مسؤولون أميركيون: أوباما طلب من طالباني التنازل لعلاوي للحد من انزلاق المالكي نحو الاستبداد

الرئيس الأميركي طرح الفكرة على بارزاني أيضا فرفضها.. وبايدن اقترح منح الرئيس العراقي «الخارجية»

الرئيس الأميركي باراك أوباما يجري محادثات بالفيديو مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في 21 أكتوبر 2011 ليعلن بعد ذلك سحب جميع القوات الأميركية من العراق («الشرق الأوسط»)
TT

كان الطلب غريبا وغير مألوف، مما دفع الرئيس الأميركي أوباما إلى إجراء المكالمة الهاتفية السرية بنفسه مع الرئيس العراقي جلال طالباني، وحاول أوباما أن يستغل كل مهاراته في الإقناع كي يطلب من طالباني، الرجل السياسي القوي، بالتخلي عن منصبه. كان ذلك يوم 4 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2010، وكانت الخطة أن يحل إياد علاوي محل طالباني. وكان في تقدير إدارة الرئيس أوباما أن العراق مع علاوي، وهو شيعي علماني وزعيم تكتل يحظى بدعم سني واسع النطاق، ستكون لديه حكومة أكثر شمولا وسوف يحد من الانزلاق المثير للقلق نحو الاستبداد تحت قيادة رئيس الوزراء نوري المالكي. لكن أوباما لم ينجح في مبتغاه، حيث يذكر طالباني الذي رفض الصفقة: «كانوا يخشون ما سيحدث إذا لم تتوصل الجماعات المختلفة في العراق إلى اتفاق».

وكان الهدف الأميركي هو ترك حكومة مستقرة وممثلة لجميع الفصائل، وتحاشي حدوث فراغ في السلطة قد تستغله الدول المجاورة والإرهابيون، والاحتفاظ بنفوذ كافٍ يجعل من العراق شريكا أو على أقل تقدير ليس خصما في الشرق الأوسط. إلا أن إدارة الرئيس أوباما فشلت بصورة محبطة في بلوغ بعض تلك الأهداف.

وقصة هذه الجهود لم تحظ باهتمام يذكر داخل بلد أرهقه الصراع الدائر في العراق، ونادرا ما تحدث مسؤولو الإدارة الأميركية عنها، وهذه الرواية تستند إلى حوارات أجريت مع عدد كبير من كبار المسؤولين في كل من واشنطن وبغداد. ويصور مسؤولو البيت الأبيض استراتيجية الخروج التي ينتهجونها على أنها نجاح، مؤكدين أن عدد القتلى من المدنيين في العراق منخفض مقارنة بعام 2006، حينما كانت الحرب في أوجها، كما يقولون إن السياسة وليس العنف صارت هي الوسيلة الرئيسية أمام العراقيين لحل خلافاتهم. وقد أوضح أنتوني بلينكن، مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس جوزيف بايدن، في كلمة ألقاها في شهر مارس (آذار): «كانت التغطية الإخبارية للعراق في الآونة الأخيرة ستوحي بأنه مع رحيل قواتنا فإن النفوذ الأميركي رحل معها، وأن إدارتنا حولت تركيزها بعيدا عن العراق. الحقيقة هي أن ارتباطاتنا قد ازدادت».

ويرى كثير من العراقيين أن نفوذ الولايات المتحدة يتضاءل بشدة، إذ يبدي فؤاد حسين رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان الملاحظة التالية: «السياسة الأميركية ضعيفة للغاية. ليس واضحا بالنسبة لنا كيف كانوا يحددون مصالحهم في العراق. إنهم ينتقون الأحداث ويصدرون ردود أفعال على أساس الأحداث. تلك هي السياسة المتبعة».

وحينما كان أوباما مرشحا للرئاسة عام 2008، كان لديه موقف واحد أساسي من العراق، حيث كان سيضع «نهاية مسؤولة» للصراع هناك، وتعهد بسحب جميع الألوية الأميركية المقاتلة في غضون 16 شهرا، وهو موعد نهائي مكنه من التفوق على خصمه الرئيسي في الانتخابات الديمقراطية الأولية هيلاري كلينتون، لكن الجيش قال إن هذا الموعد النهائي ينطوي على مخاطرة كبيرة. وبعد وصول أوباما إلى السلطة، قام بتعديل البرنامج الزمني للانسحاب، حيث أبقى الألوية الأميركية في مكانها لفترة أطول، لكنه جعل مهمتها الأساسية تقديم المشورة للقوات العراقية.

