مئات العوائل تنتظر عند الحدود التركية مجازفة بكل شيء مقابل العبور

تركيا تشدد إجراءاتها بعد تحول الحدود إلى معبر لمرور الحشيش والسيارات المسروقة والنقود والجهاديين

عائلة سورية تزور ابنها المصاب في مشفى ببلدة كليس التركية قرب الحدود التركية (أ.ب)
TT

يعبر السوريون إلى تركيا إما قانونا بجوازات السفر، أو وهم ينزفون في سيارات الإسعاف، أو من دون أوراق بالركض سريعا لدرجة تجعل القلوب تخفق بشدة تحت جنح الليل عبر حقل خيار، وسط سباب الحرس وطلقاتهم النارية. وكان المهربون يمررون عملاءهم عبر فجوة في الأسلاك الشائكة، وهم يهمسون: «أسرعوا، أسرعوا». وقد ينتظر السوريون الهاربون دورهم لأشهر حتى يصلوا إلى معسكر لاجئين.

ويوجد ما يزيد على 120 ألف لاجئ سوري في تركيا حاليا، مما يمثل عبأ على كرم ضيافة الدولة. ليس في مقدور الحكومة التركية أن تبني معسكرات للاجئين سريعا، مما أدى إلى تكدس عشرات الآلاف من السوريين على الجانب السوري من الحدود، حيث يقيمون تحت ظلال أشجار الزيتون الشحيحة من دون خيام فوق التراب بأوانيهم الحزينة. وخلال الأسابيع الأخيرة، زادت الحكومة التركية من صعوبة عبور السوريين غير القانوني إلى تركيا. وكان الجنود الأتراك في الماضي يغضون الطرف خاصة في حالة اللاجئين وبعد الحصول على بضعة دولارات، أما الآن فهم يشددون الحراسة على الحدود. ويقول مسؤولون في الحكومة إنهم يشعرون بالقلق من عدم السيطرة على الحدود مع سوريا مما يجعلها قناة لعبور الحشيش والسيارات المسروقة والنقود والعناصر الجهادية.

في قرية زراعية تبعد بضعة أميال عن الجانب التركي من الحدود بالقرب من مدينة ريحانلي، تبدو شرفة مهرب محلي عند الغروب مثل قاعة انتظار مزدحمة تعجّ بمنشقين عن الجيش ومهربي نقود، ويدخن عملاؤه المنهكون السجائر في انتظار خبر مرور الحرس ليستطيعوا العبور.

وقال معلم سوري كان ينتظر العبور إلى سوريا لنقل مقاتل جريح والعودة به إلى مستشفى لمعالجة الثوار في تركيا: «كان الجنود الأتراك يبدون الشفقة تجاهنا في السابق، لكن لم يعد الأمر كذلك». وخلال انتظار المعلم وعملاء آخرين كان المهرب، وهو سيد المنطقة، يجيب عن عدد كبير من المكالمات الهاتفية التي يتلقاها عبر هاتفه الجوال، من عيون وآذان له على طول الحدود. إنه يحصل على ما يتراوح بين 20 و30 دولارا من أي شخص يستطيع مساعدته في عبور الحدود. بعد ذلك وبمجرد أن قفز المعلم باتجاه سياج الأسلاك الشائكة، أحاط به الجنود الأتراك، الذين ضربوا مرافقه على صدره. وقال رجل عجوز يتكئ على عصا ويجلس على الشرفة يتسلى بمشاهدة لعبة القط والفأر: «انظروا، لقد تم إلقاء القبض عليهم».

في صباح اليوم التالي، تمكن رجل ينتمي إلى الطبقة الوسطى، اضطر للعودة إلى الوطن من أجل اصطحاب أسرته، من عبور الحدود. تم توصيله مع مرشديه على بعد بضعة أميال من السياج إلى حديقة زيتون موحلة، حيث انزلقت قدماه وسقط في قنوات ري وبدأ يشعر بالذعر.

