مسؤولون أميركيون ولبنانيون: حزب الله يعزز دعمه للنظام السوري

حزب الله أصبح أكثر تورطا في الصراع السوري ولكنه يسعى للحفاظ على بقاء أنشطته طي الكتمان

TT

أكد مسؤولون حكوميون في الولايات المتحدة الأميركية ولبنان، أن حزب الله قد صعد من دعمه للحكومة السوري، حيث قام بإرسال مستشاريه العسكريين إلى سوريا لمساعدة النظام السوري في حربه الدامية ضد المعارضة.

ويعتبر تورط حزب الله في سوريا مؤشرا واضحا على أن الثورة السورية باتت تثير اهتمام جيران سوريا، وهو ما قد يؤدي إلى توسعة نطاق الصراع وتهديد استقرار المنطقة بأسرها. ومن ناحية أخرى، يمثل هذا التورط منعطفا يسبب قلقا شديدا بالنسبة للثوار السوريين الذين يواجهون بالفعل واحدا من أقوى الجيوش في المنطقة، ثم أصبح يتعين عليهم الآن التعامل مع ميليشيا منضبطة ومتطورة مثل حزب الله.

واتهمت الحكومة الأميركية حزب الله في الشهر الحالي بتقديم المساعدة للحكومة السورية، وهو الادعاء الذي نفاه الحزب. وسوف يمثل أي اعتراف بقيام حزب الله بتقديم المساعدة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، مخاطرة كبيرة بتفاقم التوترات بين حزب الله والقوى السنية في لبنان، الذين يؤيدون المعارضة السورية، التي يشكل السنة غالبية أفرادها.

ولكن المسؤولين اللبنانيين يؤكدون أنه بات من الصعب إخفاء الدعم الذي يقدمه حزب الله للنظام السوري، والذي زاد بصورة ملحوظة منذ الانفجار الذي وقع في دمشق في يوم 18 يوليو (تموز) والذي أسفر عن مقتل أربعة من كبار المسؤولين الأمنيين في سوريا، بما في ذلك آصف شوكت - صهر بشار الأسد.

يقول المسؤولون والمحللون اللبنانيون إن ميليشيات حزب الله تحارب الآن - ويلقى بعض أفرادها حتفهم - في المعركة الدائرة في سوريا، رغم أن المسؤولين الأميركيين لم يؤكدوا بعد دور حزب الله في هذا الصراع. يستشهد المسؤولون اللبنانيون بالجنازات السرية التي تتم في المنطقة التي يسيطر عليها حزب الله في لبنان، حيث يتم تحذير عائلات «الشهداء» من الحديث حول الظروف التي أحاطت بمقتل أبنائهم.

وقال مسؤول حكومي لبناني متحالف مع كتلة سياسية معارضة لحزب الله، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية هذا الموضوع: «ينشط حزب الله في دعم النظام السوري من خلال إرسال ميليشياته إلى هناك»، مضيفا: «إنهم متورطون للغاية في القيام بدور قتالي والمشاركة في القتال هناك».

يمتلك حزب الله ميليشيات مدربة ومسلحة بصورة جيدة للغاية، تعتبر القوة المقاتلة الأكبر في لبنان، فضلا عن امتلاكه حزبا سياسيا قويا، يقوم بإدارة عدد من المنظمات التي توفر الخدمات الاجتماعية للمسلمين الشيعة، وهم المؤيدون الرئيسيون للحزب، في شتى أنحاء البلاد.

ويؤكد المسؤولون اللبنانيون أن الشباب الموالي لحزب الله يقومون بتجنيد متطوعين للقتال في سوريا ببعض القرى الواقعة جنوب لبنان وفي سهل البقاع في شرق البلاد، فضلا عن تنظيم جنازات سرية للشباب الصغير الذي يلقى حتفه في سوريا في بعض المناطق التي تعتبر معقلا للشيعة في لبنان.

وفي الشهر الحالي، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن فرض عقوبات على حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، فضلا عن اثنين آخرين من قيادات الحزب، لهما علاقة بالأنشطة التي يقوم بها الحزب في سوريا، متهمة حزب الله بـ«توفير التدريب والمشورة والدعم اللوجيستي الواسع للحكومة السورية»، مؤكدة أن حزب الله ساعد الحكومة السورية أيضا على دفع قوات الثوار للخروج من بعض المناطق في سوريا.

