مرسي: سوريا مأساة هذا العصر.. ونرفض التدخل الأجنبي فيها

ندد بالفيلم المسيء وأكد «معاداة» من يسيء للرسول الكريم

الرئيس المصري مرسي خلال خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس (رويترز)
TT

أكد الرئيس المصري محمد مرسي خلال خطابه الأول أمام الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة أمس، عزمه مواصلة العمل من أجل التوصل إلى حل للأزمة السورية التي سماها «مأساة هذا العصر».

وتحدث مرسي بحماس في خطابه عن ضرورة وقف إراقة الدماء السورية، وضرورة العمل على حل عربي وإقليمي ودولي يسمح بإزالة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن من دون تدخل عسكري خارجي، أكد رفضه له.

وتطرق في خطابه ظهر أمس إلى الثورة المصرية وشعور الشعب المصري بالفخر بثورته، بالإضافة إلى رؤيته للسياسة الخارجية، مؤكدا التزام مصر بدورها العربي والأفريقي.

وبدأ مرسي خطابه بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، قائلا: «الصلاة على الرسول محمد الذي نحترم من يحبه ونعادي من يمسه». ثم كرر الصلاة مجددا على الرسول الكريم، وكرر آيات من القرآن الكريم، منها «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (صدق الله العظيم).

وبعد «السلام بتحية الإسلام» للمجتمعين في مقر الجمعية العامة، تحدث مرسي عن أهمية الثورة المصرية، قائلا: «إن حضوري اليوم وحديثي إليكم يحمل معاني كثيرة، تتجلى في أنني أول رئيس مصري مدني منتخب ديمقراطيا بإرادة شعبية حرة، في أعقاب ثورة سلمية عظيمة، شهد له العام كله، هذه الثورة التي استنت شرعية حقيقية لكافة أبناء مصر». وأضاف أن «كل مصري اليوم يشعر بثقة بالنفس تضعه على أرضية أخلاقية وحضارية»، مؤكدا: «حققنا خطوات فعالة في مسيرة النهضة سعيا لما يتطلع إليه شعب مصر لإقامة الدولة الحديثة المدنية الديمقراطية الدستورية القانونية الحديثة». وتحدث مرسي عن طبيعة الدولة الحديثة التي يتطلع إليها المصريون: «دولة تقوم على سيادة القانون والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.. تنشد الحق والعدل والحرية».

واعتبر أن «الثورة المصرية التي أسست الشرعية التي أمثلها أمامكم اليوم، لم تكن نتاج لحظة أو انتفاضة عابرة، كما لم تكن أبدا رياحا هبت في ربيع أو خريف، بل جاءت نتيجة لكفاح طويل وإرادة الحياة مع أبناء الوطن جميعا». وأضاف أن «هذه الثورة تعبر عن حكمة التاريخ، وتدق ناقوس تحذيرا لكل من يريد أن يقدم مصالحه على مصالح الشعوب». وبعد ذلك، انتقل مرسى إلى القضايا الخارجية، قائلا إن سياساته مبنية على «سياق الندية والاحترام المتبادل، يشمل عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى»، واعتمادا على ميثاق الأمم المتحدة والعمل على «تسوية المشكلات دون الإخلال بمبادئ القانون أو القيم الثابتة».

وبدأ مرسي هذا الجزء من خطابه بالتأكيد على حق الفلسطينيين في إقامة دولة ذات سيادة. وقال إن «عقودا طويلة مضت، منذ أن عبر الشعب الفلسطيني عن عزمه بناء دولته، ورغم جهاد هذا الشعب المتواصل، وتبنيه كافة الأساليب المشروعة، رغم كل ذلك، تظل هذه الشرعية الدولية، والقرارات الدولية عاجزة حتى اليوم عن تحقيق تطلعات وآمال شعب فلسطين، وتظل القرارات بعيدة عن التمثيل».

