تجمعتا كلها في مخيم (الزعتري)، فإنهم وجدوا فيه ملاذهم الآمن إلى حين انفراج الأزمة في بلادهم والعودة إلى ديارهم.