«ميدان التحرير» في القاهرة يستعيد رونقه من جديد بعد حملة حكومية لتجميله

تم إخلاؤه من الباعة الجائلين والبلطجية وخيام المعتصمين

TT

شتان الفارق بين ميدان التحرير اليوم وقبل أسبوع واحد، فالمشهد بدا مختلفا لدرجة يصعب تصديقها، فالحديقة الكبيرة التي تتوسطه المعروفة باسم «الكعكة الحجرية»، والتي اكتست باللون الأصفر بعدما دمر الإهمال زرعها، عادت لتكتسب لونها الأخضر المحبب للنفس، وأينعت زهورها التي اختفت، بعد أن احتلت مكانها خيام المعتصمين لأسباب مختلفة، ومقاعد بائعي الشاي والأطعمة المختلفة.

فمنذ فض اعتصام المتظاهرين حول مقر السفارة الأميركية الواقعة على بعد 300 متر من الميدان، دخلت قوات الشرطة والأمن المركزي إلى الميدان لتزيل كل الإشغالات والمظاهر الفوضوية التي كانت تملؤه لتعيد تنظيمه وتخطيطه ليستعيد مكانه كأكبر ميادين القاهرة، الذي انطلقت منه الشرارة الأولى لثورة 25 يناير 2011، والتي ظل منذ ذلك اليوم رمزا لها.

«الميدان نضف من أشكال البلطجة التي كانت فيه»، هكذا وصف أحمد حمدي، أحد قاطني بناية تطل على ميدان التحرير، الحملة الأمنية الأخيرة التي استهدفت الميدان. وقال: «لم يكن هناك ثوار في الميدان، لم يكن فيه سوى باعة متجولين وبلطجية ولصوص»، مضيفا: «كنا نخشى مجرد المرور من أمامهم بسبب انتشار حوادث السرقة بالإكراه».

وأوضح حمدي: «زوجتي تعرضت لحادث سرقة حقيبتها الشخصية وكل متعلقاتها تحت البناية التي نسكن فيها وأبلغنا الشرطة ولم تفعل شيئا، لذلك فتطهير الميدان خطوة جيدة لحمايتنا أولا وللحفاظ على المكان الذي شهد الثورة ثانيا».

ويقول حمدي: «في بداية الثورة كان يزور الميدان عدد كبير من السائحين الأجانب؛ بل إن كبار المسؤولين الأجانب الذين زاروا مصر، ومنهم هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، حرصوا على زيارة ميدان التحرير؛ ولكن كل هذا اختفى الآن بسبب ما كان يحدث في الميدان».

أما خالد عبد المجيد، محاسب بأحد البنوك الأجنبية في شارع طلعت حرب المتفرع من ميدان التحرير، فقال: «اعتدت أن أغلق نافذة سيارتي كلما مررت من ميدان التحرير بسبب ما أسمعه من حوادث سرقة بالإكراه، وبسبب السلاح الأبيض الذي كنت أراه يوميا في أيدي الباعة الجائلين».

ويضيف عبد المجيد: «اعتدت أن أوقف سيارتي أمام مقر البنك؛ ولكن بسبب الاشتباكات المتكررة والمشاجرات شبه اليومية للباعة الجائلين، اضطررت في أيام كثيرة إلى ركوب المواصلات العامة وعدم التحرك بالسيارة، أو أن أوقفها بعيدا عن ميدان التحرير بنحو كيلومتر».

ويوضح عبد المجيد قائلا: «منذ أن نفذت قوات الشرطة حملتها الأخيرة التي استهدفت ميدان التحرير، ونحن نشعر بأمان أكثر، فقد كنا نعمل في جو من الرعب، خوفا من اقتحام البنك في أي وقت، في ظل غياب الشرطة عن الوجود في محيط ميدان التحرير».

ويقول هادي محمود، صاحب محل لبيع النظارات الطبية على بعد 300 متر من الميدان: «أفضل خطوة قامت بها الحكومات المتعاقبة منذ الثورة، هي إخلاء ميدان التحرير من الباعة الجائلين».

ويضيف محمود: «كثيرا ما تعرضت للسرقة بالإكراه داخل محلي حيث يدخل شخص أو أكثر ويمسك في يده سلاحا أبيض ويطلب نقودا ليأكل أو ليذهب إلى بلده، فلا أملك سوى إعطائه ما يريد، وكثيرا ما أبلغت الشرطة؛ ولكن دون جدوى، فقدمت طلبا لترخيص سلاح للدفاع عن نفسي ومحلي».

مصدر أمني قال لـ«الشرق الأوسط»: «الحملة الأمنية الأخيرة بميدان التحرير أشرف عليها اللواء أحمد جمال الدين، وزير الداخلية بنفسه، وهي مستمرة حتى يتم الانتهاء من تجميل الميدان بالكامل ويتم العمل على مدار 24 ساعة».

وأوضح المصدر الأمني نفسه أن الهدف من تلك الحملة هو القضاء على مظاهر البلطجة التي كانت تسود ميدان التحرير والتي يستغلها «المندسون لتكدير الأمن العام، وهو ما ظهر جليا في أحداث السفارة الأميركية الأخيرة».

وتقف ناقلات الجنود الكبيرة والسيارات المدرعة عند جميع مداخل ميدان التحرير، ويمكن مشاهدة ضباط من الرتب الكبيرة ينتشرون في أرجائه، فيما تجوب سيارات الدوريات الأمنية الميدان على مدار الساعة لتحقيق الانضباط الأمني. وقال الدكتور أسامة كمال، محافظ القاهرة، خلال تفقده أعمال التطوير التي يشهدها ميدان التحرير: «إن أعمال الإصلاحات ورفع كفاءة الإنارة والتشجير لن تتوقف حتى يعود الميدان إلى منظره المتميز، والذي كان مقرا رئيسيا للثوار مما جاء عليه من موت النباتات والأشجار فيه».

ودعا المحافظ شباب الثورة من الرسامين والفنانين التشكيليين إلى النزول إلى الميدان وتحويله إلى ما يشبه المرسم الذي يخلد تاريخ الثورة المجيدة بصورة لائقة وحضارية، والابتعاد عن أي إساءات للآخرين مهما كانت درجة الخلاف السياسي أو الفكري بينهم وتكون هذه الرسومات دائمة لكي تذكرنا بجميع الأحداث التي تمت أثناء عملية القضاء على النظام السابق بكل مساوئه.