الرئيس المصري: الولايات المتحدة في حاجة إلى تغيير جذري لأسلوب تعاملها مع العرب

قال إن الأمر متروك لواشنطن لإحياء التحالف مع مصر

رسام مصري يرسم صورة الرئيس الدكتور محمد مرسي على لوحات زيتية ملونة في ميدان التحرير أمس (أ.ب)
TT

في عشية أولى رحلاته إلى الولايات المتحدة بوصفه الرئيس المصري الجديد ذا التوجه الإسلامي، قال محمد مرسي إن الولايات المتحدة بحاجة إلى تغيير منهجها في التعامل مع العالم العربي جذريا، من خلال إظهار قدر أكبر من الاحترام لقيمه ومد يد العون في قيام دولة فلسطينية، إذا ما كانت تأمل في التغلب على عقود من الغضب المكبوت.

بوصفه قياديا سابقا بجماعة الإخوان المسلمين وأول رئيس منتخب من خلال عملية ديمقراطية في مصر، سعى مرسي في لقاء مدته تسعون دقيقة أجرته معه صحيفة «نيويورك تايمز» إلى تقديم نفسه للشعب الأميركي وتعديل شروط العلاقات بين بلده والولايات المتحدة عقب الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك المستبد، الذي كان في الوقت نفسه حليفا قويا للولايات المتحدة.

وقال إن الأمر متروك لواشنطن لإصلاح العلاقات مع العالم العربي وإحياء التحالف مع مصر، الذي ظل لفترة طويلة حجر زاوية للاستقرار الإقليمي.

وأشار إلى أنه إذا ما كانت واشنطن تطالب مصر باحترام معاهدتها مع إسرائيل، فعليها الوفاء بوعدها الذي التزمت به في إطار اتفاقية كامب ديفيد بمنح الفلسطينيين حق الحكم الذاتي. وقال إن لزاما على الولايات المتحدة احترام تاريخ وثقافة العالم العربي، حتى عندما يتعارض ذلك مع القيم الغربية.

واستنكر النقد الموجه إليه من جانب البيت الأبيض، الذي مفاده أنه لم يكن سريعا بالدرجة الكافية في إدانة المتظاهرين الذين تسلقوا جدران السفارة الأميركية مؤخرا وأحرقوا العلم الأميركي بدافع الغضب العارم من فيديو الفيلم المسيء للرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

وقال مرسي: «أخذنا وقتنا» في الرد لتجنب رد فعل هجومي، لكن بعدها تم التعامل «بشكل حاسم» مع القلة العنيفة بين المتظاهرين.

«لا يمكننا مطلقا أن نتغاضى عن هذا النوع من أعمال العنف، لكننا بحاجة للتعامل مع الموقف بحكمة»، هكذا تحدث، مشيرا إلى أن موظفي السفارة لم يكونوا معرضين للخطر مطلقا.

يصل مرسي، الذي سيسافر إلى نيويورك لحضور اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة، في لحظة حساسة، إذ يواجه ضغطا سياسيا في أرض الوطن يفرض عليه إثبات استقلاليته عن الجماعة، بينما يواجه مطالب من الغرب بطمأنته إلى أن مصر في ظل حكم رئيس صاحب توجه إسلامي ستظل شريكا مستقرا.

وأشار مرسي، 61 عاما، الذي ما زال مكتبه مزينا بصور لسفن خلفها مبارك، إلى أن الولايات المتحدة يجب أن لا تتوقع رضوخ مصر لقواعدها. وقال: «إذا أردت أن تقيم أداء الشعب المصري وفقا للمعايير الثقافية الألمانية أو الصينية أو الأميركية، فلن تكون هناك مساحة للتقييم». وأضاف: «عندما يتخذ المصريون قرارا، فربما لا يكون مناسبا للولايات المتحدة. وعندما يتخذ الأميركيون قرارا، لا يكون ملائما بالطبع لمصر».

