ليبيا: مقتل العشرات في مواجهات «بنغازي».. وظهور مكثف للشرطة العسكرية في طرابلس

ثورة ضد الكتائب المسلحة في الشرق وتحذير حكومي من المساس بمنتسبي الجيش

متظاهرون ليبيون امام أحد المقرات في بنغازي طرت منه مليشيات انصار الشريعة المتهمة بالهجوم على القنصلية الأميركية (أ.ف.ب)
TT

سقط في ليبيا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية أكثر من 40 قتيلا من الكتائب المسلحة والجيش والمدنيين في مواجهات انطلقت الليلة قبل الماضية ويوم أول من أمس في كل من بنغازي التي انتفضت ضد الكتائب المسلحة في الشرق، إضافة لتجدد القتال في مدينة براك الشاطئ جنوبا بين قوات شبه حكومية ومن يعتقد أنهم أنصار للنظام السابق، وتزامن ذلك مع تحذير حكومي من المساس بمنتسبي الجيش، وظهور مكثف للشرطة العسكرية في العاصمة طرابلس.

وتمكن محتجون في بنغازي التي انطلقت منها الشرارة الأولى للثورة على القذافي في 17 فبراير (شباط) 2011، من طرد كتائب مسلحة ومتشددة من المدينة، ما أسفر عن سقوط نحو عشرة قتلى وإصابة العشرات، بينما قالت مصادر أمنية في مدينة سبها الجنوبية إن مواجهات بين قوات شبه حكومية مع متمردين أدت لسقوط نحو أربعين شخصا من الطرفين. وأرسلت الحكومة والمؤتمر الوطني (البرلمان) مسؤولين كبارا وتعزيزات إلى بنغازي، بينما أرسلت مزيدا من القوات إلى الجنوب. وقال الدكتور محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني الليبي، أعلى سلطة حاليا في ليبيا، إنه يؤيد التظاهر ضد الكتائب غير الشرعية، لكنه شدد على أنه من غير الصواب مهاجمة الكتائب التابعة لمؤسسات الدولة، التي قال إنها تشمل كلا من «درع ليبيا» و«راف الله السحاتي» و«17 فبراير».

ودعا المقريف المتظاهرين إلى العودة إلى بيوتهم، مطالبا الكتائب التابعة للدولة في بنغازي بـ«ضبط النفس».

ورفض رئيس الوزراء المنتخب مصطفى بوشاقور، الذي لم يشكل حكومته بعد، مهاجمة «الكتائب الشرعية»، قائلا إن اللجنة الأمنية العليا التابعة لوزارة الداخلية مكلفة بحفظ الأمن. كما أعلن اللواء يوسف المنقوش رئيس الأركان العامة بالجيش الليبي رفضه للهجوم على الكتائب الرسمية الثلاث المشار إليها، والتي قال إنها تتبع بالفعل رئاسة الأركان.

وحتى وقت متأخر من مساء أمس كان من المفترض أن يصل كل من المقريف وأبو شاقور إلى بنغازي.

وقال شهود عيان إن ملثمين مجهولين اختطفوا بعض قادة الكتائب العسكرية، وإنه تم العثور على بعض المختطفين مقتولين من بينهم خمسة شبان من لواء المشاة، عثر على جثثهم صباح أمس داخل غابة بمنطقة القوارشة، إضافة إلى مقتل رجل آخر من قبيلة العبيدي يدعى أشرف، أمام كتيبة «راف الله السحاتي».

ووفقا لإفادات من مصادر طبية وشهود عيان في بنغازي فإن عدد القتلى يتراوح بين ستة وتسعة أشخاص من الطرفين وأكثر من خمسين مصابا، بسبب المصادمات التي وقعت بين المتظاهرين الليلة قبل الماضية، وعناصر مسلحة (كتائب عسكرية رسمية وأخرى غير رسمية). وجاءت المواجهات بعد أن نظمت مؤسسات المجتمع المدني في بنغازي مظاهرة حاشدة ضد انتشار المسلحين في المدينة وضد التشكيلات العسكرية، حيث قالت مصادر الحكومة الليبية إن المتظاهرين لم يفرقوا بين الكتائب التابعة للدولة والكتائب غير التابعة للدولة.

وسقط غالبية القتلى والجرحى أثناء محاولتهم اقتحام مقر كتيبة «راف الله السحاتي» في ضاحية الهواري. وتمكن المتظاهرون من اقتحام عدد من مقرات الكتائب غير الرسمية التي كانت في السابق تابعة للحكومة في عهد القذافي، من بينها كتيبة أنصار الشريعة. وقال شهود عيان إن قوات أمنية رسمية تسلمت هذه المقرات من المتظاهرين.

