البنك الدولي يزيل في تقرير جديد أي شكوك حول الجاهزية الفلسطينية للدولة

قال إن كثرة القيود الإدارية والأمنية الإسرائيلية تشكل عائقا أمام القطاع الخاص.. ودعا لتيسير الوصول للمنطقة «ج»

TT

حسم التقرير الجديد للبنك الدولي التشكيك الذي أثاره تقريره السابق حول جاهزية الفلسطينيين لإقامة الدولة. كما حسم التقرير أيضا الجدل والخلط الذي ساد بين هذه الجاهزية والصعوبات الاقتصادية والمالية للسلطة الفلسطينية، كما قال لـ«الشرق الأوسط» مصدر في الحكومة الفلسطينية.

ويرى البنك الدولي في تقرير المراقبة الاقتصادية، الذي صدر قبيل مؤتمر للدول المانحة في نيويورك في 23 سبتمبر (أيلول) الحالي، أن «المؤسسات العامة الفلسطينية تتم مقارنتها إيجابا مع مؤسسات البلدان الأخرى في هذه المنطقة وفي غيرها من مناطق العالم، خاصة في المجالات التي تعتبر فيها فعالية الأداء الحكومي هي الأكثر أهمية، وهي الأمن والعدالة، وإدارة الإيرادات والنفقات، والتنمية الاقتصادية، وتقديم الخدمات». وأرجع تقرير البنك الدولي المشاكل والمعوقات التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني إلى المعوقات الإسرائيلية، وكذلك إلى عدم التزام الجهات المانحة بوعودها.

وحذر البنك الدولي في تقريره، وهو وثيقة يتم إعدادها مرتين كل عام من أجل اطلاع لجنة الارتباط الخاصة (منتدى المانحين)، من أن الأزمة المالية التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني ستتفاقم ما لم يزد التمويل الأجنبي وتخفف إسرائيل القيود التي تفرضها على الضفة الغربية. وتوقع عجزا قدره 1.5 مليار دولار في ميزانية السلطة لعام 2012. وقال إن السلطة حصلت على مساعدات قدرها 1.14 مليار دولار لسد هذا العجز. وقالت مريم شيرمان، مديرة مكتب البنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة، في بيان لها «يتعين أن يتحرك المانحون بشكل عاجل لمواجهة أزمة مالية خطيرة أمام السلطة الفلسطينية في الأجل القصير».

وأكد التقرير أن استثمارات القطاع الخاص القوية وحدها هي التي ستدفع النمو المستدام إلى الأمام، مبينا أن كثرة القيود المادية والإدارية والأمنية (الحواجز العسكرية والأمنية) تشكل عائقا أمام القطاع الخاص في الوقت الراهن، معتبرا أن تيسير وصول الفلسطينيين إلى المنطقة «ج» التي تشكل نحو 60 في المائة من أراضي الضفة الغربية، وهي المناطق الخاضعة أمنيا وإداريا للجيش الإسرائيلي، تعد عاملا رئيسيا لإطلاق العنان لبعض الفرص التي يتيحها القطاع الخاص.

وسلط البنك الدولي في التقرير الذي جاء تحت عنوان «أزمة المالية العامة.. الآفاق الاقتصادية: الحاجة الملحة إلى الترابط الاقتصادي بين المناطق الفلسطينية»، الضوء على الموارد غير المستغلة بالضفة بوصفها مصدرا محتملا لنمو القطاع الخاص. وأشار إلى الآثار الاقتصادية المدمرة الناشئة عن التجزئة الجغرافية، مؤكدا أهمية المنطقة «ج» التي تُعتبر الأراضي الوحيدة المتلاصقة وغير المتقطعة في الضفة الغربية، التي تربط بين 227 منطقة أصغر منفصلة جغرافيا وذات كثافة سكانية عالية، وتضم هذه المنطقة معظم الأراضي الزراعية والموارد الطبيعية للضفة واحتياطيها من الأراضي.

ويرى التقرير أن استغلال هذه الموارد قد يتيح أساسا اقتصاديا للنمو في القطاعات الرئيسية للاقتصاد الفلسطيني، ومن شأن تيسير الوصول إلى المنطقة «ج» لعب دور رئيسي في تنمية مؤسسات الأعمال العاملة في قطاعات مثل الإنشاءات والاتصالات السلكية واللاسلكية والزراعة والسياحة.

وحسب شيرمان فإنه حتى مع هذا الدعم المالي فإنه لا يمكن أن يتحقق نمو اقتصادي مستدام من دون إزالة الحواجز التي تحول دون تنمية القطاع الخاص، لا سيما في المنطقة «ج»، مشيرة إلى أن الرسالة الأهم التي يوجهها هذا التقرير هي أن التماسك الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق ما دامت المناطق التي يتعين فيها على الناس أن يعملوا ويتدبروا شؤونهم تمزقها المعوقات والحواجز. وفي ما يلي نص الملخص التنفيذي للوثيقة الذي وزعه البنك الدولي «يأتي اجتماع لجنة الارتباط الخاصة، الذي يعقد في سبتمبر (أيلول) 2012، في وقت أخذت تتفاقم فيه أزمة المالية العامة للسلطة الفلسطينية، بالتزامن مع ظهور علامات مثيرة للقلق تدل على تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي، وتَقلّص دعم المانحين للسلطة، وتوافر آفاق إيجابية ضئيلة على صعيد البيئة السياسية الأوسع نطاقا».

