اتساع نطاق الحرب السورية يهدد العراق الهش.. ويدفعه للاقتراب أكثر من إيران

تنسيق بين متشددين عراقيين ونظرائهم السوريين

TT

تمثل الحرب الأهلية السورية اختبارا للمجتمع العراقي الهش والديمقراطية الوليدة وتدهور التوترات الطائفية وتدفع العراق للاقتراب من إيران وتسلط في الوقت ذاته الضوء على أوجه القصور الأمني بعد تسعة أشهر من انتهاء الاحتلال الأميركي الطويل والمكلف.

وخشية اتحاد المتمردين العراقيين مع المتشددين في سوريا لشن معركة على جبهتين لفرض الهيمنة السنية، أمر رئيس الوزراء العراقي مؤخرا الجنود على الحدود الغربية بعدم السماح للرجال البالغين، وحتى الأزواج والآباء الذين قدموا مع عائلاتهم لدخول العراق إلى جانب الآلاف من اللاجئين الراغبين في الهرب من الحرب الطاحنة في الجارة سوريا.

وحولت إمكانية اتساع نطاق الحرب السورية إلى دول الجوار انتباه المسؤولين الأميركيين إلى حقائق مفزعة، فرغم مرور قرابة تسع سنوات على الارتباط العسكري الذي يتواصل اليوم عبر برنامج مبيعات أسلحة بقيمة 19 مليار دولار، يبدو الأمن العراقي موضع شكوك وتزداد الروابط مع الحكومة الدينية في طهران. كما تبدي القيادة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة قلقا تجاه انتصار السنة في سوريا مما جعلها تتقرب بشكل أكبر إلى إيران، التي تقاسمها مصلحة مشتركة في دعم الرئيس السوري بشار الأسد.

وهناك بالفعل بعض المؤشرات على أن المتمردين في العراق حاولوا بالفعل التنسيق مع المقاتلين السوريين لشن حرب طائفية إقليمية، بحسب قادة قبليين عراقيين. ويقول الشيخ حميد الهايس، زعيم قبلي في محافظة الأنبار، غرب العراق، الذي قاد في السابق مجموعة من المتمردين ثم تحول إلى التحالف مع الأميركيين في قتال تنظيم «القاعدة» في العراق: «ذهب مقاتلون من الأنبار لدعم أبناء طائفتهم، السنة».

وفي رد على ذلك، حاولت القوات الأميركية تأمين مصالحها في العراق. لكنها فشلت في الضغط على العراق لوقف الرحلات الجوية الإيرانية التي تعبر المجال الجوي العراقي لنقل الأسلحة والمقاتلين إلى حكومة الأسد، على الرغم من نقل وكالة «أسوشييتد برس» عن مسؤول في الحكومة العراقية قوله إن العراق سيبدأ تفتيشا عشوائيا للطائرات الإيرانية.

ورغم تهديد بعض قادة الكونغرس بقطع المعونات عن العراق ما لم تتوقف الرحلات الجوية، تحاول الولايات المتحدة تسريع مبيعات الأسلحة إلى العراق للحفاظ عليه كحليف، بحسب الجنرال روبرت كاسلين، القائد الأميركي المسؤول عن هذه الجهود. ومع تدهور الأمن الإقليمي، تجد الولايات المتحدة صعوبة في تقديم الأسلحة، وبخاصة الأنظمة المضادة للطائرات، بسرعة كافية لإرضاء العراقيين، الذين يلجأون في بعض الحالات إلى أماكن أخرى، بما في ذلك روسيا. وقال الجنرال كاسلن، مسؤول مكتب البنتاغون في بغداد، التابع للسفارة الأميركية التي قامت بدور الوسيط في مبيعات السلاح للعراق: «على الرغم من رغبتهم في عقد شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، لكنهم يدركون المخاطر، ولذا يبدون رغبة في التعامل مع أي دولة قادرة على تزويدهم بالسلاح وتلبية احتياجاتهم لسد فجوة القدرات في أسرع وقت ممكن».

