أحمدي نجاد: جميعنا تضرر من الأوضاع القائمة على الأرض في سوريا

قال في مقابلة تنشرها«الشرق الأوسط»: إسرائيل تحاول إنقاذ نفسها بإحداث كثير من الصخب

TT

اتهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في مقابلة تنشرها «الشرق الأوسط» وأجرتها «واشنطن بوست»، إسرائيل بأنها تبحث عن الخلاص عن طريق إحداث كثير من الصخب وزيادة وتيرة المخاطر، قائلا إن إيران هي الأخرى دولة معترف بها وتمتلك قوات دفاعية واضحة للغاية. وهون في المقابلة من البرنامج النووي الإيراني قائلا: «هل تعتقدون أن الجذور الحقيقية للمشكلة تتمثل فقط في امتلاكنا بعض الأطنان من اليورانيوم المخصب بمعدلات 3 في المائة أو أكثر؟». وبالنسبة للأزمة السورية، قال إن «وجهة نظرنا هي أن الانتخابات الحرة وتقرير المصير حق لجميع الشعوب، وأن الشعب يجب أن يقرر مصيره بنفسه». وفي ما يلي نص المقابلة التي أجريت في نيويورك، وأجري على نصها التالي بعض التعديلات الطفيفة إما بسبب الطول أو عدم الوضوح.

* أريد أن يكون سؤالي الأول هو ذلك السؤال الذي يرغب كل مواطني العالم في طرحه خلال الوقت الراهن: ما فرص نشوب حرب في إيران تكون ناتجة عن قيام إسرائيل بتوجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية؟

- لقد تحدثت حول هذا الموضوع باستفاضة سابقا. ونحن بصفة عامة لا نأخذ على محمل الجد موضوع الصهاينة والأخطار التي من المحتمل أن يسببوها. إنهم يحبون، بطبيعة الحال، البحث عن وسيلة للخلاص عن طريق إحداث الكثير من الصخب وزيادة وتيرة المخاطر من أجل إنقاذ أنفسهم، ولكنني لا أعتقد أنهم سوف ينجحون في ذلك. إيران هي الأخرى دولة معترف بها وتمتلك قوات دفاعية واضحة للغاية.

إن ما نرغب في التصدي له حقيقة هو ذلك المناخ من الفرص.. التي يتم تجهيزها ليستخدموها ولتكون تحت تصرفهم. لماذا يتوجب على العالم الاستناد إلى أسس يتم بمقتضاها إعطاء البعض الفرصة لتهديد الآخرين بصورة مستمرة؟ ولكن الأمر الأكثر أهمية من استعدادهم لإصدار التهديدات هي تلك الإدارة التي تحكم العالم اليوم. لماذا ينبغي للعالم أن يكون لديه مثل هذه الإدارة.. التي يتم بمقتضاها إعطاء البعض الفرصة لتهديد الآخرين بصورة مستمرة؟

نحن نؤمن بالحاجة إلى وجود إصلاحات في هذا الشأن. دعونا نفترض أننا سنكتشف خلال ثلاثة أو أربعة أشهر من الآن أن هذه التهديدات كانت فارغة من أي مضمون، ولكن في حالة وجود مثل هذه الفرص، سوف يتاح لمثل هذه الكيانات الكثير من الفرص لتهديد رفاهية وسلامة الآخرين. إنهم يسعون للحصول على بعض الفرص من أجل خلاصهم ولحماية مصالحهم الخاصة، وهذا هو السبب الحقيقي في أنهم يزيدون من حدة المخاطر ويتسببون في إحداث المزيد من الضجيج.

* في لعبة البوكر الأميركية، لدينا مقولة مفادها أن اللاعب الذي يقول إنه سيمضي قدما حتى نهاية المطاف ربما يكون مخادعا، لذا أريد أن أطرح عليكم سؤالا: هل تعتقدون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مخادع؟

- أعتقد أنه يوجد إجماع في الآراء بأنهم ماضون (كلمة غير واضحة ربما تكون: «بصورة متزايدة») في هذه اللعبة، لذا، فأنا أوافقك الرأي في هذه النقطة.

