باكستان: قتلى وجرحى في مظاهرات ضد الفيلم المسيء.. والحكومة تعلن حالة الطوارئ

واشنطن تلجأ للإعلانات التلفزيونية لتهدئة الاحتجاجات

محتجون يحرقون عددا من السيارات في كراتشى أمس (أ.ف.ب)
TT

قالت وزارة الخارجية الأميركية أمس، إن الولايات المتحدة دفعت أموالا لمحطات تلفزيونية باكستانية لبث إعلانات يظهر فيها الرئيس باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على أمل تهدئة الرأي العام في البلاد التي شهدت احتجاجات مناهضة للفيلم المسيء للإسلام الذي أنتج في كاليفورنيا.

وقالت الوزارة إن السفارة الأميركية في إسلام آباد أنفقت نحو 70 ألف دولار لبث الإعلان الذي يضم مقاطع فيديو لأوباما وكلينتون يؤكدان فيها على احترام الولايات المتحدة للدين وإعلان أن الحكومة الأميركية ليس لها صلة بالفيلم.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند في مؤتمر صحافي «من أجل ضمان وصولنا إلى أكبر عدد من الباكستانيين كان التقدير هو أن هذه أفضل طريقة للقيام بذلك».

وبث الإعلان الأميركي بينما دعت واشنطن الأميركيين إلى تجنب السفر غير الضروري إلى باكستان، وهي واحدة من الدول الإسلامية التي شهدت موجة احتجاجات مناهضة للولايات المتحدة.. ففي ليبيا قتل السفير الأميركي وثلاثة أميركيين آخرين في هجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي.

واجتاحت الاحتجاجات التي اندلعت بسبب فيلم نشر على الإنترنت سخر من النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - اليمن ومصر وبلدانا أخرى ودفعت أيضا الحكومة الأميركية إلى سحب موظفيها غير الأساسيين في تونس والسودان.

وفي باكستان اندلعت الاحتجاجات في أكثر من 12 مدينة، وأدى ذلك إلى وقوع أكثر من 16 شخصا واصابة العشرات. وحذر محللون في مكافحة الإرهاب بإدارة شرطة نيويورك في بيان وزع أمس، من أن الاحتجاجات المناهضة للولايات المتحدة وللغرب ستواصل الانتشار بعدما أججها في الآونة الأخيرة نشر مجلة فرنسية لرسوم مسيئة للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم.

وأثارت الرسوم التي نشرتها مجلة «شارلي إبدو» الفرنسية الأسبوعية الساخرة غضب الشارع بصورة أقل نسبيا حتى الآن على الرغم من تظاهر نحو 100 إيراني أمام السفارة الفرنسية في طهران.

وقالت نولاند إن قرار شراء إعلانات تلفزيونية ليس غريبا في بلدان تكون فيها هذه هي «طريقة توصيل رسالتك».

وقطعت هيئة الاتصالات الباكستانية «بي تي إيه» صباح أمس، خدمات الهاتف الجوال عن نحو 15 مدينة باكستانية كبرى منها إسلام آباد ولاهور وكراتشي وكويتا وبيشاور وفيصل آباد ومولتان؛ ضمانا للأمن والسلام خلال المظاهرات التي سيجري تنظيمها في سائر أنحاء البلاد؛ احتجاجا على الفيلم الأميركي المسيء للرسول - صلى الله عليه وسلم.

وأفادت مصادر بالهيئة بأن خدمات الجوال ستظل متوقفة حتى مساء اليوم، كما توقفت مظاهر الحياة الطبيعية مع بدء تنظيم المواكب والمسيرات بمناسبة الاحتفال بيوم «حب الرسول» - صلى الله عليه وسلم - حيث أغلقت الأسواق والشركات والبنوك والمدارس والمصالح الحكومية ومحطات البنزين والغاز الطبيعي المضغوط في جميع أنحاء البلاد.

وأعلنت السلطات الأمنية حالة الطوارئ في العاصمة إسلام آباد وشددت الإجراءات الأمنية حول مقار البعثات الدبلوماسية الغربية. وطوقت شرطة مكافحة الشغب مقار البعثات الدبلوماسية والمباني الوطنية الرئيسية بعدما أعلنت الحكومة الجمعة عطلة رسمية لتسهيل المظاهرات في أنحاء البلاد. وبدأ الباكستانيون في التوافد على الميادين في مختلف الأقاليم الباكستانية من بينها مظفر آباد وراولبندي وناوشيرا ويعقوب آباد، غداة تحول مظاهرات جرت قبل ذلك إلى أعمال عنف طالت الممتلكات الحكومية، حيث لجأ المتظاهرون في إسلام آباد إلى أعمال الشغب وأضرموا النار في بوابة لرسوم المرور تربطها مع راولبندي بعد نهبها، وهي تقع بالقرب من مخيم للاجئين الأفغان، الأمر الذي دفع السلطات الباكستانية إلى إعلان حظر الاحتجاجات العنيفة وحمل الأسلحة في إسلام آباد والمناطق المجاورة، إلا أنها سمحت بالمسيرات السلمية عبر كاميرات متصلة بدوائر تلفزيونية مغلقة. وفي بيشاور (باكستان) تحولت مظاهرات الاحتجاج على الفيلم المسيء الذي أنتج في الولايات المتحدة، إلى أعمال عنف أمس في بضع مدن باكستانية وخصوصا في الشمال الغربي حيث قتل شخص وجرح آخرون وأحرقت اثنتان من دور السينما على الرغم من دعوات الحكومة إلى الهدوء. وكانت السلطات أطلقت على هذا اليوم (أمس الجمعة) اسم «في حب الرسول» حتى يتمكن الناس من التظاهر دفاعا عن الإسلام وعن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد السخرية في الفيلم الأميركي الذي بثت مقاطع منه على شبكة الإنترنت.