وأشار إلى أن مصر لن تعادي الغرب، ولكنها في الوقت نفسه لن تكون خانعة مثلما كانت في عهد مبارك. «اشترت الإدارات الأميركية المتعاقبة بأموال دافعي الضرائب الأميركيين في المقام الأول امتعاض، إن لم يكن كراهية، شعوب المنطقة»، هكذا تحدث، بدعم الأنظمة الديكتاتورية ضد المعارضة الشعبية ودعم إسرائيل ضد الفلسطينيين.

وقد سعى في البداية لمقابلة الرئيس أوباما في البيت الأبيض خلال زيارته هذا الأسبوع، لكنه لقي استقبالا باردا، على حد قول معاونين للرئيسين. وانطلاقا من وعيه بمدى تعقيد السياسات المتعلقة بزيارة رئيس مصر ذي التوجه الإسلامي في عام انتخابات رئاسية في أميركا، تخلى مرسي عن طلبه.

وقد أدى صمته في أعقاب أحداث محاولة المتظاهرين اقتحام السفارة الأميركية إلى اتصال هاتفي حاد من الرئيس أوباما، الذي أخبر مذيعا تلفزيونيا بأنه في هذه اللحظة لم يعد يعتبر مصر حليفا. ولدى سؤاله عما إذا كان يعتبر الولايات المتحدة حليفا، أجاب مرسي: «يعتمد هذا على تعريفك لمفهوم حليف»، وارتسمت على وجهه ابتسامة في محاكاة مقصودة لأوباما، لكنه قال إنه ينظر إلى البلدين بوصفهما «صديقين حقيقيين».

تحدث مرسي من قصر فخم افتتحه مبارك قبل ثلاثة عقود، تفصله مسافة كبيرة عن القرية الواقعة على دلتا النيل التي نشأ فيها الرئيس الجديد، أو قضبان السجن الذي زج به فيه مبارك بسبب نشاطه في جماعة الإخوان المسلمين. وبعد ثلاثة أشهر من تقلده منصبه بعد أدائه اليمين، يتمثل أبرز تغيير في المكتب الرئاسي في لوحة تحمل الآية القرآنية: «وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ».

حصل مرسي، قوي البنية ممتلئ الجسم صاحب اللحية المشذبة والنظارة، على الدكتوراه في الهندسة من جامعة جنوب كاليفورنيا في مطلع الثمانينات من القرن العشرين. تحدث بثقة عفوية في منصبه الجديد، مستمتعا بحصوله على نسبة تأييد قال إنها بلغت 70 في المائة. وعندما ازدادت حماسته تحول من العربية إلى الإنجليزية الواضحة.

كان مرسي، الذي لم يكن يحظى بشهرة كبيرة في مصر أو بالخارج حتى أشهر قليلة مضت، ثاني اختيار لجماعة الإخوان المسلمين كمرشح رئاسي بعد أن تم استبعاد الاختيار الأول. وفي عشية الانتخابات أصدر الجنرالات الذين تولوا إدارة شؤون البلاد بعد الإطاحة بمبارك مرسوما يستأثرون بموجبه بمعظم السلطات الرئاسية، إلا أنه في الشهر الماضي تخطى مرسي كل التوقعات بانتزاع السلطة التنفيذية كاملة من الجنرالات. وفي المقابلة، عندما أشار المترجم إلى أن الجنرالات قد «قرروا» التخلي عن السلطة، سارع مرسي بتصحيح كلامه: «كلا البتة، ليست الحقيقة هي أنهم (قرروا) القيام بذلك»، هكذا قاطع حديثه باللغة الإنجليزية لتوضيح أنه هو الذي قام بنزعها منهم. «هذه هي إرادة الشعب المصري التي فرضت نفسها عبر الرئيس المنتخب، أفهمتني؟ رئيس جمهورية مصر العربية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة. مصر الآن دولة مدنية حقيقية. ليست دولة دينية أو عسكرية. إنها دولة ديمقراطية حرة دستورية شرعية وحديثة». وأضاف: «نحن نتصرف وفقا لاختيار الشعب المصري وإرادته، لا شيء آخر. هل هذا واضح؟».

*خدمة: «نيويورك تايمز»