* إذن، دعني أطرح عليكم سؤالا بشأن إحدى الممارسات التي شهدتها في الأسبوع الماضي والتي كانت عبارة عن لعبة حرب بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في معهد «بروكينغز»، وهي واحدة من أكبر المؤسسات البحثية لدينا. وكما كتبت يوم الجمعة بأن أهم استنتاج خرجت به من هذه التجربة هو مدى سهولة قيام أحد الطرفين بإساءة التقدير، فعندما يعتقد طرف ما أنه يقوم باتخاذ إجراء محدود في هذه اللعبة، كان الطرف الآخر ينظر إليه على أنه هجوم. تشبه هذه التجربة ما نعرفه عن «كلاوزفيتز» بشأن «ضباب الحرب» حيث لا نستطيع دائما النظر جيدا. لذا، فسؤالي لك أنه بالنظر إلى خطورة حدوث سوء تقدير، هل من المنطقي وجود قنوات اتصال جديدة بما في ذلك عقد اتفاقية «الأحداث البحرية» مع الدول الخليجية من أجل تجنب الأخطار غير المقصودة؟

- نعم، أنا أوافقك الرأي في أن الظروف في غاية الحساسية على الصعيد الدولي، حيث تسببت الأزمات الاجتماعية والسياسية والمالية في إغضاب مديري «النظام»، فضلا عن أن حالة عدم الاستقرار السياسي قد تسببت في إظهار مثل هذه الأحداث. ربما توجد هناك توترات في كل مكان في العالم، بما في ذلك الخليج . فكما نعرف جميعا، يمتلك الخليج بوابة تدعى «مضيق هرمز»، ونحن نحاول جاهدين تهيئة الظروف المواتية للتجارة والدخول السلمي للمضيق. ينبغي لنا جميعا المساعدة الجادة في هذا الأمر. من الصحيح أن مضيق هرمز مجرى مائي إقليمي، ولكنه يلعب دورا حيويا في التجارة الدولية.

أود أن ألفت انتباهك إلى الأسباب الأساسية التي خلقت الظروف الراهنة. لماذا تم خلق مناخ من انعدام الثقة حول العالم؟ لماذا لا يجلس الساسة في أجواء من الود والثقة المتبادلة للحديث حول القضايا وسبل حلها؟ يعلم الجميع أن الأجواء الحالية في الخليج هي مجرد أجواء مؤقتة، وسوف تنتهي هي الأخرى. ولكن الظروف المماثلة تتكرر في شتى أنحاء العالم. أعتقد أنه يتوجب على أولئك الذين يسعون إلى إصلاح الأوضاع البحث عن جذور المشكلات أولا.

يجب أن يستقر الجميع على حدود حقوقهم الخاصة، بحيث ينبغي لأي أحد أن لا يحمل نوايا شريرة تجاه سلامة أو مصالح الأمم الأخرى. وبطبيعة الحال، فإذا تمكنا من خلق هذه الظروف، فلن يكون للصراع أي معنى بعد ذلك.

* كما تعلم سيدي الرئيس، فإن معرفة الأسباب الرئيسية للمشكلات سوف تستغرق منا بعض الوقت، والوقت الآن قصير للغاية، لذا، أريد العودة إلى سؤالي: هل سيكون من المفيد الآن الشروع في تدابير بناء الثقة، مثل عقد اتفاقية «الأحداث البحرية» مع الدول الخليجية للتقليل من مخاطر وقوع حوادث خطرة؟

- أعتقد أنه ينبغي اتخاذ العديد من الخطوات في الوقت نفسه، فبالطبع يسعى أولئك الذين يملكون مقاليد السلطة العسكرية للسيطرة على الأوضاع السياسية في شتى أنحاء العالم، وهذه إحدى السمات المميزة للقوة العسكرية. ولكن في كثير من البلدان، توجد بعض الفصائل المتطرفة التي ترى مصلحتها في خلق التوترات. أعتقد أنه ينبغي كبح جماح هاتين المجموعتين في خطوة أولى، ثم.. سوف نرحب بأي خطوة تهدف إلى تقليل التوتر.

