السعودية في يومها الوطني الـ82.. تجسيد للوحدة الوطنية بحضور لافت رغم جسامة الأحداث

وسط إنجازات تنطق بعظمة المسيرة وبناء الدولة الحديثة

TT

يأتي احتفال السعوديين اليوم الأحد 23 سبتمبر (أيلول) بيومهم الوطني الـ82 وسط أحداث إقليمية وعالمية بالغة الصعوبة، ووسط إنجازات لافتة تحققت منذ أن تمكن الملك عبد العزيز في الرابع عشر من يناير (كانون الثاني) من عام 1932م من استرداد الرياض وانطلق نحو تأسيس مملكته عبر جهود متواصلة من الكفاح والبناء أسهمت في تحقيق وحدة حقيقية جسدت معاني التلاحم في مسيرة متميزة، حيث وضع الملك المؤسس على الرغم من الإمكانات المتواضعة والظروف السياسية والاجتماعية والتعليمية الصعبة أسس الدولة الحديثة حيث عني بالجوانب الدينية والإدارية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتعليمية وأنجز تأسيس الكثير من المؤسسات الإدارية والوزارات، وعني بشكل خاص بالحجاج والزوار والمعتمرين وأقر بهذا الصدد تنظيم الخدمات المقدمة لهم، كما أنجز الملك المؤسس مشروعا لتطوير البدو وتأسيس الهجر. وسجل الملك عبد العزيز مواقف سياسية على الساحة الدولية من خلال مقابلة القيادات السياسية المؤثرة في العالم وزار الكثير من الدول وأوفد أبناءه إلى الخارج في مهمات سياسية كان لها الأثر البالغ في تأسيس مكانة عربية وإسلامية ودولية لبلاده الناشئة. وبعد رحيله واصل أبناؤه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد رحمهم الله جهودا لتحقيق منجزات جديدة والحفاظ على مكتسبات الوطن، وفي عهد الملك عبد الله سجلت السعودية حضورا عالميا بعد أن حول سادس ملوك الدولة السعودية الحديثة بلاده إلى رقم صعب في المعادلة الدولية، ونجح في رسم سياسته في توازن ما بين احتياجات الداخل ومتطلبات الخارج، وتميز بأطروحاته الواضحة وصراحته وشجاعته في مواجهة الأحداث، وجعل من إحقاق الحق هاجسه وإرساء العدل مطلبه، والتطور والحداثة هاجسين له. وأنجز الملك عبد الله مشاريع مختلفة وقاد بلاده إلى آفاق رحبة من التنمية وسجل حضورا عالميا جعله محل تقدير من القيادات العالمية الفاعلة.

ويستذكر السعوديون ملامح هامة من تاريخ بلادهم، ويستعرضون ملحمة البطولة والوحدة التي تحققت على يد الملك عبد العزيز عندما قاد 63 رجلا لاستعادة عاصمة ملك آبائه وأجداده، ومنها انطلق في رحلة كفاح لتأسيس الكيان الكبير، ويسجل لدولته الناشئة حضورا لافتا في فترة ذات شأن من تاريخ العالم ووسط أحداث عالمية وإقليمية ومحلية بالغة الصعوبة حيث تتقاسم العالم قوى متعددة ومصالح وأطماع مختلفة في حين أن طبول الحرب العالمية تقرع منذرة بأحداث جسام ومآس وكوارث لا يمكن التنبؤ بها أو قراءة تبعاتها وتأثيراتها على مختلف الدول حتى تلك التي في منأى عن الحرب.