وكان من المقرر أن ترحل جميع القوات الأميركية من العراق بنهاية عام 2011، وهو تاريخ الرحيل المحدد في اتفاق وقعه الرئيس جورج بوش مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عام 2008. وحتى مع ذلك، فقد ترك أوباما الباب مفتوحا أمام بقاء القوات في العراق من أجل تدريب القوات العراقية إذا أمكن التفاوض للتوصل إلى اتفاق. وقد كان الوضع الذي ورثته إدارة الرئيس أوباما معقدا، فكثير من الساسة العراقيين كانوا يشعرون بالقلق من أن يكون المالكي (الشيعي) يعمل على جمع سلطات أكبر من اللازم في يده ويتجاوز الدستور العراقي عن طريق تجنب سلسلة القيادة العسكرية الرسمية وزرع الموالين له داخل أجهزة الاستخبارات، وما زاد من حدة تلك المخاوف الأزمة السياسية التي حلت ببغداد بعد الانتخابات التي أجريت في شهر مارس (آذار) عام 2010.

وفي مؤتمر عقد يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2010 عبر الفيديو، قام نائب الرئيس الأميركي جو بايدن والمسؤولون الأميركيون باستعراض الخيارات المتاحة، وكان نائب الرئيس يحبذ وضع خطة لإبقاء المالكي في رئاسة الوزراء ولكنها تتضمن تنصيب خصمه الرئيسي علاوي زعيما للكتلة العراقية، على مقربة من قمة الهرم. ومن أجل تمهيد الطريق أمام علاوي، اقترح بايدن إبعاد طالباني (الكردي) من الرئاسة ومنحه منصبا آخر. وقال بايدن، بحسب مذكرات الاجتماع: «لنجعله وزير الخارجية». وردت كلينتون: «شكرا جزيلا جو»، مشيرة إلى أن بايدن كان يمنح وزارة الخارجية على أنها جائزة ترضية.

كما تنبأ بايدن بإمكانية أن يدبر الأميركيون صفقة مع حكومة يقودها المالكي، فقال: «المالكي يريدنا أن نظل موجودين، لأنه لا يرى مستقبلا في العراق من دون هذا. أراهن بمنصبي كنائب للرئيس على أن المالكي سوف يمدد أجل اتفاقية الوضع القانوني للقوات الأميركية»، في إشارة إلى الاتفاقية التي كانت إدارة الرئيس أوباما تأمل في التفاوض بشأنها. وتساءل جيمس ستاينبيرغ، نائب وزيرة الخارجية، عما إذا كانت خطة بايدن سوف تزيد من عجز الحكومة العراقية التي تفتقر بالفعل إلى الكفاءة، واقترح بديلا للمالكي هو عادل عبد المهدي، وهو شيعي ووزير مالية سابق. وقد جرت محاولة أميركية سرية لاستكشاف هذا الخيار، إلا أن إيران عارضته، وبالتالي عارضته الشخصيات الشيعية المتشددة. وقلقا من الحاجة إلى تشكيل حكومة عراقية، قرر أوباما قبول المالكي رئيسا للوزراء، مع السعي لإبرام صفقة تدخل علاوي وآخرين من أعضاء كتلته العراقية في حظيرة الحكومة. غير أن ترتيب اتفاق لاقتسام السلطة لم يكن سهلا، فبعد رفض طالباني لطلب أوباما، قرر البيت الأبيض تحاشي التعامل معه تماما.

وفي خطاب أرسله إلى رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، أكد أوباما مجددا على ضرورة تنحي طالباني عن الرئاسة، ولمح إلى المساعدة التي ستستمر الولايات المتحدة في تقديمها إلى الأكراد. لكن بارزاني رفض الاقتراح، مبديا استياءه من أن يطلب منه حل مشكلة بين العرب الشيعة والسنة على حساب الأكراد.

وكان لدى الأميركيين موقف بديل، وهو إنشاء مجلس جديد يختص بالسياسة الاستراتيجية يتولى علاوي مسؤوليته، لكن المالكي وعلاوي اختلفا حول السلطات التي سيتمتع بها هذا المجلس الجديد، ولم يظهر أبدا إلى النور. صحيح أن بعض أعضاء حزب علاوي حصلوا على مناصب حكومية بارزة، لكن السمة الأهم التي كان البيت الأبيض يشدد عليها في أي اتفاق لاقتسام السلطة لم توجد سوى على الورق فقط، وكشفت متحدثة رسمية عن أن البيت الأبيض لم «يتقيد» بأي خيار معين، ونجح في الوصول إلى «حكومة شاملة».

