قريع: محاكمة «أوسلو» و«باريس» خارج السياق الزمني مستحيلة

قال إن حياة الفلسطينيين مليئة بالعيوب والجراحات وأقلها الاتفاقات

أحمد قريع
TT

قال أحمد قريع، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير: «إن بيت الداء الفلسطيني يكمن في الاتفاق السياسي المرحلي الذي تجاوز آجاله الزمنية المقررة»، داعيا إلى عدم محاكمة اتفاق أوسلو وما تضمن من اتفاقات مثل اتفاق باريس الاقتصادي، خارج السياق الزمني الآن، وإنما بدء عمل منهجي مدروس، يعاد فيه بناء التحالفات بما يضمن إعادة الاعتبار للوضع الوطني.

وجاءت شهادة المفاوض المخضرم في «ورقة موقف» تناقش اتفاق باريس، وزعها «الملتقى الفكري العربي»، وقال فيها قريع: «إذا ما أردنا أن نسمي الأشياء أسماءها الصحيحة، ونضع أصابعنا على الجرح تماما، ونتحدث بالفم الملآن دون تأتأة، فإن علة العلل، وبيت الداء الفلسطيني المقيم منذ نحو عشرين عاما، لا يكمن في اتفاق باريس الاقتصادي، الذي لم نرمه بحجر حتى انفجار الأزمة الأخيرة، وإنما يكمن هناك في موضع آخر، أي في الالتزام الدقيق بتنفيذ الاتفاق السياسي المرحلي الذي تجاوز آجاله الزمنية المقررة، ودخل في شبه غيبوبة مديدة، وبدا هذا الاتفاق كأنه اتفاق دائم لإدارة الأزمة التاريخية لا حلها، وهو أمر انسحب بالضرورة على فرعه الاقتصادي».

وأضاف: «لذلك، فإنه يجب علينا ألا نضيع اتجاه البوصلة، لا اليوم ولا غدا، وأن نصب جهودنا على الهدف الأوسع نطاقا، والأشد أهمية، ونعني بذلك العمل على إلزام إسرائيل بتنفيذ بنود اتفاقات المرحلة الانتقالية، وتطبيق ما تم الاتفاق عليه بمقتضى ما وقعنا عليه مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، عوضا عن الدخول في مناكفات داخلية لا طائل من ورائها، ولعله من غير الجائز محاكمة واقعة خارج سياقها الزمني وظروفها الخاصة».

ودافع قريع عن الاتفاقات، في وقت بدأت القيادة السياسية برام الله بحث إمكانية إلغاء اتفاق أوسلو وباريس، وإيجاد بدائل لهما، وقال إن هذه الاتفاقات وقعت «في ظروف كان الفلسطينيون يحاولون فيها الانتقال من فضاء التاريخ إلى حيز الجغرافيا، والعبور إلى أرض الوطن بلا عدة ولا عتاد».

ويرى قريع أن معركة الفلسطينيين اليوم ليست مع اتفاق باريس الاقتصادي، «على أهمية الدعوة لتطوير هذا الاتفاق الذي لا يمكن التخلص من تبعاته دون إنجاز معركة الحرية والاستقلال، بل (إنهاء الاحتلال) و(تحويل اتفاق باريس الاقتصادي إلى اتفاق تعاون اقتصادي بين كيانين مستقلين)». ومضى يقول: «إن حياتنا الداخلية مليئة بالعيوب والنواقص والتراجعات حتى إن اتفاق باريس يبدو بينها كأنه الأقل مدعاة للتذمر وموضعا للاحتجاج». وتساءل: «فكيف لنا أن نشكو من الصداع وفي الجسد الفلسطيني جراحات راعفة ملأها الصديد لشدة الإهمال؟!».

ومع ذلك، لا يعارض أبو علاء إعادة فتح اتفاق باريس، وقال: «أضع نفسي في خدمة هذا الهدف بما يتلاءم والواقع الفلسطيني الذاتي، الذي تغير كثيرا عما كان عليه واقع الحال الاقتصادي عام 1994»، لكنه يعتبر «أن بلوغ هذا الهدف لن يتحقق بالصراخ والشكوى والتظلم والنكايات، بل من خلال عمل منهجي مدروس، نعيد فيه الاعتبار لوضعنا الوطني الذي لا يسر، وإعادة بناء تحالفات أعمق وأوسع نطاقا، تتيح لنا من موقع أكثر ندية طلب تغيير الأوضاع القائمة، وإنهاء سيطرة الاحتلال، وتنفيذ الاتفاقات الموقعة؛ أي إنهاء المرحلة الانتقالية، بما في ذلك اتفاق باريس الاقتصادي، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين، وتحرير أسرانا من سجون الاحتلال الإسرائيلي».

وموقف قريع قريب كثيرا من موقف رئيس الوزراء سلام فياض الذي لا يرى في الاتفاق المشكلة، بقدر ما يراها داخلية وفي الاحتلال الذي يتحكم في الحياة الفلسطينية.

وكان أبو علاء رئيس الوفد الفلسطيني الذي توصل إلى اتفاق باريس، ومضى مدافعا: «إن اتفاق أوسلو وملاحقه، بما في ذلك بروتوكول باريس الاقتصادي، لم يأت نتيجة معركة عسكرية ظافرة، تمكن المنتصر فيها من إملاء شروطه وانتزاع كامل حقوقه، وإنما جاء كحصيلة لنضال وطني شاق وطويل، تراكمت خلاله عوامل إيجابية متفرقة أفضت بنا إلى إقامة سلطة مفتوحة السيادة، وإرساء أول مداميك الكيان الوطني وإجراء الانتخابات وبناء أولى المؤسسات». وأضاف: «دارت مفاوضات باريس الاقتصادية في حينه تحت سقف المرحلة الانتقالية، مما جعلها تجري في مجريات المؤقت، لم يكن اتفاق باريس الاقتصادي اتفاقا عظيما، ولم تتح بنوده إقامة بنية اقتصادية متحررة ومتوافقة تماما مع أماني الشعب الفلسطيني، لكنه اتفاق أحدث فرقا ملموسا في حياتنا اليومية».

وتحدث قريع عن جوانب إيجابية في الاتفاق، مثل تحرير جزئي لمرحلة انتقالية مؤقتة لاقتصاد وطني منهك، وحرية الاستيراد والتصدير عبر سائر المعابر البرية والجوية والبحرية المسيطر عليها من جانب إسرائيل، والحصول على عوائد الجمارك التي تدفع على المستوردات الفلسطينية عبر تلك الموانئ، والحق في فرض الضرائب المباشرة، مثل ضريبة الدخل والأملاك والأراضي وجميع الرسوم البلدية، وفق المتطلبات المالية والاقتصادية الفلسطينية، وتحويل 75% من عوائد ضرائب العمال الفلسطينيين في إسرائيل، وشمولهم بالتأمين الاجتماعي والخدمات الصحية، وإنشاء سلطة نقد فلسطينية مستقلة تقوم مقام البنك المركزي ما عدا إصدار العملة. وأضاف، «إنه أول اتفاق اقتصادي من نوعه يكرس لنا حقوقا مسلوبة، ويضعنا على أول الطريق الطويل نحو امتلاك القرار الاقتصادي المستقل، وإدارة بيتنا الوطني تحت سلطة وطنية انتقالية مؤقتة».