ويأتي الدور المتصاعد الذي يقوم به حزب الله في الصراع الدائر بسوريا في نفس الوقت الذي يتضح فيه قيام قوات الحرس الثوري الإيراني بلعب دور كبير في سوريا أيضا، حيث تؤكد وزارة الخزانة الأميركية أن الطرفين يقومان بتنسيق جهودهما العسكرية في سوريا وأن حزب الله ساعد قوات الحرس الثوري الإيراني على تدريب بعض القوات السورية.

يؤدي الصراع الدائر في سوريا إلى تقسيم المنطقة على أسس طائفية، حيث تدعم القوى الشيعية الرئيسية، إيران وحزب الله، حكومة بشار الأسد العلوية، وهي إحدى الطوائف المتفرعة من المذهب الشيعي، بينما تدعم المملكة العربية السعودية وقطر وكافة البلدان ذات الأغلبية السنية قوات الثوار، التي يشكل السنة غالبيتها.

وبسؤاله عن الدور الذي يلعبه حزب الله وقوات الحرس الثوري الإيراني في الصراع السوري، يقول مسؤول بارز في الاستخبارات الأميركية إن كلا الطرفين قد قاما بتوسيع وجودهما ودورهما في سوريا في الأشهر القليلة الماضية. يضيف نفس المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته نظرا لحساسية هذا الموضوع، أنه من الواضح أن الطرفين قد توقفا عن القيام بعمليات أو تنفيذ هجمات في الوقت الحالي.

ربما يعتبر تورط حزب الله في الصراع السوري مؤشرا قويا على المعارك الشرسة التي تنتظر قوات الثوار في سوريا، حيث يتمتع مقاتلو حزب الله بخبرة كبيرة في حرب العصابات، نظرا لخوضهم حربا ضد الجيش الإسرائيلي عام 2006، التي لم يستطع الجيش الإسرائيلي حسمها لصالحه، لذا فإن وجود مقاتلي حزب الله في سوريا قد يعتبر أداة تكميلية مفيدة للغاية بالنسبة للجيش السوري، الذي يتمتع بالخبرة في الحروب التقليدية، حيث ستوفر للجيش السوري معلومات جيدة عن العمليات التي يقوم بها الثوار.

وبينما رفض المتحدث الرسمي باسم حزب الله، الذي تمكنا من الوصول إليه عبر الهاتف في بيروت يوم الجمعة الماضية، التعليق على المزاعم الخاصة بتورط الحزب في الصراع السوري.

يؤكد المسؤولون الحكوميون اللبنانيون أن حزب الله قد أصبح أكثر تورطا في هذا الصراع، ولكنه يسعى للحفاظ على بقاء هذه الأنشطة في طي الكتمان، حيث يشدد مسؤول حكومي لبناني، وهو عضو في كتلة سياسية معارضة لحزب الله، على أن العشرات من مقاتلي حزب الله قد لقوا مصرعهم في سوريا.

لا يحصل مقاتلو حزب الله الذين يلقون حتفهم في سوريا على الجنازات العامة المهيبة التي يقوم الحزب بتنظيمها عادة لمقاتليه الذين يستشهدون في الاشتباكات التي تجري مع الجيش الإسرائيلي، وبدلا من ذلك، يتم دفن «الشهداء» بصورة سرية، ويتم التشديد على ذويهم بألا يتحدثوا عن الظروف التي أحاطت بمقتل أبنائهم، حسب ما أكد ثلاثة مسؤولين حكوميين لبنانيين، جميعهم أعضاء في كتلة سياسية معارضة لحزب الله.

يؤكد أحد هؤلاء المسؤولين الثلاثة أن عددا من الأسر قد اشتكت إلى حزب الله بصورة عنيفة من مقتل أبنائهم في سوريا ومراسم الدفن السرية التي جرت لهم. هناك جدل كبير يدور الآن داخل المجتمع الشيعي في لبنان، وحتى بين مناصري حزب الله، بشأن الصراع السوري، حيث يقول البعض إن الحرب في سوريا لا تحظى بنفس مكانة الكفاح ضد الإسرائيليين.

