رومني يلملم جراحه بعد سقطة إهمال 47% من الأميركيين

الجمهوريون منقسمون إزاء التصريح السلبي.. ومعسكر أوباما يسعى لاستغلاله إلى أبعد حد

رومني يلاعب الأبناء الخمسة لنجله جوش على متن طائرته في مدينة سالت لايك بولاية يوتا الليلة قبل الماضية (أ.ف.ب)
TT

تبني المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية ميت رومني مضمون التصريحات الخاصة التي تم تسجيلها بصورة سرية وقال فيها إن 47 في المائة من الأميركيين يعتمدون على الحكومة؛ حيث أكد أن هذه التصريحات قد ساعدت في تحديد الخيار الفلسفي للناخبين في حملته ضد الرئيس باراك أوباما. وصرح رومني في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز»: «تتمثل وجهة نظر الرئيس في حكومة أوسع نطاقا، وهو ما أختلف معه. أعتقد أن فكرة المجتمع الذي يقوم على أشخاص يعتمدون على الحكومة، بحيث تقوم الحكومة بلعب دور متزايد باستمرار وإعادة توزيع الأموال، يعد مسارا خاطئا بالنسبة لأميركا».

جاءت تصريحات رومني هذه في محاولة للحصول على بعض المكاسب بعد حالة الغضب السياسي التي أعقبت الكشف عن التعليقات التي أدلى بها في حفل خاص لجمع تبرعات لحملته جرى في فلوريدا في مايو (أيار) الماضي، عندما أكد رومني أن نصف الشعب الأميركي تقريبا ممن لا يدفعون ضرائب الدخل الفيدرالية لن يصوتوا له في الانتخابات. وقال خلال حفل جمع التبرعات إن هؤلاء «يعتمدون على الحكومة ويعتقدون أنهم ضحايا ويرون أن الحكومة مسؤولة عن رعايتهم». وبعد وصفه الاثنين تعليقاته تلك بـ«غير اللائقة»، عاد رومني الثلاثاء وقال إن «الوقت قد حان لإجراء نقاش متكامل حول موضوعات التبعية والاستحقاقات»، فضلا عما وصفته حملته بتاريخ أوباما الطويل في دعم سياسات «إعادة توزيع» الأموال.

وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها رومني للتقليل من آثار هذه التصريحات، ظلت حملته تعمل طوال أول من أمس للحيلولة دون أن تصبح تلك التصريحات نقطة تحول للحملة التي ظلت حتى الآن ندا كبيرا مع حملة أوباما، فضلا عن الجهود التي تبذلها أيضا للحد من الأضرار الناجمة عن الكشف عن مجموعة أخرى من التعليقات في إحدى حفلات جمع التبرعات؛ حيث قال رومني إن حل الدولتين للتوصل لاتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين - وهي السياسة التي تتبناها الولايات المتحدة منذ فترة طويلة - غير ممكن التحقيق.

وأشاد بعض الجمهوريين بتصميم رومني على عدم التراجع عن تصريحاته بشأن الضرائب والمستحقات، وهو ما يعد تكرارا لبعض الموضوعات التي تم الترويج لها في السنوات القليلة الماضية من قبل كثير من المحافظين، بمن فيهم بول ريان المرشح لمنصب نائب الرئيس على بطاقة رومني. فخلال لقاء أجراه مع قناة تلفزيونية في نيفادا الثلاثاء، تبني بول ريان نهج رومني في الهجوم على أوباما وسياسة اعتماد المواطنين على الحكومة، على الرغم من أنه وصف تصريحات رومني بـ«غير الدقيقة».

ولكن هذه التطورات الأخيرة منحت الديمقراطيين فرصة ذهبية للتأكيد على أن رومني بعيد عن احتياجات وقيم الطبقة الوسطى ولا يتفهم طبيعة الظروف الاقتصادية التي تواجه كثيرا من الأسر. وخلال ظهوره مع المذيع الأميركي الشهير ديفيد ليترمان في برنامج «ليت شو»، اتهم الرئيس أوباما منافسه رومني بأنه «يلغي وجود جزء كبير من مواطني البلاد»، مضيفا أنه «سيكون من الخطأ بالنسبة لرجل سياسي أن يصف بعض الأشخاص بأنهم ضحايا أو غير وطنيين فقط لأنهم لا يتفقون معه في الرأي».