ويحل اليوم الوطني الـ82، والبلاد طوت سبع سنوات ودخلت العام الثامن في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمير سلمان بن عبد العزيز اللذين نجحا في دفع العجلة إلى الأمام ونقلا البلاد نقلات أكثر تطورا، ومواصلين السير على طريق المنجزات التي تحققت في العهود السابقة لتتواصل مسيرة العطاء حيث اعتبرت القيادة السعودية أن الاحتفاء باليوم الوطني السعودي هو تجسيد للوحدة الوطنية والحفاظ على منجزات الوطن والالتزام بالمزيد من تكريس الجهود لتحقيق التنمية على اختلافها في كل بقاعه. وجاءت تأكيدات الملك عبد الله خلال احتفالات الأعوام الماضية بذات المناسبة الوطنية السنوية على أن الاحتفاء باليوم الوطني يبرهن على أن البلاد على الرغم من الصعوبات التي واجهتها خلال العقدين الماضيين قادرة على تجاوز كل الأزمات التي أحاطت بها وبالعالم أجمع، حيث أكد خادم الحرمين الشريفين أن الاحتفاء بيوم الوطن يجسد الوحدة الوطنية الراسخة والتمسك بالإسلام عقيدة وشريعة ومقاصد ومنهج حياة وترسيخ قيم العدالة والمساواة بين المواطنين والالتزام بالعمل الحثيث نحو تنمية شاملة للوطن بكل أرجائه وتأكيد إسهام البلاد في وحدة الصف العربي وتماسك الأمة الإسلامية واستقلال ورخاء العالم أجمع.

وإذا كان الملك عبد العزيز فضل بحسه الفطري عندما قرر وهو شاب في العشرين أن يسترجع مملكة أجداده من خلال تلمس مراكز القوى وإدراكه أن استمرار حكمه سيظل يتوقف على القوة الجديدة الصاعدة في العالم خصوصا أنه المؤسس لأكبر مملكة عربية قامت على أنقاض الثورة العربية، فقد قرأ جيدا مستقبل العالم، حيث وجد أن أميركا هي القوة الصاعدة الجديدة التي ستتحكم في قوانين اللعبة الدولية وأن النفط هو الطاقة المحورية لاقتصاد العالم في القرن العشرين، كما شدد الملك على أن الإسلام هو الطاقة الروحية الهائلة التي لا تنضب والتي لا تقوم من دونها أي دولة قوية في أرض العرب، فلذلك اتجه مباشرة إلى إقامة علاقات وثيقة مع واشنطن وأخضع نفطه لحماية أبنائه، وقبل ذلك طبق الشريعة الإسلامية وجعلها منهج حكم ودستورا واعتمد ثوابت أساسية لبلاده تنطلق من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.

وأعاد الملوك من أبنائه سعود وفيصل وخالد وفهد رحمهم الله وعبد الله حفظه الله النهج ذاته، حيث ترجم هؤلاء الملوك كل ما وضعه الملك المؤسس من استراتيجيات وأهداف بعد رحلة كفاح وبطولة في مسيرته الطويلة لبناء الدولة الحديثة وتحويل المستحيل إلى حقائق تنطق بعظمة المسيرة والعمل.

وإذا كانت السعودية قد شهدت عقودا طويلة من الفوضى والقلاقل والاضطرابات ليأتي الملك المؤسس ليبدل خوفها إلى أمن، وجهلها إلى علم، وفقرها إلى رخاء فإنه يمكن القول إن الملك عبد العزيز قد كرس جهوده في إرساء قواعد النهضة الحديثة من خلال ترسيخ الأمن والاستقرار والتعمير وتوطين البادية وتأمين طرق الحج وتأسيس مجلس الشورى وإطلاق مشاريع تعليمية واستحداث أساليب الحياة، بالإضافة إلى إقامة علاقات مميزة مع الدول العربية والإسلامية والأجنبية والدفاع عن قضايا الحق والعدل، وهذا ما جعل البلاد تحتل مكانتها على خارطة العالم ومعها أصبحت السعودية إحدى الدول القلائل في العالم التي تحظى بتقدير واحترام المجتمع الدولي.

ويجب الاعتراف بأن اكتشاف النفط عام 1938 بكميات تجارية ساهم في وضع أرضية لتطوير البلاد والنهوض بها وتطوير مواردها الاقتصادية.

