إيران تطلق شبكة إنترنت داخلية للسيطرة على تدفق المعلومات

توقع احتجاجات.. وخبراء يقولون إن مصيرها الفشل.. وجيشها الإلكتروني لن يستفيد منها

TT

ثمة ما يشير إلى أن الحكومة الإيرانية قد وضعت الأسس الفنية لإطلاق شبكة إنترنت داخلية لا علاقة لها بشبكة الإنترنت الدولية، وهو ما يتيح لها سيطرة أكبر على تدفق المعلومات والحد من النفوذ الغربي وتوفير الحماية ضد الهجمات الإلكترونية.

ورغم أن إيران تفكر في إقامة شبكة وطنية منذ نحو عشر سنوات، فإن هذا المشروع كان يثار حوله كثير من الشكوك نظرا للاستثمارات الهائلة وعمليات التأمين التي يتطلبها المشروع. ومع ذلك، يؤكد مسؤولون إيرانيون وخبراء أجانب أن عملية تطوير الشبكة بدأت تسير بوتيرة أسرع في أعقاب الهجمات الإلكترونية التي استهدفت البرنامج النووي الإيراني.

وكان وزير الاتصالات والإعلام الإيراني قد كشف النقاب الشهر الماضي عن خطة تهدف لفصل الهيئات الحكومية والعسكرية عن الشبكة الدولية وربطها بالشبكة الجديدة بنهاية سبتمبر (أيلول) الجاري. وأكد خبراء أمن أميركيون أنهم توصلوا ولأول مرة إلى دليل على وجود هذه الشبكة وفق الخطط الإيرانية المعلنة. وقال باحثون يعملون تحت إشراف مركز دراسات الاتصالات العالمية بجامعة بنسلفانيا الأميركية في تقرير سينشر خلال الأسبوع الجاري، إنهم وجدوا إصدارات من مواقع الوزارات الحكومية والجامعات والشركات على الإنترنت، كما تبين لهم أنها تمتلك قدرة على الحماية من الاختراق.

وقامت شركة «هواوي» الصينية بتصنيع الجهاز الأساسي في الشبكة، وهو جهاز يتمتع بقدرة على المراقبة المعقدة لعمليات الدخول. وخلص التقرير إلى أن الشبكة متماسكة داخليا ويمكن الوصول إليها على نطاق واسع.

ومن المرجح أن تثير هذه النتائج قلق المدافعين عن حرية الإنترنت وإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التي أنفقت عشرات الملايين من الدولارات لتصميم طريقة سهلة لاختراق شبكات الإنترنت في إيران وغيرها من الدول.

وفي مقابلة شخصية معه، قال ديفيد باير، وهو نائب مساعد وزيرة الخارجية لمكتب وزارة الخارجية الأميركية للديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل: «لدينا بعض الشواغل، ليس فقط فيما يتعلق بمجال حقوق الإنسان، ولكن بشأن وحدة الإنترنت أيضا. عندما يكون لكل دولة شبكة إنترنت منفصلة، فإن ذلك لا يؤثر على مواطني هذه الدول وحدها، ولكنه يؤثر على الجميع». ويرى الخبراء أن هناك بعض الأسباب التي تدفع إيران لإطلاق شبكة إنترنت بديلة للشبكة الدولية يتم التحكم فيها عن طريق الدولة، لأن وجود شبكة يتم حمايتها من قبل إيران وحدها سيمكن المسؤولين الإيرانيين من مواجهة البرامج التي تمولها الولايات المتحدة والتي تجعل الحكومة الإيرانية عاجزة عن مراقبة ما يقوم به النشطاء الإيرانيون على الإنترنت. وعلاوة على ذلك، يمكن للشبكة الإيرانية الوطنية أن تحمي أجهزة الكومبيوتر الإيرانية من الهجمات الإلكترونية التي تشنها الولايات المتحدة وإسرائيل، حسب تأكيدات المسؤولين الإيرانيين. ومن غير المتوقع أن تحل الشبكة الإيرانية محل الشبكة الدولية كليا، ولكنها ستكون بديلا جيدا للمواطن الإيراني.

ويتم الحد من سرعة الإنترنت في إيران بشكل متعمد، بالشكل الذي يجعل القيام ببعض الأنشطة على الإنترنت، بما في ذلك تدفق مقاطع الفيديو، يكاد يكون مستحيلا. وعلاوة على ذلك، يتم حظر الكثير من المواقع الإلكترونية، بما في ذلك «فيس بوك» و«يوتيوب»، من قبل الحكومة الإيرانية.

إن امتلاك إيران شبكة إنترنت داخلية قوية يعطي الحكومة الإيرانية قدرة أكبر على إغلاق الشبكة في أوقات الاضطرابات الداخلية كالاحتجاجات التي شهدتها البلاد عام 2009.

