رجال نتنياهو يهاجمون أوباما وهو يتصل به لجسر الهوة في الموقف من إيران

صحيفة إسرائيلية: نتنياهو بدأ عمليا معركته الانتخابية جاعلا موضوع الحرب عنصرا مركزيا فيها

الرئيس الأميركي باراك أوباما لدى اتصاله برئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو من البيت الأبيض أمس (رويترز)
TT

بعد أن هاجم رجاله الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على خطابه في الأمم المتحدة ووصفوه بأنه «مائع» و«لا يهز القيادة الإيرانية»، اتصل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالبيت الأبيض لمكالمة أوباما «بغية جسر الفجوات في المواقف بينهما، والتوصل إلى صيغة تتيح إقناع إيران بضرورة التخلي عن برنامجها النووي العسكري، والموافقة على فتح كل منشآتها النووية أمام الرقابة الدولية».

وجاء توجه نتنياهو هذا، أمس، بعد ساعات من إلقائه خطابا دراماتيكيا مطولا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، جعل محوره «خطر برنامج إيران النووي وصعود التطرف الإسلامي في الشرق الأوسط»، حسب تعبيره. ووجه نتنياهو تساؤلا إلى دول العالم قائلا: «بعد معرفتنا بالعدوانية الإيرانية من دون سلاح نووي، هل تتخيلون إيران مع سلاح نووي؟ من سيشعر بالأمان في الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا مع إيران نووية؟».

وقد اعتبرت صحيفة «هآرتس»، هذا الخطاب «حربجيا» بامتياز، وقالت إن الهدف الحقيقي منه هو بدء معركته الانتخابية. وقالت الصحيفة إن نتنياهو يريد إبقاء موضوع الحرب مسيطرا على الأجواء الانتخابية في إسرائيل، إذ إن المواطنين لا يطيقون سياسته الاقتصادية الاجتماعية الخطيرة. والسبيل الوحيدة لينسوا ضائقتهم هو في إعلاء شأن الموضوع الأمني.

وكان نتنياهو قد أسهب في خطابه، مكرسا حصة الأسد لبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، معترفا لأول مرة بأن مسار العقوبات ضد إيران، المتواصل منذ أكثر من 7 أعوام، قد حقق نتائج مهمة، إذ لحقت الاقتصاد الإيراني وقطاع النفط فيه أضرار ملموسة.. وأضاف نتنياهو: «لكن الحقيقة التي لا بد من قولها أن الإيرانيين لم يكفّوا عن برنامجهم النووي. بل ضاعفت إيران عدد أجهزة الطرد المركزي خلال الفترة المذكورة».

وراح رئيس الحكومة الإسرائيلي يلوّح بالخيار العسكري ضد إيران، قائلا: «هناك سبيل واحدة للتعاطي مع الوضع - وهو رسم خطوط حمراء واضحة لبرنامج إيران النووي»، وأردف نتنياهو مستشهدا بأحداث فرضت خلالها خطوط حمراء وأثبتت تراجع إيران: «قبل فترة ليست ببعيدة، هذه السنة، هددت إيران إغلاق مضيق هرمز - وقامت الولايات المتحدة برسم خط أحمر لها، فتراجعت إيران بعدها». ورفض تفسيرات الرئيس أوباما في رفضه وضع خطوط حمراء ضد القيادة الإيرانية، وقال إن «الخطوط الحمراء لن تعجل الحرب بل ستمنع حدوثها».

وعارض نتنياهو الفكرة السائدة في أوساط الاستخبارات الأميركية، وهي أن للاستخبارات الإسرائيلية والغربية القدرة على إنذار العالم مسبقا، في حال اقتربت إيران من نقطة (اللاعودة)»، وقال: «من المستحسن أن لا نعتمد على وكالات الاستخبارات في هذا الموضوع. لا يمكننا الرهان على سلام العالم مقابل الفرضية أننا سنجد في المستقبل منشأة صغيرة في دولة حجمها حجم أوروبا». واستعان نتنياهو خلال خطابه برسم توضيحي للخط الأحمر الذي تطرحه إسرائيل، فعرض رسما لقنبلة قسمها إلى 3 مراحل. فقال إن إيران عبرت المرحلة الأولى من تخصيب اليورانيوم بدرجة 70 في المائة، وهي تعمل الآن على المرحلة الثانية بهدف الوصول إلى نسبة 90 في المائة، وخلال شهور أو أسابيع قليلة ستنهي المرحلة الثانية وتصل إلى المرحلة الثالثة، التي يكون بمقدورها أن تنتج قنبلة نووية. وقال نتنياهو إنه في هذه الأقوال لا يستند إلى تقارير مخابرات سرية ولا إلى معلومات عسكرية إسرائيلية، بل إلى بيان اللجنة الدولية للطاقة النووية، المنشور على الشبكة العنكبوتية، وبإمكان كل شخص قراءته.