ولكنني أعتقد أن الطريقة الأسهل لتحقيق كل هذا تتمثل في قيام القوات الأجنبية بمغادرة منطقة الخليج ، وسوف يترتب على هذا أيضا تقليل النفقات التي يتكبدونها.

لذا، فإن السؤال الجوهري الآن يصبح: لماذا ينبغي فرض هذه التكاليف الباهظة على السكان؟ منذ آلاف السنين، استطاع الإيرانيون المحافظة على أمن الخليج ، بمساعدة كل الدول المجاورة بالطبع. ولكن الأمر الذي أدى إلى تهديد استقرار وأمن المنطقة كان عندما بدأ صدام حسين في تنفيذ مخططات مختلفة، ونحن نعلم جميعا من كان يدعم ويشجع صدام حسين (يقصد الولايات المتحدة الأميركية).

* سيدي الرئيس، هل لي أن أطلب منك الانتقال إلى الحديث عن مفاوضات مجموعة «5+1»؟

- نحن جاهزون ومستعدون حقا لهذا الأمر، فضلا عن أننا قمنا بتقديم العديد من الاقتراحات الجيدة أيضا. ليست لدينا أية مخاوف بشأن المضي قدما للأمام في الحوار، فلطالما أردنا الحوار. لدينا منطق واضح للغاية: نحن نعتقد أنه في حالة التزام الجميع بحكم القانون واحترام كل الأطراف، فلن تكون هناك أية مشكلات.

* لذا، ربما يمكنني أن أسألكم عن بعض الطرق لتنفيذ الرسالة التي بعث بها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، والتي سلمها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، والخاصة بإصدار فتواه بتحريم الأسلحة النووية والعثور على طرق للتأكد من تنفيذ مثل هذه الفتوى. وفي محاولة لتأكيد قيام النظام بوضع هذا المبدأ (الفتوى الإيرانية بالتخلي عن الأسلحة النووية) في صدر أولوياته، اقترح سيد حسين موساويان، عضو سابق في الفريق الإيراني التفاوضي، ما أطلق عليه نهج «المخزون صفر». تكمن الفكرة في أن إيران، بصفتها من الدول الموقعة على اتفاقية عدم انتشار السلاح النووي، تمتلك الحق في تخصيب اليورانيوم، وأنه في كل مرة تتمكن فيها إيران من التوصل إلى مستوى معين من تخصيب اليورانيوم الذي يلبي الاحتياجات المدنية، يتم تحويل هذا الوقود إلى ألواح أو قضبان وقود وتصدير أي فائض منه. هل تبدو هذه الفكرة مفيدة بالنسبة لك في معالجة هذه الموضوعات؟

- هل تعتقد أنت أن الجذور الحقيقية للمشكلة تتمثل فقط في امتلاكنا بعض الأطنان من اليورانيوم المخصب بمعدلات 3 في المائة أو أكثر؟ هل تعتقد حقا أن هذه هي المشكلة فقط (بالنسبة) للأشخاص الذين يضعوننا تحت كثير من الضغوط؟

* لا، ولكنها طريقة للتجاوب مع مطالب المجتمع الدولي. في مجموعة «5+1» هذه، لدينا روسيا والصين وألمانيا بالإضافة إلى الولايات المتحدة، وهي مجموعة واسعة. ربما تكون هذه طريقة للتجاوب مع مخاوفها؟

- لذا فنحن في الواقع نقر بأن هذا ما هو إلا ادعاء أو ذريعة. ما التطمينات أو الضمانات الموجودة بأنه لن تكون هناك عقبات أخرى إذا اجتزنا هذه المرحلة؟ لقد أقررنا بهذا في إعلان طهران.