وأضاف أن «ثمار الحرية والكرامة لا ينبغي أن تكون بعيدة عن المجتمع الفلسطيني»، معتبرا أن استمرار الاستيطان أمر «مشين» يجب مواجهته. وأكد دعم مصر لأي تحرك فلسطيني في الجمعية العامة، قائلا لباقي الوفود المشاركة: «أدعوكم لدعم أبناء فلسطين للحصول على كافة الحقوق». وأضاف: «عازمون على مواصلة العمل إلى الجانب الفلسطيني بكل أبنائه وفصائله»، أي عدم قبول تمييز بين الفصائل الفلسطينية.

ثم انتقل إلى الأزمة السورية التي تحدث مطولا عنها، وبحماس، وأحيانا من دون الرجوع إلى النص المجهز سابقا. واعتبر أن «هذه الأزمة كلنا مسؤولون عنها، إنها مأساة هذا العصر». وقال: «لا بد ونحن نتكلم أن نتناول القضية التي باتت تؤرق العالم كله، وهو نزيف الدم والمأساة في سوريا»، مضيفا: «إن نزيف الدم الذي ينبغي أن يتوقف فورا هو شاغلنا».

وشدد على أن «إن الدماء التي تسيل على أرض سوريا الشقيقة الحبيبة، أثمن من أن تهدر هكذا ليل نهار»، وأن ذلك هو ما دفع مصر للتحرك وإطلاق المبادرة الرباعية مع السعودية وتركيا وإيران. وقال: «هذا هو جوهر التحرك الذي تقدمت به في مكة المكرمة ولاحقا، درءا لاستمرار معاناة أبناء سوريا وتحول الصراع إلى حرب أهلية شاملة يتطاير شررها إلى ما يتعدى سوريا ودول الجوار المباشر». واعتبر أن المبادرة المصرية «أظهرت قواسم مشتركة بين الأطراف، وسنواصل العمل»، لكنه لم يعلن عن أي نتائج ملموسة حتى الآن. وتابع أن «هذه المبادرة ليست مغلقة، بل مفتوحة لكل من يريد أن يحل هذه الأزمة».

وأوضح أن هدف العمل «كي يختار (الشعب السوري) بإدارته الحرة، (بعد أن ينتهي النظام السوري)، نظاما للحكم يعبر عنه ويضع بلاده في مكانها في مصاف الدول الديمقراطية، لتستأنف إسهامها في العمل العربي المشترك». وأضاف أن «مصر ملتزمة بمواصلة ما بدأته لإنهاء هذه المأساة في إطار عربي وإقليمي ودولي.. المبادرة تحافظ على أراضي سوريا وجميع شعبها». وشدد على مصر تسعى لتجنيب «سوريا خطر التدخل الأجنبي الذي نرفضه تماما». وعبر عن دعم بلاده لمهمة المبعوث العربي - الدولي الأخضر الإبراهيمي، وطالب بدعم المعارضة، و«تشجيع المعارضة على طرح رؤية مشتركة لانتقال سياسي منظم.. يحفظ لكل مكون مكانا أساسيا في سوريا الجديدة بعد مصر الجديدة - إن شاء الله».

وعبر مرسي عن طموحه القومي، قائلا: «مصر ستعمل مع أشقائها العرب كي تحتل هذه الأمة مكانتها اللائقة»، مضيفا أن «مصر تنظر إلى الإسهام بالغ الأهمية الذي تمثله الأمة العربية ضمن المحيط الإسلامي كضرورة للارتقاء بالعمل المشترك ضمن منظمة المؤتمر الإسلامي». وشدد الرئيس المصري أيضا على أهمية الملف الأفريقي، مطالبا بدعم السودان. وقال: «يحتاج أشقاؤنا في السودان إلى الدعم اليوم أكثر من أي وقت مضى... لقد قدم السودان تضحيات كبيرة بحثا عن السلام والاستقرار وكان أول من اعترف بدولة جنوب السودان، إلا أنني أقول بصراحة إنه لم يحصل على الدعم الذي يستحقه». وأضاف: «يجب التقريب بينه وبين دولة جنوب السودان». وتحدث أيضا عن أهمية عملية الانتقال السياسي في الصومال، ودعا «الأمم المتحدة لإبقاء دعم الصومال لإعادة الاستقرار وتحقيق تطلعات الشعب الصومالي لغد أفضل».

