رايس «بلدوزر» السياسة الخارجية الأميركية: لست قاذف قنابل

الأضواء ستسلط عليها في الجمعية العامة.. وسياساتها تجاه ليبيا اختلفت عنها في سوريا

سوزان رايس مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة تتحدث إلى الصحافيين بعد جلسة مجلس الأمن (أ.ب)
TT

خلال عطلة عيد الشكر العام الماضي سافرت سوزان رايس، مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة بصحبة زوجها وطفليها إلى رواندا، حيث كانت عطلة قصيرة، فرصة لمشاهدة الطيور والغوريلا التي تشتهر بها رواندا، لكنها كانت في الوقت ذاته فرصة لزيارة النصب التذكاري الذي أنشئ لتخليد ذكري أكثر من 800.000 شخص قتلوا في أضخم عملية قتل جماعي في العصر الحديث وقف العالم يشاهدها دون أن يحرك ساكنا.

كانت الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا عام 1994 نقطة تحول بالنسبة لرايس، التي كانت في الثلاثين من العمر وتعمل بمجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، التي أعاقت جهود الأمم المتحدة للقيام بعمل عسكري ردا على المذابح. وحملت رايس هذا الإخفاق بين جوانحها.

لكن دروس رواندا قدمت دليلا معيبا خلال محاولة رايس تقييم استخدام الولايات المتحدة القوة الدبلوماسية والعسكرية.. فساعدت في حشد الدعم للقيام بعمل عسكري في ليبيا حيث ساهمت الولايات المتحدة في إسقاط نظام كان يهدد بالقيام بعمليات قتل واسعة النطاق. لكنها التزمت الجانب الآخر تجاه سوريا إلى جانب الرئيس باراك أوباما في رفض الدعوات المطالبة بالتدخل هناك في الوقت الذي يموت فيه الآلاف في القتال ضد حكومة بشار الأسد.

ستكون احتمالية القيام بعمل دولي لوقف العنف في سوريا القضية الأكثر إلحاحا خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوي اليوم (الثلاثاء) وستكون رايس هي المنصة الرئيسية للدفاع عن سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا وقضية المساعي النووية الإيرانية المستمرة.

وخلال لقاء مطول الأسبوع الماضي أكدت رايس أن صورتها كداعية إلى التدخل في سوريا تمت المبالغة بشأنه، وكذلك كان تأثير رواندا على مناقشاتها بشأن قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية. وأوضحت أن نهجها كسياسية هو «تقديم التحليل والدقة والتعامل بفاعلية مع كل مشكلة. وإذا ما اعتقد أي فرد أنني سأكون قاذفة قنابل أو مدافعة عن التدخل العسكري، فهم لا يعرفونني. لا يمكن لشخص أن يلبي طموحات الجميع».

وعندما وصلت رايس إلى نيويورك في يناير (كانون الثاني) من عام 2009، كان معروفا عنها أنها واحدة من صقور السياسة الخارجية الأميركية والمدافعين عن استخدام القوة العسكرية الأميركية لوقف الفظائع التي ترتكب في دارفور. وفي وقت كان الآلاف يتعرضون فيه في دارفور للقتل، دافعت عن التدخل العسكري الأميركي في مقالات الصحف وشهادة الكونغرس.

وتعتبر رايس (47 عاما) أطول من شغل موقع مستشار السياسة الخارجية في إدارة أوباما، المرشحة المحتملة لشغل منصب وزيرة الخارجية خلفا لهيلاري كلينتون إذا ما فاز الرئيس بفترة ثانية.

رايس الفاتنة والبسيطة والمرحة والأم الفخورة التي تتباهى بأطفالها، كانت باحثة في منحة رودس ونالت شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة أكسفورد. وكسفيرة للولايات المتحدة نالت شهرة في قوة الشخصية والاستبداد في بعض الأحيان والقوة بين أقرانها من الدبلوماسيين.

تتحدث رايس بصوت صاخب وتداهن وتلقي باللعنات وتشارك في المناظرات القوية بشأن إيران وسوريا مع السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، وقد وصفها أحد أعضاء المجلس مرارا بـ«البلدوزر» والمديرة.

وقال الدبلوماسي، الذي طلب عدم ذكر اسمه لتجنب انتقاد رايس: «لديها علاقة خاصة مع تشوركين، فهما يحبان هذا النوع من العراك».

هناك آخرون كانوا يشعرون بالقيد نتيجة ما وصفه الدبلوماسي بشخصيتها الآسرة والغياب الدائم من مناقشات مجلس الأمن، وخلال رحلة المجلس إلى السودان التي قادتها رايس، احتج السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة جيرارد أرود، بالقول: «نحن لسنا 14 قزما ولا هي سنو وايت!».

وقد رفض مسؤولو البيت الأبيض التكهن حول الشخص الذي سيقود فريق السياسة الخارجية الأميركية في حال فوز الرئيس أوباما بفترة رئاسية ثانية، لكنهم أشاروا إلى أن الرئيس أوباما يعتقد أن رايس أنجزت بعض الأولويات الرئيسية بالنسبة لإدارته بما في ذلك قرارات فرض عقوبات على إيران وكوريا الشمالية وتأمين أغلبية ضئيلة في مجلس الأمن لدعم استخدام القوة في ليبيا، لكنهم قالوا إن روسيا، وليست رايس، هي المسؤولة عن عدم قدرة الولايات المتحدة على إنهاء العنف في سوريا.

