ليبيا: أبو شاقور يبحث عن وزيرين قويين للدفاع والداخلية وغالبية الأسماء المطروحة لعسكريين

اشتباكات مسلحة في الجنوب ودعوات للتهدئة من الجيش ورجال الدين

TT

قالت مصادر مطلعة في طرابلس الغرب أمس (الجمعة)، إن مصطفى أبو شاقور، رئيس الوزراء الليبي المنتخب، يبحث عن وزيرين قويين لوزارتي الدفاع والداخلية، وإن غالبية الأسماء المطروحة لعسكريين، في محاولة للسيطرة على مشكلة السلاح والمسلحين. وبينما شهدت مدينة بنغازي في شرق ليبيا مظاهرات ضد الفيلم والرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وسط دعوات للتهدئة من الجيش ورجال الدين، وقعت اشتباكات مسلحة في قرب مدينة سبها في الجنوب بين الثوار ومشتبه في ولائهم للرئيس الراحل معمر للقذافي من قبيلة رئيس مخابراته عبد الله السنوسي المحتجز قيد الاستجواب في ليبيا.

وفي المقابل، انطلقت في بنغازي أمس مظاهرتان الأولى، نظمتها كتيبة أنصار الشريعة لتجديد ما سبق وأعلنته عن عدم مسؤوليتها عن هجوم القنصلية الأميركية، ولنصرة الرسول محمد والاحتجاج على الإساءة للمسلمين. وقال قيادي في الكتيبة «المظاهرة تهدف لدرء التهم التي وجهت إلينا بخصوص الهجوم على القنصلية.. نقول مرة أخرى إن هذا الحادث لا دخل لنا فيه».

وفي بنغازي أيضا، وفيما يعد مؤشرا على تنامي مشكلة انتشار السلاح وهيمنة الكتائب المسلحة في بعض المناطق خاصة المشرق، نظم اتحاد منظمات المجتمع المدني الليبي مظاهرة ثانية في المدينة دعا فيها السلطات لضرورة إصدار قانون يجرم حمل السلاح والتشكيلات المسلحة و«إخلاء المؤسسات من هذه التنظيمات». وتم تنظيم المظاهرة تحت اسم «جمعة إنقاذ بنغازي».

ودعت رئاسة أركان الجيش الليبي المشاركين في مظاهرات أمس أن تكون «بشكل سلمي وحضاري». وحذرت من «اندساس الغوغائيين والطابور الخامس بين صفوفهم». وحثت المتظاهرين على الابتعاد عن العنف أو المساس بالمعسكرات والمقار التابعة للجيش. وقالت في بيان بثته وسائل إعلام محلية إن كل من يحمل السلاح أو يقوم بممارسة العنف خلال المظاهرة سيكون مسؤولا عن أعماله وسيقدم للمحاكمة.

ودعا خطيب مسجد «الشهداء» الرئيسي في وسط العاصمة الليبية طرابلس المواطنين إلى إظهار السلوكيات التي تجعل العالم «معنا وليس علينا» في إشارة إلى رفضه للعنف الذي صاحب الاحتجاجات ضد الفيلم والرسوم المسيئة للإسلام.

وقال خطيب مسجد «الشهداء» أمام آلاف المصلين في صلاة الجمعة في طرابلس أمس، إن «الحرية تعني المسؤولية وإن الخيار أمام الليبيين هو كيف سيستخدمون هذه الحرية؟»، وأضاف أن العالم كله يراقب الليبيين ليعرف كيف سيمضون بدولتهم الجديدة؟، قائلا: «ينبغي أن نسلك السلوكيات التي تجعل العالم معنا وليس علينا».

وبينما يبحث أبو شاقور تشكيل حكومة من وزراء يمكنهم نقل البلاد إلى مرحلة الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، شدد خطيب مسجد الشهداء على ضرورة وجود مسؤولين يتصفون بالقوة والأمانة، قائلا إن «ليبيا في حاجة ماسة لحكام يتسمون بالخبرة والقدرة على الإدارة والإلمام بمتطلبات الدولة في المرحلة الجديدة».

وكان متوقعا أن تشهد طرابلس مظاهرات منددة بالفيلم والرسوم المسيئة للإسلام؛ إلا أن يوم أمس في العاصمة مر دون توتر يذكر، وساد الهدوء ساحة الشهداء، وذلك بعد يوم من مشاركة مسؤولين أميركيين وليبيين في تأبين السفير الأميركي وثلاثة من رفاقه الذين قتلوا في هجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي قبل أيام، أثناء مظاهرات ضد الفيلم المسيء.