وتبذلُ السلطة الفلسطينية جهودا جديرة بالثقة تهدف إلى معالجة أزمة المالية العامة والاستمرار في بناء المؤسسات. وبالفعل، فقد تحدث البنك الدولي في هذا المنتدى، في تقرير له قبل عام مضى، عن تقييمه للجهود التي تبذلها السلطة الفلسطينية على صعيد بناء المؤسسات، ملاحظا أن «المؤسسات العامة الفلسطينية تتم مقارنتها إيجابا مع مؤسسات البلدان الأخرى في هذه المنطقة وفي غيرها من مناطق العالم، في المجالات التي تعتبر فيها فعالية الأداء الحكومي هي الأكثر أهمية، وهذه المجالات هي: الأمن والعدالة، وإدارة الإيرادات والنفقات، والتنمية الاقتصادية، وتقديم الخدمات».

ولاحظ ذلك التقرير أيضا أن مؤسسات السلطة الفلسطينية «فعالة بصورة معقولة، سواء أكان ذلك حسب أي معيار مُطلق قد يتوافر، أم كان حسب المقارنة مع البلدان الأخرى بصفة خاصة، في هذه المنطقة أو في أي منطقة أخرى من العالم»، وأن التقييم المؤسسي الذي أُجري قبل عام مضى لا يزال صالحا للتطبيق في الوقت الحاضر. غير أن ذلك التقرير أيضا حذر من الحاجة إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام يحركه ويقوده الاستثمار في القطاع الخاص الفلسطيني. وهذه القضية هي بؤرة التركيز في هذا التقرير.

وتواجه السلطة الفلسطينية وضعا خطيرا جدا في ماليتها العامة مع ارتفاع عجز الموازنة عن المستوى المتوقع له، واستمرار الدعم الخارجي للموازنة في الانخفاض في الوقت ذاته. كذلك فقد بلغ الدين المستحق للقطاع المصرفي المحلي حده الأعلى تقريبا، ومن غير المُحتمل أن تحصل السلطة الفلسطينية على المزيد من الائتمانات من القطاع الخاص في وقت قريب نظرا للمستوى الحالي المرتفع للمتأخرات.

ومن الضروري، بناء على ذلك، أن يستمر المانحون في دعمهم لموازنة السلطة الفلسطينية، وأن تستمر السلطة الفلسطينية في المضي قدما في تنفيذ الإصلاحات الأساسية لرفع مستوى تحصيل الإيرادات المحلية ولمراقبة الإنفاق. ومع ذلك، وحتى في ظل اتخاذ هذه التدابير، فإن الآفاق الحقيقية للتقدم، على مسار يتجه نحو تحقيق نمو اقتصادي فلسطيني مستدام، سوف تنطوي على تحديات في ظل غياب تغييرات أساسية كبيرة تزيل العوائق الناتجة عن فصل المناطق الفلسطينية وعزلها عن بعضها بعضا، وهي معوقات تقيد الاستثمار، وترفع التكاليف، وتعوق الترابط الاقتصادي.

وكما ورد ذكره مرارا وتكرارا في تقارير البنك الدولي السابقة، فإن استدامة النمو في المناطق الفلسطينية تعتمد على زيادة حجم استثمارات القطاع الخاص. غير أن القيود النافذة التي تفرضها الحكومة الإسرائيلية تستمر في اعتراض سبيل الاستثمار المحتمل في القطاع الخاص، وتظل العقبة الكبرى في وجه النمو الاقتصادي المستدام. ويفرض استمرار العزل الجغرافي للمنطقة «ج» من الضفة الغربية قيدا ملزما على النمو الاقتصادي الحقيقي جديرا بالاعتبار، باعتباره عنصرا أساسيا من عناصر دعم الدولة الفلسطينية المستقبلية (تعتبر اتفاقات أوسلو المنطقة «ج» أحد الترتيبات المؤقتة). وباعتبار المنطقة «ج» الأرض الوحيدة المتواصلة الجوار في الضفة الغربية، والتي تربط بين 227 منطقة جغرافية منفصلة (المنطقتين «أ» و«ب»)، فإن أهمية هذه المنطقة هي العنصر الأساس في الترابط الاقتصادي، وهي المساحة الأكثر وفرة وغنى بالموارد في الضفة الغربية؛ فهي تكنز جل الموارد المائية، والأراضي الزراعية، والموارد الطبيعية والاحتياطي من الأراضي في الضفة الغربية، التي توفر أساسا اقتصاديا لتحقيق النمو في القطاعات الأساسية من الاقتصاد.

ويوضح التحليل الأولي، الذي أجري في عدد من القطاعات التي يحتمل أن تكون مربحة اقتصاديا، الطرق التي تتم بواسطتها إعاقة النظام الحالي والقيود التي تفرضها إسرائيل، المادية منها والإدارية، أو التي يمنع باستخدامها تحقيق الاستثمار في القطاع الخاص الفلسطيني. فالتحليل يبرز مجموعة كبيرة من التحديات التي يُمكن معالجتها، سواء ما يتعلق منها بالوصول إلى الأراضي والمياه، أو بالقضايا التنظيمية والإجرائية، فضلا عن الحواجز المادية البارزة للعيان بصورة متكررة كثيرا.

ولكي يكون الدعم المالي المستمر من جانب مجتمع المانحين، وتكون زيادة حجم الجهود الإصلاحية التي تبذلها السلطة الفلسطينية، فعّالين ومؤثرين تماما، فإن ذلك الدعم وتلك الجهود يجب أن تصاحبهما وتتضافر معهما أعمال تقوم بها حكومة إسرائيل لكي تُيسّر، إلى حد كبير، العقبات المتبقية التي تمنع، في الوقت الراهن، القطاع الخاص الفلسطيني من أن يُصبحَ المُحرّك الحقيقي للنمو المستدام، باعتباره الحل متوسط المدى الوحيد للخروج من أزمة المالية العامة المتطاولة الأمد.