ويقول بين روديز، نائب مستشار الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية: «أنا لا أعرف من هو وزير الخارجية القادم، لكن الحقيقة هي أن سوزان منحازة تماما إلى الرئيس ورؤيته العالمية وكانت قادرة على تقديم انطباع عملي للغاية كسفيرة للولايات المتحدة. وأعتقد أنها ستواصل العمل كمستشارة مهمة له في الفترة المقبلة».

عندما احتاجت الإدارة إلى مسؤول للتنديد بالفيديو الذي نشر على «يوتيوب» والذي أطلق شرارة العنف في الشرق الأوسط أنيطت هذه المهمة برايس. قدمت رايس رسالة الإدارة في كل الشبكات التلفزيونية تقريبا بأن الحكومة الأميركية لا علاقة لها بالفيديو. لكنها تعرضت لانتقادات من قبل الجمهوريين لقولها إن الهجوم الذي وقع على القنصلية في ليبيا وقتل خلاله أربعة أميركيين لم يكن مخططا له، تلك القضية التي لم تحل بعد.

لكن المنتقدين في نيويورك لا يزالون يصرون على أن أسلوب رايس الأرعن أحيانا ما يمثل دبلوماسية مجازفة معقدة وأن دعمها لحقوق الإنسان كان انتقائيا.. فيقول كنيث روث، المدير التنفيذي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»: «تميل (رايس) لأن تكون الأقوى عندما ترتكب انتهاكات حقوق الإنسان من قبل خصوم الولايات المتحدة، لكنها تكون أقل تشددا عندما ترتكب الانتهاكات من قبل أصدقاء الولايات المتحدة، مثل رواندا أو إسرائيل أو الحكومات في المنتصف مثل سريلانكا».

ويضيف روث أنه يعتقد أن رايس سعت هذا الصيف إلى منع صدور تقرير للأمم المتحدة يتهم رواندا بدعم متمردي الجيش في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقال إن قلق رايس من فشل إدارة كلينتون في وقف المذابح الجماعية في رواندا خلق نقطة عمياء في رؤيتها لحقوق الإنسان بالنسبة للرئيس الرواندي بول كاجامي، الذي أنهت انتصاراته العسكرية الصراع.

برزت رايس كنجم في مجلس الأمن القومي في إدارة بيل كلينتون عام 1994، حيث كانت تجري عمليات القتل في رواندا ولم يتدخل المجتمع الدولي، ثم عادت في ما بعد لتخبر سامانثا باورز، الصحافية في ذلك الوقت ومساعدة أوباما حاليا، قائلة: «أقسمت لنفسي إنني إن واجهت أزمة كهذه مرة أخرى، فسوف أدعم العمل العسكري، وسأترك عملي إن فشلت في ذلك».

وقالت رايس لصحيفة «واشنطن بوست» إنه «ليس صحيحا» أنها حاولت إعاقة التقرير الأخير بشأن الكونغو، وأكدت على أنها طلبت فقط تأجيل صدور التقرير لمنح رواندا فرصة عادلة للرد وأنها انتقدت رواندا بشدة على المزاعم بالتدخل في الكونغو.

وأوضح مسؤول في الإدارة أنها خلال رحلتها إلى رواندا في نوفمبر (تشرين الثاني) انتقدت بشدة القمع السياسي في رواندا وأنها تعرضت لانتقادات عنيفة في رواندا ردا على ذلك.

وجاءت تصريحاتها قبل يوم واحد من وصول عائلتها إلى رواندا لقضاء عطلة وبعد يوم واحد من زيارتها لليبيا. وسعت في حديثها إلى مقارنة تجارب البلدين، قائلة للحضور في رواندا: «بالأمس فقط كنت في ليبيا، وأعلم من زيارتي لرواندا عام 1994 أن مثل هذه الفظائع كانت محتملة في ليبيا ما لم يتم ردع القذافي. علمت أنه كان ينبغي علينا التحرك كما فعل الرئيس أوباما».

وعبر إدوارد لوك المستشار الخاص للأمم المتحدة لمسؤولية الحماية، مذهب الأمم المتحدة الذي يلزم الدول بالتحرك لوقف المذابح الجماعية، عن قلقه من أن يزيد تباهي واشنطن وباريس بإسقاط القذافي من صعوبة التوصل إلى اتفاق مع الرئيس السوري لحماية المدنيين، وهو ما يعوق الجهود الدولية لتعزيز الميثاق.

وقال: «أعتقد أنهم فقدوا الرؤية في كلتا الحالتين للقضية الجوهرية المتمثلة في حماية الأفراد بمرور الوقت واهتموا بمسألة تغيير النظام».

وأصرت رايس على أنه «لو أن الأوضاع سارت بشكل مختلف في ليبيا لأبدى الروس استعدادا لوضع الضغوط على الأسد». ولكن نظرا لعدم قدرة المجلس على التحرك، سعت رايس إلى سلك درب أكثر حذرا بشأن سوريا، رافضة التدخل الأميركي. وقالت: «أنا لا أؤيد وجهة النظر بأن هذا وضع يكون فيه التدخل العسكري الخارجي من الحكمة بالنسبة للولايات المتحدة والدول الأخرى. ولا أعتقد أن مسؤولية الحماية كانت في يوم من الأيام استجابة شائعة تطبق بصورة آلية في كل مكان تسوء فيه الأوضاع».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»