ويؤكد أحد هؤلاء المسؤولين أن إعلانات النعي الخاصة بمقاتلي حزب الله بدأت الظهور في بعض الصحف المحلية اللبنانية، مثل صحيفة «السفير»، من دون الإشارة إلى الظروف المحيطة بمقتل هؤلاء الأشخاص.

كان هناك استثناء واحد لمراسم الدفن السرية التي تجرى لمقاتلي حزب الله، حسب ما يؤكد لقمان سليم، وهو ناشط سياسي يدير مبادرة «هيا بنا» وهي مبادرة مدنية تهدف إلى جعل السياسات اللبنانية أقل طائفية، الذي كثيرا ما يتعرض بالنقد لحزب الله.

يقول سليم إنه في أوائل شهر أغسطس (آب) الماضي، لقي موسى علي شحيمي، وهو قائد عسكري بارز في حزب الله، مصرعه في سوريا، وتم تنظيم جنازة كبيرة له في لبنان من دون الإشارة إلى مكان أو سبب مقتله، بينما جرى تسليم جثث مقاتلي حزب الله الآخرين الذين لقوا مصرعهم في نفس وقت مقتل شحيمي إلى عائلاتهم في أوقات مختلفة، لتجنب لفت الانتباه.

قام موقع الانتقاد، وهو أحد المواقع الإخبارية الذي يديره بعض مناصري حزب الله، بنشر خبر عن جنازة شحيمي إلى جانب صورة مزعومة للجنازة في يوم 10 أغسطس. أظهرت الصورة وجود عدد من مقاتلي حزب الله وهم يحملون النعش الملفوف بعلم حزب الله، إلى جانب المئات من الأشخاص الذين كانوا يقفون في الشارع خلف النعش، بينما يؤكد الخبر الذي رافق الصورة أن شحيمي «قضى أثناء قيامه بواجبه الجهادي» من دون ذكر أي تفاصيل إضافية.

يضيف الخبر أن علي فياض وعلي عمار، اثنين من نواب حزب الله في البرلمان اللبناني، قد شاركا في مراسم الجنازة، وأن شحيمي قد تم دفنه في مقبرة «روضة الشهداء» ببيروت، وهو نفس المكان الذي دفن فيه عماد مغنية - القيادي العسكري الكبير في حزب الله الذي تم اغتياله في ظروف غامضة في العاصمة السورية دمشق عام 2008.

يقول سليم: «وحده موسى علي شحيمي هو من حظي بجنازة عامة»، مضيفا: «هناك جهاز كامل خاص بكيفية إدارة مثل هذه الجنازات».

ويشدد سليم على أن حزب الله يقدم مساعداته إلى الحكومة السورية في مجال الأخبار والدعاية أيضا، حيث يقوم خبراء الاتصالات في قناة «المنار» التلفزيونية التابعة لحزب الله بمساعدة قناة «الإخبارية» السورية الرسمية على تقديم الكثير من الأخبار المهنية من وجهة نظر الحكومة السورية.

ولكن الأمر الأكثر مدعاة للقلق بالنسبة لبعض اللبنانيين، هو وجود تقارير تفيد بقيام حزب الله باستهداف أعضاء المقاومة السورية بالقرب من المناطق الحدودية داخل الأراضي اللبنانية، حيث إن مثل هذه التقارير قد تشعل توترات طائفية مع السنة في لبنان.

أكد أحد كبار المسؤولين الأمنيين السابقين في لبنان أن الاشتباكات التي جرت بين الثوار السوريين ومقاتلي حزب الله داخل الأراضي اللبنانية في بداية فصل الصيف الحالي - قد أدت إلى مقتل اثنين من مقاتلي حزب الله.

يؤكد الكثير من المراقبين أن حزب الله يحاول عدم إثارة المشاكل في لبنان، حيث لا يرغب الحزب في انتشار الفتنة الطائفية داخل لبنان أو زعزعة استقرار الحكومة، التي يلعبون فيها دورا رئيسيا.

يقول بول سالم، مدير مركز كارنيغي لـ«الشرق الأوسط» في بيروت: «لا يرغب حزب الله في التسبب في وقوع نزاع داخل لبنان».

* ساهم في كتابة هذا التقرير غريغ ميلر من واشنطن، وسوزان هيدموس من بيروت.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»