وقد استنفرت الأجهزة الأمنية وخصوصا في العاصمة إسلام آباد حيث أقيمت حواجز للحيلولة دون شن أي هجوم على الحي الدبلوماسي الذي يضم سفارات أجنبية، لا سيما سفارتا الولايات المتحدة وفرنسا، حيث بات هدفا محتملا هذا الأسبوع منذ نشر رسوم كاريكاتيرية للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في صحيفة «شارلي إبدو» الأسبوعية الساخرة.

واندلعت أولى الحوادث في الصباح وخصوصا في بيشاور، كبرى مدن شمال غربي البلاد، وهي منطقة محافظة جدا وقريبة من الحدود الأفغانية، حيث جرح عشرون شخصا على الأقل بينهم ثلاثة من عناصر الشرطة جراء إصابتهم بالرصاص ورمي الحجارة والغاز المسيل للدموع، كما قال طبيب في المدينة.

ومن هؤلاء الجرحى سائق يعمل لحساب محطة «إي آر واي» التلفزيونية الخاصة التي أعلنت وفاته بعد ذلك. وفي بيشاور أيضا، أضرم متظاهرون غاضبون النار أمس في اثنتين من دور السينما. وأصيب محتج بجروح عندما أطلق حارس إحدى دور السينما النار على المتظاهرين الذين هاجموا إحدى الدارين وقاموا بتخريبها وأضرموا النار في قطع الأثاث فيها.

ثم توجه نحو 250 متظاهرا إلى دار السينما الثانية التي تبث أفلاما يعتبرها بعض المتطرفين إباحية، وقاموا بنهبها وإحراقها. واندلعت صدامات على نطاق ضيق أيضا في راولبندي، المدينة التوأم لإسلام آباد، كما قال مصور لوكالة الصحافة الفرنسية، لكن رئيس الوزراء رجاء أشرف دعا في الصباح الناس إلى التظاهر بطريقة سلمية وأدان الفيلم المسيء للإسلام أيضا.

وقال إن «التعرض للنبي هو تعرض لمعتقدات 1.5 مليار مسلم. وهذا أمر غير مقبول. وتزداد مشاعر الغضب والاستياء عندما يتبين أن ما حصل كان عملا متعمدا عن سابق تصور وتصميم». وأضاف قائلا «لكن مسؤوليتنا الجماعية تحتم علينا الاحتجاج بصورة سلمية». وفي العاصمة إسلام آباد أقفلت المتاجر وسدت حاويات مدخل فندق «سيرينا» الذي شهد أمس صدامات بين عناصر من الشرطة ومتظاهرين أسفرت عن 50 جريحا على الأقل.

وطوقت الشرطة والجيش أيضا جادة الدستور القريبة من القصر الرئاسي والحي الدبلوماسي، كما ذكر مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية. وأصدرت الأمم المتحدة والسفارات من جهة أخرى تعليمات لموظفيها بالعمل من منازلهم في هذا اليوم المخصص للتظاهرات.

وقال السفير الأميركي لدى باكستان ريتشارد هوغلاند، إن الفيلم المسيء للإسلام هو «قرار ينطوي على تبلد عميق اتخذه شخص واحد لإثارة الكراهية»، وذلك بعد اجتماع مع وزارة الخارجية الباكستانية أمس.

وفي بيان أضاف هوغلاند أنه أبلغ المسؤولين الباكستانيين بأن واشنطن ليس لها صلة بالفيلم وأدانت بالفعل محتواه ورسالته.

وأعرب عن تقديره لالتزام باكستان بحماية المنشآت وموظفي البعثات الدبلوماسية. وكانت باكستان قد استدعت أمس السفير الأميركي في إسلام آباد للاحتجاج على الفيلم المسيء.

وقال التلفزيون الباكستاني الحكومي إنه جرى استدعاء السفير هوغلاند لاتخاذ إجراء ضد منتج الفيلم المسيء وللمساعدة في ضمان حجب المقاطع المثيرة للجدل من الفيلم من الموقع الإلكتروني «يوتيوب».

وكانت وسائل النقل العام في باكستان توقفت أمس، كما أغلقت معظم الأعمال التجارية أبوابها.

وفي كابل خرج المئات من أفراد الشعب الأفغاني في مسيرات بشوارع العاصمة كابل عقب صلاة الجمعة أمس، احتجاجا على الفيلم المسيء لنبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - والذي أنتج في الولايات المتحدة.

وردد المشاركون في المسيرات شعارات مناهضة للولايات المتحدة. وقال أيوب سلانجي، قائد شرطة العاصمة الأفغانية: «كانت المظاهرات سلمية تماما وعبر المحتجون عن مشاعرهم الدينية بالشعارات، فحسب». وأضاف سلانجي أن المسيرات ركزت على الفيلم المسيء للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يتطرق المشاركون فيها للرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للإسلام والتي نشرتها صحيفة فرنسية مؤخرا.