* هل كان هذا هو «مفاعل طهران البحثي»؟

- نعم، ولكن ماذا حدث؟ بعد فترة قصيرة للغاية، تم اتخاذ قرارات جديدة ضد إيران. إذن، فمن يجب أن ينشغل بهذا السيناريو؟ هل الحدود الإقليمية للمكان الذي يقع فيه مهمة؟ أم إدارة هذه المواد النووية؟ أم شحن المواد؟ الآن المواد النووية التي نمتلكها موجودة في أيدي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحتى نقل غرام واحد إلى اليمين أو اليسار يتم الاعتراف به أو رصده. أعنى أنهم يقفلون عليها..

* كما تعلمون، فإن موقف مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية هو أن هناك أحكاما معينة لدى الوكالة خالفتها إيران.. عودة إلى السؤال البسيط، في إطار حل شامل لهذه القضايا وتصفية الملف الإيراني تماما، بما في ذلك مسألة العقوبات، هل إيران مستعدة لمناقشة خطة مثل هذه التي أسميها «المخزون صفر» والتي قد تعطي العالم تطمينا بأنها لا تسعى إلى تصنيع أسلحة نووية؟

- لقد تقدمنا باقتراح من عدة مراحل إلى مجموعة «5+1» يعالج ويحل جميع المشكلات. هدفنا هو الانتقال من الصراع الجاري إلى تسوية الصراع والتعاون. هذا الاقتراح تم تحليله والحديث فيه بصورة متعمقة نوعا ما خلال الاجتماعات الفنية. ونحن في انتظار تعليق ورد مجموعة «5+1». هل تعتقد حقا أن هناك استعدادا لحل هذه المشكلة؟ إننا نجري حوارا وديا.

* أنا أتحدث كثيرا مع المسؤولين الأميركيين ومع مسؤولين من بلدان مجموعة «5+1» الأخرى، وانطباعي هو أن إيران إذا تدبرت تفاصيل اقتراح كهذا، فإن هذا سيحقق مصلحة حقيقية وسوف يكون طريقا إلى الأمام نحو حل هذا الوضع؟

- كما ترى، فقد أغلقنا بالفعل جميع المواقع النووية مرة. ولكن ليس فقط أن الرغبات والقيود (لدى الولايات المتحدة) لم تتراجع، بل لقد تضاعفت. ومع كل هذا، فما زلنا نجري حوارا، وقد قدمنا كل هذه المقترحات الجيدة إلى مجموعة «5+1».

وأكد الزعيم الإيراني أن التعامل مع البرنامج النووي الإيراني ينطوي على «كيل بمكيالين»، وقال: «إننا إذا أنهينا الكيل بمكيالين، فسوف ننهي كثيرا من هذه المشكلات، ولكن في وضع ترى فيه بضع دول نفسها أنها (المالك الوحيد)، فإن كثيرا من المشكلات سوف تظهر»، واستشهد بإنفاق الولايات المتحدة 80 مليار دولار لتجديد وإعادة تجهيز الأسلحة النووية الأميركية، واستطرد قائلا: «ومع كل هذا، فكيف لهم أن يشعروا بالتهديد من كمية ضئيلة من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المائة؟ وهي مادة لا تفيد سوى في تشغيل محطة توليد كهرباء؟»، وذكر أن الميزانيات العسكرية ينبغي إنفاقها على برامج الرفاهية الاجتماعية، مؤكدا: «لن ننفق أبدا ثروات بلادنا من أجل هذه الأهداف (أي تصنيع أسلحة نووية)».

