أوباما أمام الأمم المتحدة: سنحاسب من يؤذي مواطنينا وأصدقاءنا.. والفيلم المسيء مثير للاشمئزاز

أوباما أكد على ضرورة مواجهة «الديكتاتور الأسد».. و«النووي» الإيراني خطر على الاقتصاد العالمي * بان كي مون يحذر من «كارثة عالمية» بسبب الأزمة السورية

الرئيس الأميركي باراك أوباما أثناء إلقاء خطابه في الدورة الـ 67 للجمعية العامة للأمم المتحدة (أ.ب)
TT

«أريد أن أبدأ اليوم بالحديث عن أميركي اسمه كريس ستيفنز». هكذا بدأ الرئيس الأميركي باراك أوباما خطابه أمام الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة.. طريقة استثنائية للحديث عن حدث تعتبره الولايات المتحدة استثنائيا وخطيرا. إذ إن مقتل ستيفنز، السفير الأميركي لدى ليبيا في 11 سبتمبر (أيلول) الذي تعتبره واشنطن مثالا على الوجه الذي تريد أن تقدمه للعالم، وما صاحبه من مهاجمة السفارات الأميركية على أثر استغلال متظاهرين الفيلم المسيء للإسلام حجة لأعمال عنف، طغت على خطاب الرئيس الأميركي أمس الذي أكد رفضه الإساءة للرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولكن أيضا رفض بحزم استخدام العنف للتعبير عن الاحتجاج عن مثل هذه الأعمال.

كما كانت الأزمة السورية والملف الإيراني والتغييرات السياسية في العالم العربي كلها حاضرة في خطاب أوباما، ولكن لم تعد الأولى في أولوياته، إذ كان القسم الأكبر من الخطاب حول استهداف الولايات المتحدة واستهداف ما سماها «القيم التي تم إنشاء الأمم المتحدة على أساسها» من خلال التطرف والعنف. وتحدث أوباما عن تجربة ستيفنز في العالم العربي، وبلاغته في اللغة العربية، وتواصله مع شعوب المنطقة، قائلا إنه كان يعشق عمله وكان «فخورا بالبلد الذي خدمه ورأى كرامة الشعوب التي التقاها». وأوضح أنه تحدث مطولا عن ستيفنز الذي «قتل في المدينة التي ساعد على إنقاذها» لأن «كريس ستيفنز يمثل أفضل وجه لأميركا». وأضاف: «إنه تصرف بتواضع ولكن كان يدافع عن عدد من المبادئ؛ الاعتقاد بأن الناس يجب أن تكون حرة لتحديد مستقبلها، وأن تعيش بحرية وكرامة وعدالة وفرص». وحرص أوباما على الإشادة بالليبيين الذين تظاهروا ضد مقتل ستيفنز وعبروا عن حبهم له، ووضعوا صوره على صفحاتهم على موقع «فيس بوك».

وقال أوباما إن الهجوم على المدنيين في بنغازي، الذي أدى إلى مقتل 3 بالإضافة إلى ستيفنز، كان هجوما على الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن بلاده ممنونة من الحكومة الليبية على المساعدة التي حصلت عليها واشنطن منها ومن الشعب الليبي، مؤكدا عزم بلاده «ملاحقة القتلى ومحاسبتهم». وأضاف أنه يقدر أيضا الخطوات التي أخذها قادة مصر وتونس واليمن لتأمين السفارات الأميركية. إلا أنه شدد على أن «الهجمات التي شهدناها خلال الأسبوعين الماضيين ليست فقط هجوما على أميركا، بل هجوم على المبادئ التي تم تأسيس الأمم المتحدة عليها، على فكرة أنه يمكن للشعوب أن تحل خلافاتها بسلم وأن الدبلوماسية يمكن أن تحل محل الحرب». واعتبر أنه في حال كان العالم «جديا» في سعيه لحماية تلك المبادئ «لن يكون كافيا أن نزيد عدد الحراس أمام سفارة أو نشر تصريحات ندم.. بل علينا أن نتحدث بصراحة حول الأسباب الأعمق وراء هذه الأزمة».