ومع تأخر عملية تشكيل حكومة عراقية جديدة، بدأت إدارة الرئيس أوباما في يناير (كانون الثاني) عام 2011 في توجيه اهتمامها صوب التفاوض على اتفاق يمكن القوات الأميركية من البقاء بعد عام 2011. وفي مؤتمر عقد يوم 2 يونيو (حزيران) عبر الفيديو مع المالكي، شدد أوباما على أن أي اتفاق سوف يحتاج إلى تصديق من البرلمان العراقي، ولكن لم يكن الجميع داخل المعسكر الأميركي متفقين مع هذا الشرط، فقد كان بريت ماكغورك، وهو مساعد سابق في إدارة الرئيس بوش، طلبت منه إدارة الرئيس أوباما العودة إلى بغداد للمساعدة في سير المحادثات، يرى أنه من الممكن تجنب نشوب معركة برلمانية ساخنة من خلال التوصل إلى تفاهم في إطار اتفاق شامل قائم بخصوص التعاون الاقتصادي والأمني، وهو منهج اقترحه المالكي نفسه مرات كثيرة. إلا أن البيت الأبيض كان يريد حصانة كاملة لأي قوات تبقى في العراق، وهو ما أصر محامون حكوميون أميركيون ورئيس المحكمة العليا العراقي وجيمس جيفري السفير الأميركي في بغداد على أنه يستلزم اتفاقا جديدا مصدقا عليه من قبل البرلمان العراقي.

وتعقدت المفاوضات بسبب فشل الأميركيين في التوسط من أجل إبرام اتفاق لاقتسام السلطة، وفي ظل مناورات الزعماء العراقيين سعيا وراء النفوذ واستمرار وجود علاوي خارج الحكومة، فإن أيا من المالكي أو خصمه لم يكن يريد تعريض نفسه للمخاطرة من خلال دعم استمرار الوجود العسكري الأميركي، مهما كان صغيرا.

وفي غضون ذلك، كان البيت الأبيض يريد أن يتجنب أي تصور بأنه ينشد الوصول إلى صفقة لإبقاء قوات في العراق بعد التعهد بإعادة القوات القتالية إلى الوطن. وبحلول شهر أغسطس (آب)، كان المساعدون داخل البيت الأبيض يضغطون من أجل تقليص حجم البعثة العسكرية وإعادة فتح مسألة عدد القوات المطلوبة. وكان كل من كلينتون وليون بانيتا، الذي خلف روبرت غيتس في منصب وزير الدفاع، يرى ضرورة استمرار المحادثات وأن يكون الهدف (كما كان في السابق) هو إبقاء قوة تصل إلى 10 آلاف جندي.

وفي يوم 13 أغسطس (آب)، سوى أوباما المسألة خلال مؤتمر عبر الفيديو استبعد فيه خيار الاحتفاظ بقوة مكونة من 10 آلاف جندي، وكذلك اقتراحا معدلا بتقليص العدد إلى 7 آلاف فقط. وكان سيتم استئناف المحادثات، لكن حجم القوة التي قد تبقيها الولايات المتحدة هناك تضاءل، حيث أصبح الهدف الجديد هو بقاء نحو 3500 جندي وقوة مناوبة تصل إلى 1500 جندي و6 طائرات مقاتلة من طراز «إف 16». غير أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق، ويقول بعض الخبراء إنه في ظل مخاوف العراقيين فيما يتعلق بالسيادة وكذلك الضغوط الإيرانية، فإن الساسة في بغداد لم يكونوا مهيئين ببساطة لاتخاذ القرارات الصعبة التي تحتاج إلى استصدار موافقة برلمانية.

ويشير آخرون إلى أن العراقيين يشعرون بالتناقض الموجود لدى الأميركيين، وأنه يطلب منهم اتخاذ قرارات سياسية غير مقبولة شعبيا في مقابل فائدة عسكرية متواضعة.

وفي يوم 21 أكتوبر (تشرين الأول)، عقد أوباما مؤتمرا آخر عبر الفيديو مع المالكي، وهي أول مناقشة له من هذا النوع منذ بدء المحادثات في يونيو (حزيران)، وتم إنهاء المفاوضات والاتفاق على عودة جميع القوات الأميركية إلى أرض الوطن..

* خدمة: «نيويورك تايمز»