* سؤال آخر على هذا الصعيد النووي: عندما يتحدث الرئيس أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، أعتقد أنه في الغالب سوف يكرر الحديث عن سياسة كشف عنها في شهر مارس (آذار) الماضي، وهي أنها إذا لم تنجح محادثات مجموعة «5+1»، فإن الولايات المتحدة جاهزة لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي.. هذا هو «الخط الأحمر» بالنسبة لأوباما. وأنا أريد أن أسألكم: كيف تتعاملون بصفتكم رئيس إيران مع هذا التصريح من الرئيس أوباما عن «الخط الأحمر»؟

- هل تظن أنه (أي أوباما) سوف يكرر الحديث عن تلك السياسة؟

* إنني لم أر خطابه، ولكن لنأخذ التصريح الذي ذكره سابقا ولا نخمن، ولنعتبر ذلك تصريحا بسياسة معينة؟

- أعتقد أننا يجب أن نترك هذا. إذا كررها، فإن الجواب سوف يكون واضحا للغاية. ولكن هل تظن حقا أن شعب الولايات المتحدة يؤيد الصراع؟ هل سيقبل شعب الولايات المتحدة التطفل والتدخل في شؤون الآخرين؟ لا أظن ذلك.. لا أظن ذلك. أظن أن شعب الولايات المتحدة شعب محب للسلام. على مدار تاريخ العلاقات، لم يأت أي تهديد لإيران من شعب الولايات المتحدة (والعكس صحيح).. الشعب الإيراني والشعب الأميركي صديقان.

أعتقد أن بعض الحوارات والقضايا الرئيسية يجب التحدث فيها مرة أخرى بعد أن نخرج من الطرف الآخر لجو الانتخابات السياسية السائد في الولايات المتحدة.

* إذن فأنت لا تتوقع تقدما كبيرا إلى أن تنتهي الانتخابات لدينا؟

- هل تقصد في ما يتعلق بالمشكلة النووية؟

* نعم، الحوار بين بلدينا.. حدوث تقدم كبير في أي من هذه المفاوضات..

- أنا موقن بأن أفضل أنواع الحكومات هي الحكومة التي تسعى بقوة لتحقيق رغبات شعبها. لقد كنا دوما جاهزين، ونحن جاهزون الآن. إلا أن التجربة أثبتت أن القرارات المهمة والمصيرية لا تتم صناعتها حينما تكون الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات وطنية، أليس كذلك؟

* أنتم على حق.. إذن دعوني أسألكم عن قضيتين يريد الجميع فيهما تحقيق السلام وربما تكون مصالح الولايات المتحدة وإيران فيهما متشابهة.. الأولى هي سوريا: هناك حرب بشعة تلتهم سوريا حية، وأنا أتساءل: هل كانت لديكم بصفتكم رئيس حكومتكم أي مقترحات قد تؤدي إلى وقف عادل لإطلاق النار؟ ليس الوضع الراهن، بل شيء مختلف؟

- وجهة نظرنا ووجهة نظر الجميع في ما يتعلق بالشأن الداخلي للشعوب واضحة وضوح الشمس. نحن نرى أن الانتخابات الحرة وتقرير المصير حق لجميع الشعوب، وأن الشعب يجب أن يقرر مصيره بنفسه. وهذه هي وجهة نظرنا في ما يتعلق بسوريا. أثناء قمة حركة عدم الانحياز التي عقدت في طهران، أسندت إلي مهمة الخروج بحلول عادلة من أجل تهدئة الوضع الراهن وتقليل وتيرة العنف ومحاولة تخفيف الظروف الحالية وإقامة مجموعة اتصال. لقد تحدثت مع عدد قليل من الشخصيات، وسوف أسير إن شاء الله في عدة مسارات أثناء رحلتي هنا. لكنني أرجو أن يتم تشكيل مجموعة اتصال بأسرع ما يمكن، من أجل إيجاد حالة من الاستقرار بتفاهم واتفاق وطنيين على إجراء الانتخابات. ما يختاره شعب الدولة يجب أن يحكم الدولة، ويجب بالطبع أن يتوقف التطفل والتدخلات الأجنبية.