وأضاف أنه يمكن تحقيق ذلك بالتأكيد من الأمم المتحدة بأنه «لا مكان للعنف وعدم التسامح» بين الدول. وهنا ربط أوباما بين ما سماه بـ«الربيع العربي» والثورات العربية ودعم الولايات المتحدة لها لـ«أننا نؤمن بأن الحرية وتحقيق المصير لا تخص ثقافة واحدة، وهي ليست فقط مبادئ أميركية أو غربية، بل مبادئ عالمية.. وأن هناك تحديات جسيمة تأتي مع الانتقال إلى الديمقراطية»، ولكنه رأى أن في النهاية ستجلب نتائج أفضل لشعوب العالم. وأضاف: «أحداث الأسابيع الأخيرة تذكرنا بأن الطريق إلى الديمقراطية لا ينتهي مع التصويت.. الديمقراطية الحقيقية تطالب بعدم اعتقال المدنيين بسبب آرائهم، وأن الشركات يمكن أن تفتح من دون دفع رشاوى».

وتحدث أوباما مطولا عن أهمية احترام الثقافات المختلفة، ومعتبرا الفيلم المسيء للإسلام «مثيرا للاشمئزاز، ولقد أوضحت أن الحكومة الأميركية لا علاقة لها بهذا التسجيل وأعتقد أنه يجب رفض محتواه من قبل كل الذين يحترمون إنسانيتنا المشتركة». وأضاف أن الفيلم يشكل «إهانة ليس فقط للمسلمين بل للأميركيين أيضا.. فنحن بلد لمسلمين مؤمنين في كل أرجائه، ونحن لا نحترم فقط حرية الديانة بل لدينا قوانين تحمي الأفراد من الأذى بسبب هويتهم أو ما يؤمنون به». وأضاف: «نحن نتفهم لماذا يشعر الناس بالإساءة بسبب الفيلم، لأن الملايين من مواطنينا من بينهم». ولكنه أجاب على من يتساءل حول أسباب عدم منع التسجيل، قائلا: «دستورنا يحمي حق حرية التعبير عن الرأي». ولفت إلى أن «غالبيتنا في الولايات المتحدة مسيحيون، ولكننا لا نمنع تعابير ضد مقدساتنا.. أنا كرئيس للبلاد وقائد القوات العامة أقبل بأن أناسا سيسمونني أسماء سيئة، وسأدافع دائما عن حقهم في ذلك». ولفت إلى اعتباره أن «السلاح الأقوى ضد الكلام المبني على الكراهية ليس الحقد بل المزيد من الكلام - أصوات التسامح التي تعمل ضد العنصرية والكفر، والتي ترفع قيم التفاهم والاحترام المتبادل».

وخلال الخطاب الذي استمر 31 دقيقة، عرض أوباما أبرز اهتماماته للعلاقات الخارجية، التي تركزت على العالمين العربي والإسلامي. وكانت رسالته واضحة: «علينا الاتفاق، لا يوجد كلام يبرر العنف اللاعقلاني، لا توجد كلمات تبرر مقتل الأبرياء، ولا يوجد فيلم يبرر مهاجمة سفارة.. أو عذر لحرق مطعم في لبنان أو هدم مدرسة في تونس أو القتل والتدمير في باكستان». واعتبر أن ما حدث خلال الأسبوعين الماضيين «تتطلب منا جميعا أن نعالج التوتر بين الغرب والعالم الإسلامي الذي يتقدم نحو الديمقراطية». وبينما أكد أن أحداث العنف لا تمثل أغلبية المسلمين، فإن منتجي الفيلم المسيء لا يمثلون الأميركيين، لكنه شدد على أن «واجب جميع القادة في كل الدول أن يتحدثوا بقوة ضد العنف والتطرف». وطالب بـ«تهميش من يستخدمون كراهية أميركا أو الغرب أو إسرائيل كمبدأ أساسي للسياسة»، حتى وإن لم يدعوا للعنف المباشر. وقال إن هذا النوع من العمل السياسي لا يمكن أن «يحقق آمال الحرية.. حرق العلم الأميركي لا يقدم التعليم لطفل، وتكسير مطعم لا يعالج الجوع ومهاجمة سفارة لن تخلق فرصة عمل واحدة». وشدد على أن «المستقبل لن يكون لمن يستهدف الأقباط المسيحيين في مصر، بل يجب أن يكون لمن نادى في ميدان التحرير (مسلمون ومسيحيون نحن شعب واحد)».