وستزود الولايات المتحدة العراق بمدافع مضادة للطائرات، مجانية، لكنها لن تصل قبل شهر يونيو (حزيران). وفي الوقت ذاته جمع العراقيون الصواريخ التي تعود إلى الحرب الباردة التي عثروا عليها في مخلفات قاعدة جوية شمال بغداد، ويحاولون إعادتها للعمل. كما يتفاوض العراق مع روسيا لشراء أنظمة دفاع جوي يمكن أن تسلم بشكل أسرع من تلك التي اشترتها من الولايات المتحدة.

وقال كاسلن: «يدرك العراق أنه لن يستطيع السيطرة على مجاله الجوي، وهم حساسون للغاية تجاه ذلك. ففي كل مرة تدخل فيها المقاتلات التركية المجال الجوي العراقي لقصف أهداف كردية يبدي المسؤولون العراقيون امتعاضا تجاه ذلك». ويقول إسكندر وتوت، الضابط السابق بالقوات الجوية العراقية وعضو لجنة الأمن بالبرلمان: «إن شاء الله سنزود العراق بالأسلحة كي يتمكن من إطلاق النار على هذه الطائرات».

ويتفاوض العراق والولايات المتحدة بشأن اتفاقية يمكن أن تسفر عن عودة وحدات صغيرة من الجنود الأميركيين إلى العراق في مهام تدريبية. وأوضح الجنرال كاسلن أنه بناء على طلب الحكومة العراقية تم نشر وحدة من قوات العمليات الخاصة في الجيش الأميركي مؤخرا في العراق لتقديم المشورة بشأن مكافحة الإرهاب والمساعدة في جمع المعلومات الاستخبارية.

ولذا، فبرغم التقارب مع إيران والتفكير في شراء أسلحة من روسيا، لا يزال العراق يسعى إلى الحصول على الدعم العسكري من الولايات المتحدة. وربما يعود ذلك إلى أن العراق لا يزال يواجه تمردا قويا أثارت هجماته الأخيرة التساؤلات بشأن قدرات قوات مكافحة الإرهاب العراقية على مواجهة التهديد.

وأوضح الهايس أن المتمردين في الأنبار شكلوا وحدات تابعة لتنظيم «القاعدة» تحت اسم «الجيش العراقي الحر»، تمثلا بنظرائهم من السوريين. وقال: «إنهم يعقدون اجتماعات ويجندون مقاتلين»، كما تملك هذه المجموعة حسابا على (تويتر) و(فيس بوك)».

وقد انتشرت وحدات مماثلة في محافظة ديالى، مستغلة حالة الاستنفار في سوريا كأداة لتجنيد المزيد من المقاتلين، بحسب مسؤولين محليين. وعند وفاة مقاتلين في سوريا تقيم العائلات جنازات سرية، حتى لا تثير انتباه القوات الأمنية التي يهيمن عليها الشيعة، من أنهم أرسلوا بأبنائهم إلى سوريا. وأقيمت أحد هذه الجنازات لمقاتل مؤخرا، وأشاعت عائلته أنه توفي في حادث تصادم في الأردن، وليس ما حدث فعليا من أنه سقط خلال معارك حلب، بحسب ضابط استخبارات محلي.

وفي الوقت الذي يفكر فيه صناع القرار الأميركيين بالتدخل في الحرب السورية، يبدون قلقا من تحول الحرب إلى صراع طائفي واسع النطاق، كالذي اجتاح العراق في الفترة بين عامي 2005 و2007. والعراقيون الذين فروا إلى سوريا وعادوا الآن لا باختيارهم بل للنجاة بحياتهم، لأن سوريا صارت عراقا بالفعل.

وتقول زينة رضا (29 عاما)، التي عادت إلى بغداد بعد سبع سنوات قضتها في دمشق: «لقد تحولت إلى ما كان عليه العراق». ويقول عبد الجبار ستار، أعزب في الأربعينات من العمر إنه بعد مقتل كثير من كبار القادة الأمنيين في يوليو (تموز) وتعرض حيه لكثير من القصف، عاد إلى العراق بمجموعة من الملابس وحفنة من المال سرقت منه خلال هربه. وقال: «إنه نفس الموقف الذي حدث في العراق، والكل يخشى بعضهم البعض».

* خدمة: «نيويورك تايمز»