* هل تتوقعون أن يسمح للرئيس الحالي بشار الأسد بالترشح في هذه الانتخابات أم إن سوريا سوف تبدأ بداية جديدة بحكومة جديدة؟

- أرى أن الشعب يجب أن يمنح حق الاختيار. النصيحة أو الاقتراح الوحيد لدينا هو أن السلام والتفاهم المتبادل يجب أن يتحولا إلى قرار وطني يؤدي إلى خطوات عملية. أرى أن جميع الدول يمكنها أن تلعب أدوارا رئيسية، فجميعنا تضرر من الأوضاع القائمة على الأرض في سوريا.

* هل ستكون المملكة العربية السعودية عضوا فاعلا في مجموعة الاتصال هذه؟

- في قائمة السبل المحتملة بالنسبة لي، تشغل السعودية دورا، الذي أعتقد أنه سيكون كبيرا، ومثمرا حقا، إذا ما شاركوا أيضا.

* دعني أسألك عن صراع صعب آخر، ذلك الدائر في أفغانستان، فقد عبرت الولايات المتحدة عن رغبتها في الحصول على مساعدة الأطراف المعنية في المنطقة في انتقال آمن في أفغانستان. وقد ذكرت في مقال أن حكومتك وجهت دعوة، خلال اجتماع في أستوكهولم في فبراير (شباط) 2011 لمارك غروسمان، المبعوث الخاص الجديد لأفغانستان وباكستان خلفا لريتشارد هولبروك، لزيارة طهران لمناقشة ما يمكن للولايات المتحدة وطهران القيام به معا لاستقرار الأوضاع في أفغانستان، وأن الولايات المتحدة رفضت الدعوة. لكن هل لا يزال هذا عرض طهران والحديث بشأن استقرار أفغانستان مطروحا على الطاولة؟

- أنا بطبيعة الحال لم أسمع بأمر كهذا، لكني أؤكد أن أي دولة قادرة على المساهمة في استقرار وتقدم أفغانستان ينبغي لها القيام بذلك، خاصة جيران وأصدقاء أفغانستان. وقد كنا دائما على استعداد لذلك، فهناك ما يزيد على 2.5 مليون أفغاني في إيران. كما كنا أيضا أصحاب العديد من المؤتمرات الإقليمية. لكني أعتقد أن وجهات نظر الولايات المتحدة بشأن أفغانستان غير متسقة بعضها مع بعض. وإذا وافقت الولايات المتحدة على حق تقرير المصير والاستقرار بعيد المدى لأفغانستان فسوف ييسر ذلك مهمة إعادة استقرار الأوضاع، ويمكننا أن نعطي الضوء الأخضر لدخول بلدان أخرى في هذه المنطقة في تلك الاجتماعات. هذه المشكلة يجب أن تحل في المنطقة. والدول الأخرى إذا ما أرادت المساعدة، فهم موضع ترحيب في ذلك.

* ما أسمعه هنا هو أنه ربما بعد الانتخابات الأميركية إذا أرادت الولايات المتحدة الحوار مع إيران بشأن أفغانستان، فربما تجري مناقشات مباشرة؟

- نعم، لقد قلت إننا عقدنا العديد من اللقاءات الإقليمية.. أقيمت ثلاثة منها بالفعل. ونحن مستعدون لمنحهم الضوء الأخضر للمشاركة في هذه الاجتماعات، أيضا، لكن بشرط احترامهم الحكم الذاتي والإدارة الذاتية واستقلال أفغانستان.