وأكد أوباما على التزام بلاده بلعب دورها في العالم، مؤكدا «سنحاسب من يؤذي مواطنينا وأصدقاءنا وسنقف إلى جوار حلفائنا»، لكنه لفت إلى أن تلك الجهود في بناء عالم أفضل مع الشركاء تعتمد على «احترام ومصالح متبادلة». وانتقل أوباما باختصار في خطابه إلى قضايا مهمة في العالم العربي. إذ قال إن «في سوريا، يجب ألا يكون المستقبل ملكا لديكتاتور يذبح شعبه»، معتبرا أن «إذا كانت هناك قضية تتطلب التظاهر السلمي، فهو نظام يعذب الأطفال ويقصف المباني» في إشارة إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وأضاف: «علينا أن نقف مع السوريين الذين لديهم رؤية مختلفة، رؤية لسوريا عالمية وشاملة.. ويكون لدى جميع السوريين رأي في كيفية حكمهم، سنة وعلويين وأكرادا ومسيحيين». وأضاف: «هذا هو الهدف الذي سنعمل من أجله، مع العقوبات والنتائج لمن يضطهد الآخرين، ومع الدعم والمساعدة لمن يعمل لهذا الصالح المشترك، لأننا نعتقد أن السوريين الذين يحتضنون هذه الرؤية ستكون لديهم القوة والشرعية للقيادة». واتهم أوباما إيران بالمساعدة في الإبقاء على ديكتاتور في السلطة في سوريا، وقال إن الوقت حان لعزل أولئك الذين جعلوا كراهية الولايات المتحدة وإسرائيل أو الغرب مبدأهم السياسي الرئيسي. وقال أوباما في إشارة إلى الأسد «مثلما يقيد حقوق شعبه فإن الحكومة الإيرانية تدعم ديكتاتورا في دمشق، وتعزز منظمات إرهابية في الخارج». وأضاف: «نعلن مرة أخرى أن نظام بشار الأسد يجب أن يزول، وكذلك معاناة الشعب السوري يجب أن تتوقف ويجب أن يبدأ فجر جديد».

وفيما كرر أوباما تنديده بالنظام الإيراني أشاد بالشعب الإيراني و«تاريخه اللافت». واعتبر أن النظام الإيراني «فشل مرة تلو الأخرى في انتهاز فرصة إثبات أن برنامجه النووي سلمي، وأن يلتزم بالتزاماته أمام الأمم المتحدة». وكان أوباما واضحا في موقفه من إيران، قائلا: «لأكون واضحا، أميركا تريد حل هذه القضية من خلال الدبلوماسية، ونؤمن بأنه ما زال هناك وقت ومجال لذلك، ولكن الوقت ليس من دون حدود». وأضاف: «من دون شك، إيران لديها سلاح نووي تحدٍّ لا يمكن احتواؤه، سيعني التهديد بمحو إسرائيل وسيهدد أمن دول الخليج واستقرار الاقتصاد العالمي». وأضاف أن ذلك أيضا «يهدد إطلاق سباق تسلح نووي في المنطقة وانهيار معاهدة منع انتشار السلاح النووي، لهذا هناك تحالف من الدول لتحاسب الحكومة الإيرانية، ولهذا الولايات المتحدة ستقوم بما يجب أن تقوم به لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي». وفي ما يخص القضايا السياسية في العالم الإسلامي، شدد على أن مستقبل الفلسطينيين والإسرائيليين يجب ألا يكون لمن «يدير ظهره على أمل السلام»، مكررا دعوته لدعم حل الدولتين.

ومن جهته، كرر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تحذيره من تدهور الأوضاع في سوريا، قائلا: «الوضع في سوريا يزداد سوءا يوما بعد يوم، والأزمة لم تعد محدودة في سوريا فقط، بل هي كارثة إقليمية مع تداعيات عالمية». وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أن هذه الأزمة بحاجة إلى «عمل في مجلس الأمن»، مجددا نداءه للمجتمع الدولي وخاصة مجلس الأمن «لدعم وثيق» للمبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي. وأضاف: «يجب أن نوقف العنف ونوقف تدفق السلاح إلى الطرفين، وأن ندعم عملية انتقال (سياسي) يقودها السوريون».