انفجاران ضخمان يهزان دمشق

الشبيحة يردون بارتكاب المجازر.. والعاصمة مغلقة

مجموعة من الجنود السوريين يقفون أمام مبنى هيئة الأركان الذي تعرض لتفجيرين أمس (أ.ف.ب)
TT

للمرة الثالثة استهدف مبنى قيادة الأركان في العاصمة دمشق، الكائن في حي أبو رمانة وعلى مقربة من ساحة الأمويين، حيث هز انفجاران ضخمان المدينة في الساعة السابعة إلا عشر دقائق، تبعه أصوات إطلاق نار كثيف واشتباكات سمعت أصواتها في كافة الأحياء المحيطة؛ الروضة والمالكي والمهاجرين، كما امتدت الاشتباكات إليها، في غضون ذلك أغلقت كل مداخل المدينة وحصلت أزمة مرورية خانقة، إذ وقع الانفجار وإغلاق الطرقات بالتزامن مع موعد بدء الدوام في العمل والمدارس.

وكالعادة اختلفت الروايات حول ما حصل في دمشق يوم أمس، التي تحولت بعد ساعات قليلة من التفجير إلى ما يشبه مدينة أشباح بعد خلوها من المارة، ومع أن التلفزيون السوري ووسائل الإعلام كانت أول من أورد نبأ وقوع انفجارين ضخمين قرب مبنى قيادة الأركان وإحداث حريق هائل، إلا أنها لم تبث صورا إلا بعد مضي عدة ساعات، وكان التلفزيون الرسمي وقناة «سما» التي خلفت قناة «الدنيا» يبثان أغاني فيروز وفواصل لصور سياحية عن دمشق، في وقت كان السوريون يتواصلون عبر الهواتف للاطمئنان على سلامة بعضهم بعضا في حالة ذعر شديد، وقالت شاهدة عيان لـ«الشرق الأوسط» وهي تسكن في مبنى مطل على قيادة الأركان في أبو رمانة: «إن الانفجارين أعقبهما إطلاق نار كثيف وشوهدت عشرات سيارات الإسعاف تهرع للمكان وشاهدت على الأقل ثلاث جثث أخرجت من قيادة الأركان» وتضيف أن «أغلب المباني المحيطة بالأركان تحطم زجاجها» لافتة إلى أن قوات الأمن والشبيحة بعد الانفجار بنحو ساعة شنوا حملة مداهمات عنيفة للمنازل المحيطة بموقع الانفجار، وقاموا بتفتيشها تفتيشا دقيقا وكانوا متوترين جدا وتصرفوا بشكل هستيري وكسروا وخربوا كل ما وقعت عليه أيديهم، وأن ذلك ترافق مع إطلاق نار كثيف في الشوارع المحيطة، وأضافت هيفاء: «لم نجرؤ على الاقتراب من النوافذ بسبب أصوات الرصاص الذي كان يهطل كالمطر لعدة ساعات».

وتبنت مجموعة إسلامية التفجيرين اللذين استهدفا أمس مبنى الأركان العامة في دمشق، مؤكدة أن منفذيه هم خمسة من أفرادها بينهم انتحاري، بحسب ما جاء في بيان نشر على الإنترنت.

وقال «تجمع أنصار الإسلام - دمشق وريفها» في بيان: «قام أحد مجاهدينا الاستشهاديين باستهداف المدخل الرئيسي للمبنى عن طريق تفجير سيارته، بينما قامت مجموعة ثانية مؤلفة من أربعة مجاهدين (..) باقتحام المدخل، وقاموا بالتعاون مع بعض الشرفاء من داخل المبنى بتفجير العبوات المزروعة في الطابق الثالث».

وأكد المتحدث باسم المجلس العسكري في دمشق وريفها أحمد الخطيب لوكالة الصحافة الفرنسية عبر «سكايب» مشاركة التجمع في العملية، مؤكدا في الوقت عينه أن «أكثر من 4 كتائب من ضمنها أنصار الإسلام» شاركت في العملية، من دون أن تتضح الروابط بين الجيش الحر والمجموعة الإسلامية التي تبنت الهجوم.