* أريد أن أسأل سؤالا عن «النبرة»، أو ما نسميه «الخطابة».. كنا نتحدث على مدار ساعة سارت على مستوى عالي الوضوح والأخذ والرد ولم تكن أي من التصريحات التي أدليت بها لتغضب الإسرائيليين، لكن عادة ما إن يقرأ الإسرائيليون تصريحاتك يعتقدون أن «هذا الرجل يكره دولتنا وأن السلام معه مستحيل»، ويشعرون بإحساس عميق بالتهديد وأن إيران لا ترغب في وجود إسرائيل، ولذا أريد أن أسألك: هناك أي شيء يمكن أن تقوله للإسرائيليين أو الأميركيين بشأن ما نرى أنها تصريحات عدائية تنكر وجود هذه الشعب؟

- أشكرك على تضمين العديد من الأسئلة في سؤال واحد. نحن أصدقاء للشعوب في كل أنحاء العالم، ولا توجد لدينا مشكلة مع أي شعب. ونحن نساند الشعوب التي تواجه مشكلات في أي مكان في العالم. أنت ترى أنه حتى في الوقت الراهن هناك مظاهرات في الأراضي المحتلة قام بها مئات الآلاف من الفلسطينيين احتجاجا على أوضاعهم المعيشية، وممارسات الحكومة الصهيونية. إنهم أناس أيضا وهم غير راضين عن أوضاعهم الحالية. ونحن نعتقد أن واجبنا أن نتحرك باتجاه القضاء على جذور الاحتلال والإرهاب، وممارسة البلطجة ضد الشعوب أيضا. هذا هو الموقف الجوهري الذي ينبغي لنا الالتزام به، في أي مكان في العالم. ومقترحنا هو السماح للجميع بإجراء انتخابات حرة واختيار حكامهم. وقد مر ما بين 65 إلى 70 عاما منذ طرد الفلسطينيين من منازلهم، وأراضيهم محتلة ونظام محتل يستأسد عليهم ويجبرهم على الموقف الحالي. ولو أن ذلك المصير حل بحياة الأميركيين، فما الذي كنت تقترحه عليهم؟ أنا على يقين من أنك ستقترح عليهم التخلص من البلطجة الدولية والاحتلال.. تخيل أن احتلال فلسطين انتهى، فما الذي سيتبقى؟ لذا، فإن هذا يشكل خلاصة ما نقول.

لكن هناك الكثير مما يمكن الحديث عنه بشأن العلاقة بين النظام الصهيوني والشعب الأميركي. أنا لا أعتقد أن الأميركيين في داخلهم يوافقون على ما يقوم به هذا النظام. أنا على يقين من أن الشعب الأميركي يكره الإرهاب والبلطجة وتدمير الممتلكات الخاصة والمنازل التي تقيم فيها النساء والأطفال. وأعتقد أن أي إدارة في الولايات المتحدة تستطلع الرأي العام الأميركي بشأن الدعم الوطني لهذا النوع من السلوك الحكومي ستتلقى ردود فعل سلبية من المواطنين.

* علينا أن ننتظر لنرى، لكنني أريد التأكد من فهمي لما تحاول أن تقوله.. إنك تريد القضاء على بلطجة الدولة، لكنك لا تريد القضاء على دولة إسرائيل.. هل هذا صحيح؟

- لقد سألتك ماذا سيبقى إذا تم إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية.. هل سيظل هناك نظام صهيوني قائم من دون الاحتلال؟

* هناك دولة حصلت على اعتراف الأمم المتحدة عام 1948.. نعم هناك هذه الدولة. دعني أسألك إذن: هل ستبقى هذه الدولة؟

- سؤالي يا سيدي هو ما الذي سيحل محل تلك الدولة في حالة انتهاء الاحتلال. دعني أعيد صياغة السؤال؛ إذا حصل الفلسطينيون على حقهم في الاختيار وتم إجراء انتخابات في كل الأراضي المحتلة، ماذا ستكون النتيجة؟ أعتقد أن الإجابة واضحة بشكل كبير. بطبيعة الحال من حق الفلسطينيين الاختيار. نحن لا نسعى إلى فرض حق تقرير المصير من خلال صراع أو حرب، بل ننادي بحرية الشعب الفلسطيني في التصويت. إن ما نقترحه سيفيد الجميع، حتى الدول التي تدعم النظام الصهيوني. إلى متى سيكون عليهم تحمل نفقات هذا النظام والتخلي بذلك عن كرامتهم في كثير من الأحوال؟ أعتقد أنه ينبغي لنا السماح للشعب الفلسطيني في كل الأراضي الفلسطينية باتخاذ القرار أيّا كان هذا القرار. ولا يحتاج هذا إلى أسلحة نووية أو قذائف صاروخية أو هدم منازل الناس.

