مشروع «الاتحاد الخليجي» عنوان للنقاش في منتدى دولي عقد في باريس

سفير فرنسا في الرياض: الاتحاد سيعزز الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي

TT

نظم «مركز الدراسات العربي - الأوروبي» بالتعاون مع غرفة التجارة الفرنسية - العربية مؤخرا في باريس ندوة تحت عنوان «تحديات العالم العربي الداخلية والخارجية». وطرحت خلال الندوة الكثير من الأسئلة: «إلى أين يتجه مشروع اتحاد الخليج العربي وما هي منطلقاته ومسبباته وحظوظ نجاحه؟ وما هو الإطار الإقليمي والدولي الذي يندرج في سياقه؟ وكيف تفسر ردود الفعل العربية والإقليمية عليه؟ هذه بعض الأسئلة التي طرحت.

الإجابة على هذه التساؤلات ليست سهلة والآراء بشأنها متفاوتة. غير أن المتحدثين في هذه الندوة التي أدارها الدكتور عبد العزيز بن صقر، رئيس مجلس الخليج للأبحاث وشارك فيها سفير فرنسا في الرياض برتراند بيزانسنو ومندوب السعودية الدائم لدى اليونيسكو الدكتور زياد الدريس والدكتور عبد الله الأشعل، مساعد وزير خارجية مصر السابق والباحث في مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية الدكتور أشرف كشك حاولوا كل من جانبه الإضاءة على هذا الموضوع وتقديم قراءة معمقة له. غير أنه تبين سريعا أن هناك «ثوابت» في استكناه معنى الدعوة إلى الاتحاد الخليجي أساسها، كما قال الدكتور بن صقر، أن صيغة مجلس التعاون «لم تعد مناسبة لمواجهة (التحديات) التي تطرح على هذا التجمع الإقليمي. وسرد بن صقر 13 عاملا تسوغ الدعوة إلى الاتحاد أهمها تدهور الأوضاع في البيئة الخليجية المباشرة ممثلة بإيران والعراق واليمن وتعاظم مخاطر تهديد الأمن والاستقرار وظاهرة استغلال دول إقليمية ودولية للثغرات الموجودة في صيغة المجلس والخلل في التوازن الأمني والعسكري في المنطقة وتراجع الدور الأميركي الأمر الذي يستدعي وجود قوة خليجية ذاتية والخلل الديموغرافي وفي التركيبة السكانية والحاجة إلى استنهاض السوق الخليجية».... وكانت التطورات في البحرين المؤشر على الحاجة لتطوير صيغة مجلس التعاون إلى اتحاد.

وقال الدكتور عبد الله الأشعل إن التحول من التعاون إلى الاتحاد تطور طبيعي نصت عليه المادة الأولى من القانون الأساسي للمجلس التي تقول إن الدول الست التي يتشكل منها مجلس التعاون تبدأ بالتنسيق والتعاون لتصل إلى الوحدة. وشدد الأشعل على توافر العوامل الموضوعية التي تدفع باتجاه الاتحاد نافيا أن يكون ثمة تناقض بين الأمن القومي «العربي» وقيام الاتحاد لا بل إنه رأى في مشروع الاتحاد «رافعة» لتطوير العمل العربي المشترك.

وقدم السفير برتراند بيزانسنو قراءة لمشروع الاتحاد من الزاوية السعودية التي تنظر بقلق إلى مخاطر اهتزاز الوضع في منطقة الخليج والنتائج المترتبة على تحولات الربيع العربي والشكوك إزاء السياسة الأميركية ليس فقط إزاء تخليها عن أصدقائها بل بسبب تراجع مواقفها إزاء الملف الفلسطيني وعجزها عن استخدام الضغوط على إسرائيل لتسهيل الوصول إلى تسوية. ورأى بيزانسنو أن النظرة الخليجية إلى إيران التي تتجاوز ملفها النووي إلى ما تعتبره «سياسة تخريبية» في البحرين واليمن مثلا تحفز الدول الخليجية على رص صفوفها والتقارب مع دول تقترب منها في نظامها السياسي «الأردن والمغرب أو باكستان وتركيا...».

واعتبر السفير الفرنسي أن صدور الدعوة إلى الاتحاد من السعودية «ليس مفاجأة» كما أن اختلاف ردود الفعل عليها من الدول الخمس الأخرى لم تكن مفاجأة هي الأخرى. وبحسب بيزانسنو، فإن الرياض ترى أن الاتحاد «أمر طبيعي» وأن المخاوف التي صدرت هنا أو هناك من «الهيمنة» عرف مثلها الأوروبيون في مسيرتهم إلى الاتحاد. والخيط الجامع بين التحفظات التي صدرت أنها إما تريد «ضمانات» للمحافظة على السيادة الوطنية أو احترام «خصوصية» كل بلد من البلدان المكونة الاتحاد الموعود الأمر الذي جعل قمة الرياض في شهر مايو (أيار) الماضي تقر التقدم «خطوة خطوة» والبحث في «مشاريع محسوسة» بين الدول المعنية. أما أولويات الاتحاد فتشمل الاقتصاد «إيجاد سوق مشتركة وعملة موحدة وتعظيم العلاقات والمبادلات» والأمن «توفير الإمكانيات العسكرية المشتركة لمواجهة التحديات الخارجية...» والسياسة «التحول إلى قطب نمو واستقرار في المنطقة». وبحسب بيزانسنو فإن اتحادا كهذا سيسهل التعاون بين الاتحاد الأوروبي والخليج ويفتح مزيدا من الآفاق للتعاون بين الجانبين ودفعا للشراكة الاستراتيجية بينهما.

أما الدكتور زياد الدريس الذي تحدث بـ«صفته الشخصية وليس الرسمية» فقد رأى أن صيغة الاتحاد تلائم تكوين المنطقة والمجتمعات الخليجية أكثر من صيغة التعاون لأن الأولى «تنص بصراحة أكبر على الالتزامات المشتركة ولا تترك مجالا للمناورة أو المماطلة». ولاحظ الدريس أن الإعلان عن الدعوة إلى الاتحاد جاء بعد يومين من الانسحاب الأميركي من العراق الذي ينظر إليه على أنه قدم هذا البلد لقمة سائغة لإيران.

ورصد الدريس ردود الفعل السلبية على الاتحاد التي جاءت من جهة، من إيران التي وصفت المشروع بأنه «مؤامرة أميركية - بريطانية» ومن بعض النخب الخليجية التي تتخوف من ثقل السعودية في الاتحاد. ويرى الدريس أن هذه المخاوف «ليس لها ما يبررها» لأن الجميع سيكون مستفيدا من الاتحاد في حال قيامه.