ويقول مراقبون، إن الغالبية العظمى من الليبيين تطمح في الانتهاء سريعا من تشكيل الحكومة الجديدة خاصة بالنسبة لوزارتي الدفاع والداخلية ورئاسة الأركان، وأشارت مصادر إلى أن غالبية الشخصيات التي وردت أسماؤها ضمن المتوقع الاستعانة بهم، هم عسكريون لحل قضية السلاح والمسلحين وبسط الأمن في الداخل وعلى الحدود ودمج الكتائب في الوزارتين مع منح رؤساء الكتائب التي شاركت في الثورة التي أطاحت بالعقيد الراحل القذافي، رتبا عسكرية.

وفي لقاءات لـ«الشرق الأوسط» مع قيادات لعدة كتائب عسكرية تقوم بالمراقبة ونصب نقاط تفتيش وحماية مواقع نفطية وخدمية في جنوب العاصمة الليبية أمس، فإن غالبيتهم يتفق على ضرورة الاندماج في الأجهزة الحكومية؛ لكن المشكلة تكمن في «شكوك بشأن قدرة الحكومة على تولي مسألة الأمن بشكل كامل، وعدم السماح لأزلام القذافي وأنصارهم بالعودة».

ويقول محمد الترهوني الذي يقود فريقا لحفظ الأمن في منطقة بن غشير: «غالبية الثوار لا يمكنهم تسليم الأسلحة وتسريح العناصر أو دمجهم في وزارتي الدفاع والداخلية قبل وجود مؤسسات قوية تفرض أمر تسليم السلاح على الجميع، خاصة في منطقة الجنوب والشرق».

وتحدثت مصادر من الجنوب الليبي عن تجدد الاشتباكات في مدينة براك الشاطئ القريبة من سبها التي يطلق عليها عاصمة الجنوب، وتعد معقل قبيلة المقارحة التي ينتمي إليها السنوسي، الذي كان من رجال القذافي الأقوياء. ومن المعروف أن قبيلة المقارحة كانت لعقود حليفا لقبيلة القذافي «القذاذفة».

وتحدثت مصادر من قبيلة المقارحة والثوار عن سقوط قتلى وإصابات؛ لكن لم يتم التأكد من هذه المعلومات من مصادر مستقلة. ويبلغ عدد سكان براك الشاطئ نحو 45 ألف نسمة وتقع على بعد نحو 600 كلم جنوب طرابلس. وامتدت الاشتباكات التي استخدمت فيها أسلحة خفيفة ومتوسطة إلى نطاق الطريق الدائري ومنطقة التركيات. وتوفي على الأقل اثنان من عائلتي «غنائم» و«الصيد»، وأشارت المصادر إلى أن حملة قام بها الثوار لاعتقال أحد أبناء عمومة عبد الله السنوسي تسببت في تفاقم المواجهات.

وسبق أن شهدت براك الشاطئ مواجهات بين الثوار وعناصر من قبيلة المقارحة منذ توقيف السنوسي في موريتانيا وتسليمه لليبيا. وأعطت بعض المناوشات من هذا القبيل، والتي تقع بين وقت وآخر في عدة مناطق بين الثوار وبقايا نظام القذافي، الذريعة لبعض الكتائب المسلحة بالاستمرار في حمل السلاح و«الدفاع عن الثورة على الأرض».

وقالت اللجنة الأمنية العليا المؤقتة في منطقة العجيلات، إن من يعتقدون أن الثوار هم سبب الفوضى عليهم أن يتأملوا الوضع في براك الشاطئ حيث يوجد رجال «يدافعون عن وطن تركه أصدقاؤهم الشهداء أمانة».

وتأمل الحكومة الليبية في تجاوز أزمة مقتل السفير الأميركي سريعا، وتأمل أيضا في مساعدة المجتمع الدولي لبسط الاستقرار وتنشيط الاقتصاد في البلاد، خاصة فيما يتعلق بتدريب العناصر الأمنية النظامية واستئناف الاستثمار المعطلة منذ العهد السابق، واستحداث مشاريع جديدة. وقال مسؤول في الحكومة الانتقالية التي يرأسها رئيس الوزراء المنتهية ولايته عبد الرحيم الكيب، إن «الولايات المتحدة تأتي على رأس الدول التي سيتم التعاون معها لعبور هذه المرحلة الحرجة».

وغادر مطار طرابلس أمس، وليام بيرنز نائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، والجنرال هنري هام قائد القوات الأميركية في أفريقيا والوفد المرافق لهما.

وكان بيرنز أكد للمسؤولين الليبيين أن حادث القنصلية لن يكون له تأثير على العلاقات بين البلدين، قائلا إن «بلاده على استعداد للتعاون مع طرابلس ومساعدتها في بناء مؤسساتها الاقتصادية والدفاعية والأمنية لتحقيق الاستقرار الذي ينشده الشعب الليبي».