وفي أثناء إعداد إحدى الحملات المؤيدة لأوباما، المعروفة باسم «سوبر باك»، قام المنتجون بجهود كبيرة لإضافة مقاطع من تصريحات رومني في حفلة جمع الأموال إلى بعض مقاطع الفيديو والإعلانات التلفزيونية، وهو ما يؤكد أن الديمقراطيين يتجهون لاستخدام هذه التسجيلات حتى يوم الانتخابات. وتنصل عضوا مجلس الشيوخ سكوت براون ووليندا مكماهون، وهما مرشحان جمهوريان يخوضان انتخابات مجلس الشيوخ، من هذه التعليقات؛ حيث قال براون، «هذه ليست الطريقة التي أنظر بها إلى العالم»، بينما قالت ماكماهون، «أنا أختلف معه». وعلى الرغم من ذلك، شكك بعض المحافظين المثقفين في وصف رومني لـ47 في المائة من المواطنين الأميركيين الذين لا يدفعون ضرائب الدخل بأنهم ناخبو أوباما؛ حيث كتب ويليام كريستول، رئيس تحرير مجلة «ويكلي ستاندرد»، مؤكدا احتمال وجود بعض المؤيدين لرومني داخل نسبة الـ47 في المائة، وبخاصة من فئة «كبار السن، ممن يعتقدون أنهم يستحقون الحصول على الرعاية الصحية»، و«المواطنون ذوي الدخول المنخفضة، بمن فيهم الرجال والنساء الذين يخدمون في الجيش والذين يعتقدون أن السياسات المحافظة هي الأفضل للبلاد». ونجح رومني في الخروج من مأزق هذا الموضوع أثناء حوار أجراه مع نيل كافوتو على شبكة «فوكس نيوز»؛ حيث قال إنه كان يعني أنه «لن يحصل على أصوات هؤلاء الأشخاص الذين يعتمدون على الحكومة ويعتقدون أن وظيفة الحكومة هي إعادة توزيع الأموال عليهم».

وامتدت تأثيرات هذه التصريحات لتشمل بعضا من مساعدي رومني؛ حيث شبه أحدهم هذا الوضع بالسيرك، بينما أعرب اثنان آخران، واللذان تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما، عن شعورهما بالإحباط من هذه التصريحات، التي جاءت في حفل لجمع التبرعات في مدينة بوكا راتون بولاية فلوريدا (موطن الممول الكبير للحزب مارك ليدير)، مشددين على أن التصريحات قد أكدت على الصورة التي روج لها الديمقراطيون عن رومني طيلة العام الحالي بأنه لا يكترث بالناخبين ذوي الدخول المتوسطة وأنه لا يهتم سوى بنفسه وأصدقائه الأثرياء.

وكانت المؤتمرات المتتابعة التي نظمها رومني تهدف إلى طمأنة المانحين؛ حيث ضمت عددا كبيرا من كبار مستشاري رومني، مثل مات رودس، مدير الحملة الانتخابية، وسبنسر زويك، مدير التمويل، وبيت مايرز وإد غيليسبي، من كبار المستشارين. وتم تغيير موعد إحدى اللقاءات مع اللجنة المالية الوطنية الخاصة برومني، من الموعد الذي تعقد فيه عادة قرب نهاية الأسبوع، بينما حثت إحدى الحملات الأخرى، الموجهة إلى الجهات المانحة الأكبر، المانحين على «الاشتراك في الحملة». وفي وقت لاحق الثلاثاء، ذكرت مجلة «ناشيونال ريفيو» أن رومني واجه مثل هذا العجز النقدي في الوقت الذي كان ينتظر فيه السماح له بالإنفاق من الأموال التي جمعها لحملته، وهو ما اضطره إلى اقتراض 20 مليون دولار في أغسطس (آب) الماضي، حتى يتمكن من عقد مؤتمره الانتخابي. يذكر أن هذه الأموال قد تمت تغطيتها بسهولة بواسطة حساب الانتخابات العامة الخاص به.

وقال مستشارو رومني إنهم كانوا يراقبون الموقف بحكمة وعقلانية بطريقة أدت إلى عدم دخول وسائل الإعلام الإخبارية في «حالة من الهياج المحموم». وبينما قلل مستشارو رومني من أهمية التسجيلات، فإنهم قالوا إنهم لم يحظوا بالترحيب بالأساس لأنهم أثنوا رومني عن العودة مجددا إلى رسالته بشأن الاقتصاد، مقدمين رؤية أكثر وضوحا للناخبين بشأن الوجهة التي سيقود الدولة إليها. وقالت السيناتورة الجمهورية سوزان كولنز، «في كل يوم لا يتحدث فيه عن الوظائف، يضيع فرصة لعقد مقارنة مع سجل الرئيس الذي لا يسبر غوره بشأن الاقتصاد».

وجاء رد فعل الجمهوريين في شتى أنحاء البلاد في شكل مزيج من الذعر والتحدي؛ حيث قال جو غروترز، رئيس الحزب الجمهوري بساراسوتا بولاية فلوريدا، إنه يعتقد أن تلك التعليقات «ستصب في صالحه»، بينما أشار إليها ستيف أرمسترونغ، رئيس الحزب الجمهوري في لين كاونتي بولاية أيوا بوصفها «خطأ غير مناسب». وأعرب السيناتور الجمهوري رون جونسون، عن ولاية ويسكونسن، عن اعتقاده بأن رومني سيفوز في المعركة، ولكنه حذر من أن الجمهوريين بحاجة لإظهار أنهم «مهتمون بحال كل أميركي».

* خدمة «نيويورك تايمز»