مصر: المئات يتظاهرون أمام السفارة الفرنسية تنديدا بـ«الرسوم المسيئة» ويحرقون علمها

الغنوشي: الأصوليون يشكلون خطرا على تونس > وزير الداخلية يطلع بنفسه على مواقع قوات مكافحة الشغب

متظاهر مصري يرفع علما إسلاميا أمام السفارة الفرنسية في القاهرة للاحتجاج على نشر صور مسيئة للرسول (إ.ب.أ)
TT

تظاهر أمس المئات أمام السفارة الفرنسية بمحافظة الجيزة للتنديد بـ«الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول» التي نشرتها مجلة «شارلي إبدو»، وبينما ناشدت دار الإفتاء المصرية الرئيس محمد مرسي أخذ زمام المبادرة لإنشاء مؤسسة فكرية لرصد ما يسمي «الإسلاموفوبيا»، تكون مهمتها رصد وتحليل ما ينشر من إساءات عن الإسلام لمواجهتها فكريا، طالبت الجبهة السلفية الرئيس بطرد السفير الفرنسي من مصر ومقاطعة المنتجات الفرنسية.

وخرجت مسيرات محدودة بالقاهرة والمحافظات، دعت إليها بعض التيارات الإسلامية، احتجاجا على استمرار الإساءة للدين الإسلامي من خلال عرض الفيلم الأميركي المسيء وما أعقبه من رسوم نشرت بإحدى المجلات الفرنسية. وشهد ميدان التحرير بوسط القاهرة هدوءًا نسبيًا، حيث غابت المظاهرات عن الميدان، فيما تواصلت أعمال الإنشاءات والتشجير والإصلاح داخل الميدان، كما واصلت قوات الأمن تعزيز وجودها في الميدان.

وحمل المتظاهرون أمام مقر السفارة الفرنسية بمحافظة الجيزة المتاخمة للعاصمة القاهرة أعلاما سوداء ولافتات تدين الإساءة للرسول كتبوا عليها: «يلا يا مرسي ثور ثور.. فاضل إيه بعد الرسول»، و«يلا يا مصري ثور ثور دول بيهينوا في الرسول»، و«يا رسولنا لا تهتم نحن نفديك بالروح والدم». وقال أيمن عامر، منسق الائتلاف العام لثورة 25 يناير لـ«الشرق الأوسط»: «خرجنا للتعبير عن غضبنا وتوصيل رسالة إلى السفير الفرنسي بأن المصريين لن يصمتوا على الإساءة مرة أخرى». وطالب المحتجون الرئيس محمد مرسي ببيان رسمي ضد انتهاكات الغرب، ومقاطعة المنتجات الفرنسية، مؤكدين سلمية المظاهرات ونبذ أي أعمال شغب، فيما طالب الدكتور خالد سعيد، المتحدث الرسمي باسم الجبهة السلفية، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» الرئيس مرسي بطرد السفير الفرنسي، مهددا بالتظاهر أمام القصر الرئاسي (الاتحادية) بضاحية مصر الجديدة (شرق القاهرة) وليس أمام السفارة الفرنسية. وفي خطبة الجمعة بمسجد عمر مكرم، قال الشيخ مظهر شاهين خطيب ميدان التحرير، إن «مسلسل الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم لن ينتهي»، مشيرًا إلى أن الرسول كان يتعامل مع خصومه ويرفض محاربتهم في البداية، وكانت هناك نماذج كثيرة من أشد الأعداء للإسلام، ثم أصبحت بعد ذلك مصدر قوة للإسلام، مثل خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل، وهند بنت عتبة، وغيرهم. وفي الإسكندرية، قام المتظاهرون بإحراق العلم الفرنسي أمام مقر قنصليتها بمنطقة المنشية القريبة من النصب التذكاري للجندي البحري المجهول، وردد المتظاهرون هتافات قالوا فيها: «أول مطلب للجماهير غلق سفارة وطرد سفير، وثاني مطلب للجماهير التطهير التطهير»، كما رفعوا لافتات كتبوا عليها: «إلا رسول الله»، و«يا فرنسا يا صليبية بينا وبينك بندقية». وقال عدد من المتظاهرين لـ«الشرق الأوسط» إنهم «شاركوا غضبا من الرسوم المسيئة للرسول، مطالبين بضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الرسوم ومقاطعة البضائع الفرنسية وطرد البعثة الدبلوماسية الفرنسية من مصر».