* أريد أن أطرح عليك سؤالا واحدا أخيرا قد يكون غريبا.. سأشير إلى ما كتبه وزير الخارجية الأميركية الأسبق، هنري كيسنغر، في أطروحة الدكتوراه الخاصة به عام 1956 بجامعة هارفارد. في هذا العمل، الذي نُشر تحت عنوان «استعادة عالم»، أوضح كيسنغر كيف أرسى الكونغرس نظاما أمنيا جديدا في أوروبا ضم فرنسا بعد الثورة، وألمانيا الصاعدة آنذاك، مع القوى التي تعتمد على سياسة الأمر الواقع، وبريطانيا العظمى، والإمبراطورية النمساوية المجرية.. سؤالي هو: هل تعتقد أن المسؤولين الإيرانيين بعد الانتخابات الأميركية سيكونون مهتمين بالجلوس على طاولة المفاوضات لإرساء نظام أمن جديد في المنطقة يمثل بداية للتحول من ثورتكم إلى شيء جديد؟

- لطالما كنا مستعدين لذلك. ونعتقد أنه من اللازم أن تدعم الأمة وشعوب دول أي منطقة أمنها. إذا توصل الجميع إلى نقطة تفاهم مشتركة، ستنخفض النفقات العسكرية التي تقصم الظهر بشكل كبير. على الجميع المساهمة في أمن منطقتهم، وهم نحن في منطقتنا، والحكومة الأميركية في منطقتهم. ولن تحتاج الولايات المتحدة إلى آلاف القواعد العسكرية ولا إلى كثير من النفقات التي ترتبط بالوجود العسكري. اعتقد أننا بحاجة إلى تبني وجهة نظر جديدة في ما يتعلق بإدارة شؤون العالم، وأعتقد أيضا أنه يمكن علاج ما يحدث في مختلف أنحاء العالم من أزمات مالية وأمنية بنفقات أقل من ذلك، لكن هناك ضجة وضوضاء كبيرة تصم آذان البعض بحيث لم يصبحوا قادرين على سماع أي ردود فعل. وينبغي أن يتم حل مشكلات العالم تباعا وبتناغم لا بشكل منفرد. ويمكن أن يتم استغلال الـ700 أو 800 مليار دولار التي تنفق في المجال العسكري بشكل أفضل وأكثر نفعا. تخيل أنك إذا جمعت النفقات العسكرية ستجد أنها تتجاوز تريليون دولار أو يزيد. إذا تم إنفاق هذه الموارد على برامج الرعاية الاجتماعية وتعزيز الاستقرار، ألا تعتقد أن الفقر سيختفي حينها؟ أعتقد أنه يجب تحقيق أمن العالم والحفاظ عليه باللين لا الشدة، لأننا نتعامل مع بشر. لهذا الغرض، نصافح أي أيد تمتد بالتعاون، ونتمنى لو كان قادة الولايات المتحدة بعد الثورة الإسلامية، التي اندلعت عام 1979، قد تصرفوا بهذه الطريقة مع إيران. إن هذا ما كان يتوقعه الإيرانيون من المسؤولين الأميركيين. لقد انتظر الشعب الإيراني من السياسيين الأميركيين دعم الثورة الشعبية التي أثمرت الحرية والاستقلال. هناك قول فارسي مأثور هو: «عندما تصطاد سمكة من بركة، تظل طازجة حتى عندما توضع على الطاولة» وهو ما يعني أن الأوان لم يفت بعد.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»