وكان نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك قد قام بقطع الإنترنت خلال الثورة المصرية، وهي الخطوة التي جاءت بنتائج عكسية حيث سببت حالة من الذعر في البلاد، ولكن وجود شبكة وطنية في طهران قد يمنع حدوث نتيجة مماثلة في إيران.

وقال موسوي خوئيني، وهو إصلاحي وبرلماني إيراني سابق يعيش الآن في المنفى: «السبب الرئيسي وراء هذا المشروع هو الأمن. ربما يقولون: إنه يهدف إلى زيادة سرعة الإنترنت أو الحماية من المحتوى غير المرغوب فيه، ولكن يبقى الهدف الرئيسي دائما هو الأمن». ولكن لا يبدو أن الكثير من الخبراء مقتنعون بأن شبكة الإنترنت الإيرانية ستكون أمرا قابلا للتطبيق، ولا سيما إذا ما أخذنا في الحسبان الحاجة للدخول على شبكة الإنترنت للقيام ببعض الأعمال التجارية والاتصالات الدولية. يقول سيدريك ليتون، وهو النائب السابق لـ«وكالة الأمن القومي» في مقابلة أجريت معه: «أي محاولة تقوم بها أي دولة لعمل شبكة إنترنت خاصة بها سيكون مصيرها الفشل».

يؤكد ليتون، الذي قضى أكثر من 25 عاما في العمل كضابط استخبارات متخصص في أمن الفضاء الإلكتروني، أن «الجيش الإلكتروني» الخاص بإيران، وهي شبكة من قراصنة الإنترنت المؤيدين للحكومة والذين قاموا بشن هجمات على بعض الأهداف الغربية خلال الأعوام القليلة الماضية، لا يبدو أنهم سيستفيدون كثيرا من محاولة إنشاء شبكة إنترنت وطنية. أكد ليتون أنه من خلال «وضع خطوط الألياف» وربط آلاف الخوادم داخل إيران، سوف تقوم الحكومة الإيرانية «بالبناء على معرفتها الخاصة بشبكات الإنترنت وكيفية تشغيلها»، فضلا عن زيادة قدرتها على شن وصد الهجمات الإلكترونية، مضيفا: «ولكن بغض النظر عن كل ما ستقوم به، فسوف توجد هناك نقاط ضعف في أي شبكة».

وأعربت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وبعض الخبراء المعنيين بحرية الإنترنت عن مخاوفهم من أن يشكل تدشين إيران لشبكة إنترنت وطنية سابقة بالنسبة للحكومات القمعية في شتى أنحاء العالم. وصف رضا تقي بور، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الإيراني، الفكرة الإيرانية بإنشاء شبكة إنترنت وطنية بـ«الرائدة»، ملمحا إلى أن دولا أخرى قد تحذو حذو إيران في هذا الصدد.

يقول بريت سولومون، المدير التنفيذي لموقع (AccessNow.org)، وهي مبادرة عالمية لحرية الإنترنت: «لا يجب أن تعتقد الحكومات أن خروجها من على شبكة الإنترنت العالمية قد أصبح أمرا مشروعا الآن»، مضيفا: «إذا نظرنا إلى الثورة المصرية، حين قام النظام المصري السابق بقطع التدفق الحر للمعلومات، يمكننا أن نرى كيف يمكن لهذه الخطوة أن تؤدي إلى خلق قاعدة دولية جديدة». أكد الباحثون، الذين تمكنوا من كشف أسس شبكة الإنترنت الإيرانية الجديدة، أنهم اكتشفوا وجود بعض مواقع الإنترنت بالفعل على الشبكة الجديدة - والتي غالبا ما تكون إما مواقع حكومية أو أكاديمية - وهو ما يعني أن تدشين شبكة الإنترنت الإيرانية يتم بالفعل في الوقت الحاضر. يتوافر بعض مواقع الرسائل الإلكترونية وغيرها من مزودي الخدمات بالفعل على الشبكة، بينما أظهرت عملية البحث التي قام بها الباحثون على البنية التحتية للشبكة الإيرانية وجود أكثر من 10000 جهاز متصل بها.

يقول كولين أندرسون، الباحث الأمني الذي يعيش في العاصمة الأميركية واشنطن والمؤلف الرئيسي لهذا التقرير، إن هذه الدراسة يجب أن تدفع باتجاه المزيد من العمل بشأن نطاق شبكة الإنترنت الإيرانية وقدرتها على ترشيح نتائج البحث والتطور وعدد المواقع الإلكترونية التي ستكون متاحة عليها فقط.

يضيف أندرسون: «يعد موضوع حرية الإنترنت مثل لعبة القط والفأر - حيث يقوم اللاعبون الأشرار دائما بالتفكير في طرق جديدة لإحباط تطلعات الجماهير. ينبغي أن يظل الناس والمنظمات متيقظين للبيئة التي تتغير باستمرار من أجل دعم هؤلاء الأشخاص الذين يرغبون في مقاومة الهجمات الرامية إلى إحداث عزلة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»