وبناء على ذلك، حدد نتنياهو الخط الأحمر الزمني الذي يجب وضعه أمام طهران، وهو الربيع المقبل، وفي أبعد حد الصيف المقبل، وبعدها، قال: «سيكون متأخرا بذل أي جهد لوقف المشروع النووي العسكري لإيران».

ومع أن مسؤولين في مكتب نتنياهو كانوا قد هاجموا الرئيس أوباما على خطابه من على المنبر نفسه، في يوم الثلاثاء الماضي، فقالوا إنه «مخيب للآمال الإسرائيلية» واعتبروه «خطابا مائعا لا يحدث أي تأثير على القيادة الإيرانية ولا يترك أي شعور بأن الغرب حازم في قراره لمنعها من التسلح النووي»، فإن نتنياهو أشاد بأقوال الرئيس أوباما التي أوضح فيها أن «إيران نووية ليست خيارا واردا».

وقال مسؤول إسرائيلي كبير، يرافق نتنياهو في الأمم المتحدة، لصحافيين أجانب، إنه من المتوقع إجراء مكالمة هاتفية بين نتنياهو وأوباما، غايتها جسر الفجوات، وتحسين الأجواء، بين الزعيمين.

إلا أن مسؤولين أميركيين حرصوا على إبلاغ ردهم على نتنياهو للصحافيين الذين يرافقونه في رحلته إلى نيويورك، فقالوا إن «نتنياهو ألقى خطابا دراميا، ولكنه لم يكن مقنعا. والإدارة الأميركية لم تقتنع برأيه أنه يجب وضع حدود حمراء أمام إيران». وأكدوا أن أوباما لم يستمع إلى خطاب نتنياهو، لأنه كان على متن طائرة الرئاسة، في طريقه إلى جولة انتخابية في ولاية فرجينيا. إلا أن الناطق بلسان مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، تومي فايتر، حاول التخفيف من تأثير أقوال هؤلاء المسؤولين فقال إن نتنياهو وأوباما متفقان على الأمر الجوهري، وهو منع إيران من امتلاك سلاح نووي.

وحرصت الصحافة الإسرائيلية على نشر تعليقات الصحف الأميركية والبريطانية على خطاب نتنياهو، التي بغالبيتها الساحقة استخفت بطريقته. فوصفته «نيويورك تايمز» بالمسرحية الكوميدية الفاشلة. وكتب الصحافي المشهور في صحيفة «أتلانتيك»، جفري غولدبيرغ «الآن يمكن القول رسميا إن نتنياهو لا يعرف ما الذي يفعله. فهو يجعل من موضوع جدي خطير مسخرة. وفكرته في تقديم رسم بسيط كهذا لقنبلة نووية مدمرة فكرة سيئة للغاية».

وكتبت هارييت شيروود أن نتنياهو تصرف مثل معلم في مدرسة ابتدائية. وقالت إنه كان مثيرا للسخرية. وأما صحيفة «واشنطن بوست» فقالت إن نتنياهو بدا مثيرا للضحك بشكل يتجاوز كل الحدود. وأجمعت الصحافة الإسرائيلية على انتقاد نتنياهو لأنه لم يتذكر أن خلافه مع الإدارة الأميركية قد يشوش على المعركة ضد إيران. وقال مراسل «هآرتس» في واشنطن، حيمي شليف، إن الخطاب قد يكون أثار غيرة الحزب الجمهوري الأميركي لأنه لا يوجد لديه مرشح رئاسة يتكلم بمستوى خطاب نتنياهو، ولكن هذا الخطاب لا يفيد في مواجهة النووي الإيراني.

وعلى صعيد السياسة الإسرائيلية، دافع نواب ووزراء اليمين عن خطاب نتنياهو، فاعتبروه بمثابة «ناقوس خطر يدقه أمام العالم». وفي اليمين المتطرف طالب النائب أريه الداد بالكف عن الكلام وعن تقديم الرجاء للغرب والقيام بضربة مفاجئة لإيران فورا. ولفت المعارضون الإسرائيلية النظر لمضيه قدما في الصدام الغبي مع واشنطن. وقال شاؤول موفاز، رئيس حزب «كديما» إن نتنياهو زاد من الهوة بين إسرائيل ودول الغرب. وقال إن وضع خط أحمر بهذه الطريقة المسرحية يصعب على الرئيس أوباما أن يضع خطا أحمر لإيران. ولو فعلها نتنياهو بطريقة سرية من خلال حوار ودي مع البيت الأبيض، لكان أحرز كثيرا من التأييد. وقال النائب ايتان كابل من حزب العمل، إن الأمر الوحيد الذي فعله نتنياهو ويجب شكره عليه هو أنه أوضح أن الحرب على إيران لن تتم قبل الصيف المقبل، وبذلك طمأن الجمهور الإسرائيلي القلق من الحرب.