واندلعت الاشتباكات بعد اقتراب المظاهرات التي أطلق عليها «جمعة إنقاذ بنغازي» من فعاليتها التي شارك فيها، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني، قوى سياسية ومنتسبون من بعض الأجهزة الأمنية، ومنتسبون للجيش (الرسمي)، وأعضاء من المؤتمر الوطني (البرلمان) عن مدينة بنغازي، إلى جانب وزراء من الحكومة الانتقالية.

وقال «التيار الشبابي الليبي» وهو تنظيم مدني شارك بقوة في المظاهرة إنه يطالب بـ«التصدي ومنع كل من يريد أن تنزلق ليبيا في الظلام»، مشيرا إلى أن «وجود كتائب ولجان عشوائية لا يوجد إلا في الدول الفاشلة».

وأضاف محمد العبيدي أحد المشاركين في تنظيم المظاهرة أن أهالي بنغازي الذين خرجوا في مظاهرات الليلة قبل الماضية يشكون من تعدد الجهات التي تقوم بـ«التوقيف والاحتجاز للمواطنين، إضافة إلى تعرض بعض المواطنين للتعذيب داخل مقار احتجاز لبعض الكتائب المسلحة، وقيام عناصر منها بالتعدي على ممتلكات المواطنين وهدم قبور الأولياء (رجال الدين)»، مشيرا إلى أن هذه الممارسات تجري يوميا على الرغم من وجود مديرية للأمن تابعة للدولة «لكن ليست لديها إمكانات لفرض القانون على الكتائب التي تمتلك إمكانيات تسليحية ووسائل اتصال أكبر وأكثر من رجال الأمن الرسميين». وكانت المظاهرة تطالب أساسا بضرورة تحمل الدولة لمسؤولياتها وتفعيل دور الجيش والشرطة لضبط الأمن ودمج الكتائب غير الرسمية في المؤسسات الأمنية الرسمية. وإخراج التشكيلات المسلحة غير التابعة للدولة من بنغازي وغيرها من المدن الليبية. ولم يخطط المتظاهرون للهجوم على مقرات الكتائب المسلحة.

لكن، بعد انصراف غالبية المتظاهرين، توجهت مجموعات من مئات الشبان ممن كانوا ضمن المحتجين، إلى بعض تلك المقرات. وكان على رأسها مقر كتيبة أنصار الشريعة في منطقة البركة الواقعة بجوار كتيبة الفضيل بوعمر (سابقا).

واقتحم الشبان أولا مقر كتيبة أبو سليم (غير تابعة للجيش الرسمي)، ثم مقر كتيبة أنصار الشريعة (غير التابعة للدولة أيضا) التي يعتقد أن لها صلة بالهجوم على القنصلية الأميركية يوم 11 سبتمبر (أيلول) الجاري، وهو ما أدى آنذاك إلى مقتل السفير الأميركي وثلاثة من رفاقه، وتنفي الكتيبة أي صلة لها بالحادث.

وعندما دخل المتظاهرون وجدوا كتيبة أنصار الشرعية قد أخلت مقرها من الأسلحة والأفراد بعد سماع أصوات إطلاق الرصاص، وأضرم المحتجون النار في جانب من المقر قبل أن يتوجهوا إلى مقر كتيبة راف الله السحاتي (تابعة لوزارة الدفاع). وقالت مصادر في الكتيبة إنه كان لديها أوامر بالدفاع عن نفسها، حيث دارت اشتباكات بالأسلحة الرشاشة ومدافع الـ14.5 مم، و23 مم. وأضاف المصدر: «كنا نطلق النار في الهواء لإبعاد المتظاهرين، وليست لنا علاقة بقتل أي من المتظاهرين أو رجال الأمن».

وظهرت أمس بقوة عناصر من الشرطة العسكرية بكثافة لأول مرة منذ سقوط النظام السابق، في مناطق من بنغازي وطرابلس، خاصة في نطاق منطقة باب العزيزية، المقر الشهير للحكم في العاصمة الليبية في عهد القذافي. كما تم تشديد الإجراءات الأمنية على مقار عدد من المؤسسات في المدن الليبية، بما فيها إرسال تعزيزات من قوات الأمن إلى كل من بنغازي وبراك الشاطئ قرب سبها جنوبا. وجاءت المظاهرات في الأيام الأخيرة لوزير الدفاع ووزير الداخلية في الحكومة المنتهية ولايتها، وتعكس المظاهرات والمواجهات الأخيرة إضافة للتباطؤ في ضم الكتائب للجيش بطريقة عملية، الانقسام وعدم وضوح الرؤية لدى حكام ليبيا الجدد،