في السياق ذاته، قال الدكتور إبراهيم نجم، المستشار الإعلامي لمفتي الديار المصرية، إن «مصر تعاني في كل مؤسساتها من قصر الذاكرة الرصدية، ولذا يجب على الرئيس محمد مرسي أن يتبنى إنشاء وحدة لرصد ما ينشر من إساءات للدين الإسلامي لتحليلها واختيار الرد المناسب والصحيح على هذه الإساءات».

وفي مواجهة الاحتجاجات التي تكررت للجمعة الثانية على التوالي بتونس، أشرف علي العريض وزير الداخلية بنفسه على استعدادات قوات الأمن التونسية للتصدي للمحتجين الذين تقودهم تيارات متشددة، واطلع على المواقع التي اتخذوها منذ ساعات الصباح الأولى. وتسلح وزير الداخلية التونسية لهذا التحدي الأمني الجديد بتهديد المتظاهرين قبل يوم باللجوء إلى استعمال الرصاص الحي ضد كل من لا يلتزم بمنع التظاهر أمام السفارة الفرنسية. كما أعطت حكومة حمادي الجبالي الضوء الأخضر للعريض بإمكانية استعمال القوة ضد المتظاهرين، وعزت ذلك إلى تمديد حالة الطوارئ التي تعيشها تونس إلى غاية شهر سبتمبر (أيلول) الحالي وهي حالة تمنع كل أشكال التظاهر في الشارع.

وعززت تلك القوات منذ الصباح الباكر مواقعها في شارع بورقيبة، وتعززت أعدادها بقوات من الجيش التونسي وبعض المدرعات وشاحنة للمياه الساخنة. وقالت مصادر أمنية مطلعة إن الوزارة اتخذت ما يكفي من الاحتياطات الأمنية لمنع الاقتراب من مقر السفارة. وأضافت المصادر نفسها أن «كل ما حدث نهاية الأسبوع الماضي في محيط سفارة الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن له أن يتكرر».

وكانت حركة التونسيين والسيارات مراقبة عن طريق مروحية عسكرية طافت أكثر من مرة بالأرجاء، وعن طريق مجموعة كبيرة من الحواجز والأسلاك الشائكة نصبت على مداخل الشارع الرئيسي، ومنعت قوات الأمن وقوف السيارات في شارع الحبيب بورقيبة والأنهج القريبة منه. وأصيبت العاصمة التونسية بشلل تام لمدة قاربت الخمس ساعات امتدت من الحادية عشر صباحا إلى الرابعة بعد الزوال وأغلقت المتاجر أبوابها وتوقفت الحركة التجارية وحركة التنقل بشكل كامل. وكان راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التي تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم في تونس، قد انتقد بشدة تصريحات لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسية الذي قال: «لا يجب أن يتحول الربيع العربي إلى شتاء إسلامي». وأعلن رئيس حزب النهضة الإسلامي راشد الغنوشي في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية أن السلفيين الجهاديين يشكلون «خطرا» على تونس وأنه يجب على الدولة التونسية أن تعتمد الحزم بعد الهجوم على السفارة الأميركية. وقال: «في كل مرة تتجاوز فيها أحزاب أو مجموعات بطريقة واضحة الحرية، يجب اعتماد الحزم والإصرار على فرض النظام». وأضاف الغنوشي: «هؤلاء الناس يشكلون خطرا ليس فقط على النهضة وإنما على الحريات العامة في البلاد وعلى أمنها، ولذلك نواجه جميعنا هذه المجموعات لكن بطرق تحترم القانون». واعتبر الغنوشي في حوار أجرته معه إحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية أن معلومات وزير الخارجية الفرنسية «منقوصة للغاية» حول ما يجد من أحداث في تونس ودعاه إلى الاطلاع على كتابات المفكرين الفرنسيين المختصين في دراسة الشؤون السياسية في العالم العربي والإسلامي، أمثال فرنسوا بورقا (المعهد الفرنسي للشرق الأوسط)، وجيل كيبال (المختص في الإسلام والعالم العربي المعاصر) وأوليفيه روا (مدير المركز الفرنسي للبحوث العلمية). واعتبر الغنوشي أن الاحتجاجات التي شهدتها تونس تمثل رد فعل طبيعيا ضد الإساءة التي ضربت التونسيين في الصميم ودعا الوزير الفرنسي إلى عدم وضع تونس في نفس الخانة مع البلدان الأخرى.