وفي ما يخص الوضع الإقليمي، طالب مرسي بجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي، وعلق بأن «مبادئ الحق والعدل تتطلب أيضا تحقيق السلم والاستقرار في الشرق الأوسط».

وربط بين الثورات ورفض الأسلحة النووية، قائلا: «سعى البعض لوضع الاستقرار على أسس واهية بناء على الاستبداد، ولكن شعوب المنطقة لن تسمح ولن تتسامح مع غبن حقوقها.. إن إرادة الشعوب في منطقتنا لم تعد تتقبل استمرار أي دولة بعينها خارج معاهدة منع الانتشار النووي إرادة الشعوب ولا عدم تطبيق نظام الضمانات على منشآتها النووية». وحذر من «قانون الغابة» في حال سمح بامتلاك دولة سلاحا نوويا، من دون أن يشير مباشرة لإسرائيل أو إيران. وقال مرسي إن مصر تعمل على استقرار منطقة الشرق الأوسط، وجعلها خالية من أسلحة الدمار الشامل، وإن دول المنطقة العربية لن تسمح بوجود دولة خارج اتفاقية انتشار الأسلحة النووية، مطالبا بمشاركة كافة الأطراف المعنية في منع الانتشار النووي، ومؤكدا تدعيم حقوق الشعوب العربية والإقليمية في الحصول على الطاقة النووية السلمية في الوقت ذاته.

يذكر أن إسرائيل أعلنت بداية هذا الشهر رفضها حضور المؤتمر، وقال مرسي أمس: «لا بديل عن التخلص من الأسلحة النووية وكافة أسلحة الدمار الشامل». وأضاف: «نؤكد على حق دول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وحق مصر بالطبع».

ولفت إلى قضايا أخرى، مثل إصلاح الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن. ودعا إلى ضرورة «الاهتمام بقضايا المرأة والشباب»، بينما حذر من أن «النظام الدولي لن يستقيم طالما بقيت ازدواجية في المعايير».

وعاد في نهاية خطابه إلى قضية الفيلم المسيء للإسلام، قائلا: «نطلب من الآخرين أن يحترموا خصوصيتنا وعدم تسييس قضايا بعينها للتدخل في شؤون الآخرين»، واعتبر ما «يتعرض إليه المسلمون والمهاجرون في عدد من مناطق العالم من تمييز وانتهاك لحقوقهم الأساسية، وحملات ضارية للنيل من مقدساتهم، أمرا غير مقبول». وأضاف أن «ما وقع من تصرفات من بعض الأفراد ومن إساءة لرسول الإسلام نرفضه ولا نقبله ونعادي من يفعله، ولن يسمح لأحد بذلك بقول أو فعل.. ذلك يتنافى مع أبسط مبادئ مع هذه المؤسسة».

واعتبر أن «علينا جميعا أن نتكاتف في التصدي لتلك الأفكار الرجعية... علينا التحرك سويا في مواجهة التطرف والتمييز في مواجهة الحض على كراهية الغير بناء على الدين أو العرق.. إن على الجمعية العامة وكذلك على مجلس الأمن مسؤولية رئيسية للتصدي لهذه الظاهرة».

وأضاف أن الأعمال المسيئة التي نشرت مؤخرا كجزء من «حملة منظمة للمساس بمقدسات المسلمين أمر مرفوض، وعلينا أن نتدارس كيف نستطيع جميعا أن نحمي العالم من زعزعة أمنه واستقراره». وأضاف: «إن مصر تحترم حرية التعبير التي لا تستغل في التحريض على الكراهية ضد أحد أو استهداف دين أو ثقافة بعينة، بل حرية التعبير التي تتصدى للتطرف والعنف»، مؤكدا: «نقف بحزم ضد اللجوء إلى استخدام العنف في التعبير عن رفض تلك السفاهات».

واختتم خطابه بالقول: «أنظر إلى الأمام بتفاؤل كبير وأرى السلام الذي ندعو إليه وهو يعم هذا العالم، السلام الذي يعطي الجميع حقوقهم ولا يميز بين هذا وهذا.. كلي أمل في مستقبل أفضل لهذا العالم الذي أرجو له كل الخير».