واستطاعت القيادات السعودية بعد رحيل الملك المؤسس أن ترسو بسفينة الوطن إلى بر الأمان ونجحت في قراءة أحداث العالم وجنبت البلاد الكثير من الهزات العالمية وساهمت في تحقيق إنجازات تنموية لافتة، كما نجحت البلاد في تحقيق كيان اقتصادي واجتماعي لافت حقق الرفاهية والاستقرار والرخاء للمجتمع، كما واكبت البلاد طوال رحلة تاريخها أساليب التطوير والتنمية وحققت نقلة نوعية في أسلوب الحكم وتحقيق التنمية الشاملة وتوفير المناخ الملائم للنمو الاقتصادي، إضافة إلى تحقيق رغبات الشعب من خلال التوسع في التعليم بكل مراحله والاهتمام بالتدريب وتوفير الرعاية الصحية المتقدمة وتشجيع حركة القطاع الخاص وتعضيد دوره كما ارتكزت خطط التنمية على أهداف من ناحية تنمية قدرات الموارد البشرية وتوفير الفرص الوظيفية الملائمة وتوفير الخدمات التعليمية والاجتماعية والتدريب.

وبعد المسيرة الطويلة الحافلة بجلائل الأعمال، وبالصور الباهرة من السباحة الناجحة في محيط من المشكلات كان صعبا ووعرا، توفي الملك الموحد عبد العزيز في شهر ربيع الأول (1953م) بالطائف، ووارت الأرض جثمانه بمقبرة العود شرقي مدينة الرياض.

وقد تولى بعده ابنه ولي عهده سعود (الملك) الذي جددت له البيعة عقب وفاة والده في (9-11-1953م) وفي عهده بدأت الدولة تأخذ بالأساليب العصرية في الحكم والإدارة، يساعده ولي عهده الأمير فيصل، وبقية إخوته.

وقد اكتمل في عهده هيكل عدد من المشاريع والإنشاءات، واستحدث المزيد من الأجهزة الإنتاجية، فضلا عن بناء الجيش وسلاح الطيران، واتسع التعدين، وأنشئت أول جامعة في المملكة وشهد القطاعان الزراعي والصناعي نموا ملموسا، وفي آخر عهده وقعت المسؤولية كاملة على أخيه وولي عهده الأمير فيصل، واقتضى الأمر تنصيب ولي العهد فيصل ملكا على البلاد في (1-11-1964م) فما كان من الملك سعود إلا أن بايع أخاه فيصل، ثم سافر خارج البلاد إلى أن وافاه الأجل عام (1969م) فنقل جثمانه إلى الحرم المكي، وصلي عليه هناك، ثم نقل إلى الرياض حيث دفن في مقبرة العود إلى جوار والده.

كان الملك فيصل قد بويع وليا للعهد بعد وفاة الملك عبد العزيز، ثم ملكا على البلاد عام 1384هـ (1964م) واقترن اسمه بالتضامن العربي والإسلامي.

وكان الملك فيصل محنكا ذكيا مطلعا على معالم التطورات السياسية والصناعية في العالم، وفي عهده زادت عائدات البترول، وازداد دخل البلاد زيادة كبيرة عادت بالإنفاق السخي على المشاريع، مما أدى إلى طفرة في النهضة الحضارية.

وكان قبل وفاة والده نائبا له على الحجاز ورئيسا لمجلس الشورى، وهو من مواليد الرياض عام (1906م) وكان وزيرا للخارجية في عهد والده، وبعد رحلة طويلة من العطاء المحلي والعالمي الرائع، عبر الوطن السعودي والعربي والإسلامي والدولي سقط الفيصل شهيدا في 20 مارس (آذار) 1975م.

وبعد استشهاد الملك فيصل بويع الملك خالد بن عبد العزيز ملكا على البلاد، كما بويع الأمير فهد بن عبد العزيز وليا للعهد، ونائبا أول لرئيس مجلس الوزراء، واختير الأمير عبد الله بن عبد العزيز نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء ورئيسا للحرس الوطني.

وفي عهد الملك خالد واصلت المملكة خططها التنموية الهائلة، ودخلت البلاد عهدا جديدا سمي بعصر الطفرة حيث أقرت مشاريع إسكانية وتعليمية وصحية لافتة، واشتهر الملك خالد بالتقوى والورع والسماحة والتواضع، حتى توفي في 13-6-1982م.

عقب وفاة الملك خالد بويع أخوه وولي عهده الملك فهد بن عبد العزيز بالإجماع ملكا على البلاد، وشهدت المملكة على يديه طفرة هائلة في كل المجالات الاقتصادية والعمرانية والتعليمية، ليس في المدن فحسب، بل في كل جزء من أجزاء الدولة المترامية الأطراف، وشهد الحرمان الشريفان خدمات وتوسعات لم يعرفها التاريخ من قبل.