وجاء في بيان للتجمع الذي سبق له تبني عمليات ضد القوات النظامية في مناطق سورية مختلفة: «قامت ثلة من المجاهدين الأبطال بالتعاون مع سرية الهندسة العسكرية في لواء الحبيب المصطفى (..) من تجمع أنصار الإسلام بتنفيذ عملية استشهادية معقدة استهدفت مبنى أركان العصابة الأسدية المجرمة».

وأشار البيان إلى أن أفراد التجمع «قاموا بالتعاون مع بعض الشرفاء من داخل المبنى بزرع 4 عبوات متفجرة من مادة شديدة الانفجار. وفي الساعة السابعة إلا خمس دقائق (4.55 ت غ) من صباح اليوم الأربعاء (..) بدأت العملية المباركة، مما دفع ضباط وجنود الأسد إلى الهروب من المبنى إلى الخارج، وجرح وتدمير كل ما كان موجودا في ساحة المبنى وتسبب بحريق هائل في المبنى نفسه».

وأضاف التجمع «إننا نحتسب عند الله تعالى 5 من مجاهدينا الأبطال شهداء أحياء عند ربهم يرزقون»، متوعدا «النظام المجرم» بعمليات إضافية «ستزلزل أركان حكمه المتهاوي أصلا».

لكن بيانا للقوات المسلحة السورية قال إن القادة العسكريين لم يصابوا بسوء، وإن عددا محدودا فقط من الحراس أصيبوا في الانفجارين اللذين هزا المدينة في هجوم يعتبر الأكبر وسط العاصمة منذ انفجار 18 يوليو (تموز) الذي استهدف مقر الأمن القومي وأسفر عن مقتل أربعة من كبار مسؤولي الأمن في النظام منهم صهر الأسد آصف شوكت ووزير الدفاع ورئيس مكتب الأمن القومي.

وبث ناشطون مقاطع فيديو وصورا فوتوغرافية على الإنترنت يوم أمس أظهرت الدخان الهائل الناجم عن حريق اندلع بعد الانفجار في مبنى قيادة الأركان العامة، حيث طوقت ألسنة النار الطوابق العليا للمبنى، مما يرجح أن الانفجار حصل داخل المبنى. الذي تفحمت بوابته الرئيسية من الحريق في حين أن جميع نوافذ المبنى نسفت. وتناثرت قطع الزجاج في الشوارع المجاورة. وقالت هيفاء إنها شاهدت «المبنى يحترق بالكامل» المكتب الإعلامي للمجلس العسكري في دمشق وريفها أوضح في بيان له أن الانفجارين حصلا «خلال فاصل زمني لا يتعدى 5 دقائق وتبين أن جهة الانفجارين من داخل مبنى الأركان العامة» وتبع الانفجارين إطلاق رصاص كثيف و«إغلاق تام لجميع الشوارع المؤدية لأبو رمانة والمالكي وساحة الأمويين ومشفى الشامي بالإضافة لإغلاق طريق نزلة الجندي المجهول».

وبعد نحو ساعتين من وقوع الانفجارين بينما كان صوت الرصاص مازال مسموعا في عدة أحياء بقلب العاصمة قال وزير الإعلام عمران الزعبي في اتصال مع التلفزيون السوري: إن كل القيادات العسكرية والمسؤولين في قيادة الأركان ووزارة الدفاع بخير. وأضاف أن قوات الأمن تلاحق «إرهابيين مسلحين» مشيرا إلى أن الانفجارين ناجمان عن زرع عبوتين ناسفتين واقتصرت الأضرار على الماديات.