كان المزارعون في الحقل يطلقون صفيرا ويصيحون قائلين «الجنود هنا، إنهم هناك»، وفي النهاية يُطلب من العميل دفع 15 دولارا إضافية لرشوة جندي تركي حتى يعبر الحدود. ومن غير المعروف ما إذا كانت الأموال تذهب إلى المزارعين أم إلى الجندي، لكن بعد عبور الرجل من تحت السياج، أطلق الجندي أعيرة نارية في الهواء.

على الجانب السوري من الحدود في قرية أطمة، يقيم اللاجئون في باحتين لمدرستين ومسجد وعدد من مصانع معالجة الزيتون ومزرعة. ويقول أبو عبده، طاه سابق يقود حاليا مجموعة من الأشخاص المنهكين المموهين ويجيب على هاتفه الذي يرن كثيرا بعبارة «كم هناك أيضا؟»: «هناك 4500 تحت رعايتنا، ويقيم أكثر من ذلك ببضعة آلاف في منازلنا». ويضيف: «ربما يغادر نحو 500 لاجئ يوميا، لكن يأتي ألف لاجئ جديد».

يذهب البعض إلى تركيا عبر القنوات الشرعية بصفتهم لاجئين، بينما يتسلل البعض الآخر إليها، وينتظر الكثيرون على ما يبدو.

وقال إن القرية أصبحت مزدحمة للغاية. وأثناء حديثه تفد الأسرة تلو الأخرى على مدرسة ويتكدسون في أسرّة داخل شاحنات، يروون قصصا عن قراهم التي تم قصفها. ويتم إعطاء كل لاجئ غطاء وصابونة وجزءا من ساحة مدرسة. ولم يصل إلى الجانب السوري من الحدود سوى كمية محدودة من المساعدات الدولية. وعلى بعد بضعة أميال، ينتشر آلاف آخرون في حديقة زيتون، حيث يجلسون على حصيرة من القش يصطادون الذباب على حد قول أبو إبراهيم، وهو رجل عجوز يحظى بالاحترام. وأضاف: «نحن هنا منذ 26 يوما».

تجمعت العائلة تحت شجرة، منتظرين خلو بقعة في معسكر لاجئين في تركيا. وقال: «أهلا بك في وطننا». ولا توجد سوى بعض الخيام القليلة، لذا يعيشون في العراء. جذب الرجل العجوز حفيدة من أحفاده وأجلسها على رجليه وأرى أحد الزائرين عينيها الحمراوين قائلا: «إنها مريضة». ورفع أحد أفراد العائلة ذراعه وأشار إلى جروح من أثر رصاص وشظايا دخلت وخرجت. وحاول أن يهز أصابعه، وقال بالإنجليزية: «لا أستطيع الحراك».

في مساء أحد الأيام مؤخرا على أطراف المعسكر السوري في حديقة الزيتون، أطفأ المهربون أضواء دراجاتهم النارية وانحرفوا بهدوء وتوقفوا في الحقول، بينما يركب عملاؤهم وراءهم على الدراجات. وفجأة يظهر أحد قادة مقاتلي الجيش السوري الحر ويطلبون معرفة هوية كل شخص، مفسرين ذلك بأنهم يحاولون القبض على تجار الحشيش الذين رأوا أنهم يستغلون الفوضى الحادثة على الحدود، مما يؤدي إلى تشديد الحكومة التركية الأمن على الحدود أمام اللاجئين.

وكان يقود إحدى المجموعات مهرب شاب، يرتدي بنطالا ضيقا من الجينز ويدرس الفلسفة في الجامعة، وينتمي إلى أسرة طيبة في أطمة، لعبور الحدود مع أضواء كشافات دوريات حرس الحدود التركي التي تكشف الحقول. وعندما سئل عن سر نجاحه كمهرب، قال الفيلسوف: «إنه الركض سريعا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»