وكان أول من لقب بـ«خادم الحرمين الشريفين» بطريقة رسمية، وأبدى رغبته بالتمسك بهذا اللقب قائلا: إنه أحب الألقاب وأقربها إلى نفسي.

وقد تحقق في عهده نمو سريع في المجالات التعليمية والعمرانية، فانتشرت المدارس والمعاهد العلمية في أنحاء المملكة، كما أنشئت الكليات النوعية إلى جانب سبع جامعات ضمت الآلاف من الطلاب والطالبات.

وحين وقعت أزمة الخليج وغدر الطاغية صدام حسين بدولة الكويت وبإخوانه العرب، تصدى الملك فهد لتلك الكارثة، وبذل كل ما يملك في مجال دفع شر المعتدي، حتى تمكن من طرده وتحرير الكويت، مما جعل إنجازه ذلك محل تقدير وإعجاب العالم.

وفي عهده تم تطوير هيكل نظام الحكم فقد أصدر مراسم نظم تاريخية ثلاثة هي: نظام الحكم، ونظام الشورى، ونظام المقاطعات.

على أثر وفاة الملك فهد في (30 يوليو/ تموز 2005م) بويع أخوه الملك عبد الله ملكا للبلاد السعودية وقائدا لها، فتقبل بيعة المواطنين، ولقب بـ«خادم الحرمين الشريفين» وهو من مواليد عام 1923م.

كان الملك عبد الله ممن عاش في كنف والده الملك عبد العزيز، وتربى على يديه وتخرج من مدرسته، وعرف بين مواطنيه بالميل إلى البساطة في العيش، والتسامي مع مكارم الأخلاق والبعد عن الكبر.

وكان قد تسلم رئاسة الحرس الوطني في وقت مبكر، وعمل على تحديث ذلك القطاع حتى أصبح على ما هو عليه اليوم، فكان لتحمله مسؤولية تلك المؤسسة الدور الفعال في تطويرها وتحديثها.

وكان إبان ولايته للعهد يؤدي أدوارا بارزة في الدبلوماسية العربية والإسلامية والعالمية، وعرف بالمبادرات الفعالة، واحتواء الخلافات، وتقريب وجهات النظر بين الأشقاء والفرقاء.

وفي بواكير عهده استطاع أن يحقق الكثير من الإصلاحات التي يطمح إليها المواطنون، فأنشأ مؤسسة الحوار الوطني وفوض صلاحيات واسعة للجهات ذات الأثر في نهضة البلاد ورقيها، كما تمكن بإيمانه وحب المواطنين له أن يشعر الناس بالطمأنينة.

وقد استطاع أن يقضي على كثير من بؤر الإرهاب والانحرافات يدعمه ويساعده ولي عهده، الأمير سلطان بن عبد العزيز، مما جعل الناس يستبشرون بعهدهما أيما استبشار.

وقد استهل عهده الكريم بعدد من المشاريع الإصلاحية، كان من بينها، بل من أهمها، مبادرته بإنشاء هيئة عقد البيعة المعروف اختصارا بـ«هيئة البيعة» لتعالج موضوع توارث الحكم وانتقال السلطة، وقد استقبل الشعب السعودي بمختلف فئاته ذلك الأمر استقبالا يعبر عن الفهم والارتياح، لما ينطوي عليه ذلك النظام من صيغة واضحة لآلية انتقال السلطة، ولما يدل عليه من أن المملكة دولة عصرية تستفيد من تجاربها واستيعاب المتغيرات السياسية في إطار التواصل مع كل ما تم إنجازه ليتواكب ذلك كله مع ما تعيشه البلاد من ازدهار في مختلف المجالات الاجتماعية والدستورية المتعلقة بمسؤولية التطبيق في إطار النظام الأساسي للحكم.

وبهذا الأمر المهم استكمل دستوريا بعض جوانب تتعلق بأمر مهم، حيث صدر ذلك في (22-10-2006م) باسم «نظام هيئة البيعة».