إلا أن ناشطين تحدثوا لوسائل الإعلام عن هجوم تم عبر تفجير سيارة ملغومة في عملية انتحارية، وسيارة ثانية محملة بالمتفجرات عند محيط المجمع. بعدها حاول مقاتلون من الجيش الحر اقتحام المبنى واشتبكوا مع الحرس داخل المجمع، في حين بدأ بعض الرجال في إحراق المبنى. وتتقاطع هذه الرواية مع ما قاله ناشط دمشقي يعيش في محيط الأركان في اتصال مع «الشرق الأوسط» أنه «بعد وقوع التفجيرين في مبنى الأركان حصلت انشقاقات في صفوف الأمن والجيش ودارت اشتباكات بينهم وبين بقية العناصر، استغرقت عدة ساعات حتى تمكنت قوات النظام من فرض سيطرتها على المبنى حيث تم قتل غالبية العناصر المنشقة وملاحقة آخرين في الحارات والأحياء المجاورة. وبعد أن انتهت الاشتباكات قام شبيحة النظام بالنزول إلى ساحة الأمويين أمام مبنى التلفزيون وأنزلوا الموظفين وراحوا يهتفون للرئيس ويحتفلون وسط إطلاق نار كثيف، كما جابت باصات الشبيحة الشوارع رافعة الأعلام». وتحولت مدينة دمشق يوم أمس إلى مدينة مغلقة، ترافقت مع استنفار وتأهب أمني شديد، وقالت الهيئة العامة للثورة السورية إن حملة تفتيش دقيق للمارة نساء ورجال جرت في سوق الحميدية الذي تمركز على مداخله رشاشات مضادة للطيران. مع انتشار أمني كثيف في كل من شارع خالد بن الوليد والحجاز وجسر فيكتوريا، التي تعد الوسط التجاري الحيوي في المدينة مع قطع للشوارع المحيطة بمقر قيادة الشرطة، ومنع مرور السيارات من حاجز وزارة الداخلية إلى كل من ساحة الحريقة وساحة المحافظة. وذلك بعد قطع كافة الطرق المحيطة بمقر قيادة الأركان ومحيط قصر المهاجرين بحواجز جديدة، وإغلاق الطرق الواصلة بين قدسيا ودمر والهامة والربوة وساحة الأمويين، وإغلاق ساحة العباسيين وأتوستراد العدوي، وأتوستراد درعا، وكافة الطرق من برزة إلى داخل مدينة دمشق، وطرق الزاهرة القديمة والميدان.

وبالتزامن مع الاستنفار الأمني وضمن سياق تداعيات الهجوم على مقر الأركان أعلن ناشطون عن قيام شبيحة النظام بارتكاب مجزرة مروعة في حي برزة، قضى فيها 16 مدنيا من عائلتين بينهم نساء وأطفال وشيوخ والشخص الوحيد الذي حاول إنقاذ طفله، نجا الطفل وقضى الأب، وخرج الطفل الذي عقدت الصدمة لسانه ليشير للجيران عن وقوع مجزرة. وقال ناشطون لـ«الشرق الأوسط» إن هذه المجزرة وقعت بينما كانت الاشتباكات دائرة في ساحة الأمويين، وجاء انتقاما من الهجوم على مقر الأركان، فيما قالت لجان التنسيق المحلية إن مجزرة أخرى حصلت في منطقة الذيابية في ريف دمشق، الذي يشهد عمليات عسكرية موسعة للنظام قريبا من منطقة السيدة زينب جنوب العاصمة قضى فيها أكثر من 107 أشخاص تم إعدامهم ميدانيا، وبحسب ناشطين أن غالبية الضحايا من المسنين والنساء والأطفال تم التنكيل بهم، وبعضهم قضوا ذبحا على يد قوات الأمن والشبيحة ومن بين القتلى 4 أشخاص من الجنسية الفلسطينية من عائلة أبو راس و9 شهداء من عائلة الرفاعي وتم العثور على الجثث في أماكن متفرقة من البلدة، وذلك بعد انسحاب قوات النظام منها.