خطاب عباس: لا مبالاة شعبية وتباين سياسي وهجوم إسرائيلي

المحبطون لم يتابعوا الخطاب كما فعلوا قبل عام.. ويعرفون أن رئيسهم أكثر إحباطا

TT

بخلاف العام الماضي عندما ألقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) خطابه من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يطلب دولة فلسطينية كاملة العضوية، لم ينتبه الفلسطينيون هذه المرة لخطابه وهو يطلب دولة غير عضو، كما يجب.

ويمكن القول إن الخطاب مر عاديا حتى في سائل الإعلام وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، ولم يثر حماسا كبيرا ولا جدلا صاخبا. وبينما كان عباس يلقي خطابه، كان الفلسطينيون مشغولين بتفاصيل حياتهم اليومية: عمل وسهر وتسوق، دون تجمعات سياسية ولا شاشات كبيرة تبث الخطاب، ولا أغان ولا هتافات ولا اصطفافات. ورصدت «الشرق الأوسط» ساعة بث الخطاب ردود فعل الناس. وقال أنصار سعادة، وهو طبيب في الأونروا: «لا يهمني أمره (الخطاب)». وأضاف: «أعرف أنه لن يأتي بجديد، مثلما لم يأت خطابه في العام الماضي». وتابع القول: «في المرة السابقة رفعوا السقف عاليا، ومن ثم هبطوا مسرعين. فضلت أن أقضي الوقت بصحبة أولادي على أن أقضيه في متابعة الخطاب».

ومثل سعادة، كان الكثيرون مشغولين ساعة بث الخطاب. الشوارع مكتظة بالسيارات، والمحال بالناس، والمقاهي بمحبي النرجيلة ولعب أوراق اللعب، ولا شيء غير عادي بدا يستدعي الاهتمام.

وقال ناشطون في حركة فتح لـ«الشرق الأوسط» إنهم أيضا لم يشاهدوا الخطاب، وكانوا مشغولين بالتجهيز للانتخابات المحلية لأنهم يعرفون سلفا مضمونه. وأضاف أحد ناشطي الحركة وطلب عدم نشر اسمه: «كنا مشغولين في التجهيز للانتخابات المحلية، نظنها معركة أكثر أهمية الآن، لم نتابع الخطاب لأننا نعرف أنه لن يغير شيئا». وحتى أولئك الذين تابعوا الخطاب أو مقتطفات منه، خرجوا بالنتيجة نفسها: «لا جديد». وكتب الصحافي حمدي فراج على صفحته على الموقع الاجتماعي «فيس بوك»: «عباس عاد من الأمم المتحدة.. تيتي تيتي، زي ما رحتي زي ما جيتي».

وربما فرض فقدان الأمل من العملية السياسية ومن الدولة، مع كثير من الغلاء ووضع اقتصادي متردٍّ، نفسه على الناس الذين بدوا حتى في أحاديثهم محبطين، ويعرفون أن رئيسهم أكثر إحباطا منهم.

ورافق هذه اللامبالاة الشعبية، تباين سياسي تحول في أحيان إلى هجوم، فقالت حركة حماس إن ما جاء في الخطاب «لا يعبر عن إجماع وطني فلسطيني». وقال القيادي في الحركة، صلاح البردويل: «دولة غير عضو في الأمم المتحدة، قضية مختلف عليها وطنيا ولا يوجد إجماع وطني عليها، وبالتالي فإنه (أبو مازن) يعبر عن وجهة نظر فريق من الشعب الفلسطيني وليس عن وجهة نظر الشعب الفلسطيني ككل». أما طاهر النونو، الناطق باسم الحكومة المقالة في غزة، فوصف الخطاب بأنه «يائس»، وقال إنه «يعكس فشل برنامجه السياسي».

وهو موقف حملة الجبهة الشعبية المنضوية في إطار منظمة التحرير، والتي قالت في بيان إن خطاب الرئيس «بمثابة إعلان فشل مطلق للمفاوضات وخيار ونهج أوسلو». وأضافت: «النتيجة الواحدة الوحيدة التي خلص إليها الرئيس في محصلة خطابه تستوجب الإقلاع الفوري عن مطاردة الأوهام واللهاث وراء سراب المفاوضات».

وكان أبو مازن قد أعلن في خطابه أن المشاورات بدأت مع مختلف المنظمات الإقليمية والدول الأعضاء كي تعتمد الجمعية العامة قرارا يعتبر دولة فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة خلال هذه الدورة، مطالبا العالم بدعم إقامة دولة فلسطينية حرة مستقلة. وعلق يوسف رزقة، مستشار إسماعيل هنية رئيس الحكومة التي تديرها حماس في غزة، قائلا: «كنا ننتظر شيئا جديدا ولم نجده». وأضاف: «إن مبادرة الرئيس الأخيرة التي ستحصل على أغلبية بسهولة في الجمعية العامة لن تحسن حياة الفلسطينيين». وتابع في مقال أنه يرى بالكاد فرقا بين سلطة تحت احتلال ودولة في ظل الاحتلال.

ويختلف الفلسطينيون حول هذا. فقالت فتح إن خطاب أبو مازن كان تاريخيا بامتياز. وأضاف الناطق باسمها فايز أبو عيطة: «وضع الرئيس العالم أمام مسؤولياته تجاه شعبنا». وتابع القول: «الرئيس يقول للعالم أجمع إن النكبة لن تتكرر ولن يكون هناك هجرة جديدة، وشعبنا سيبقى على أرضه ليقاوم الاحتلال بعد أن خبر التشرد في الأراضي العربية المجاورة، ونعتبر أن رسالة الرئيس رسالة الشعب الفلسطيني». أما إسرائيليا، فلم ينجُ عباس من هجوم لاذع. وقال موشيه يعالون، نائب رئيس الوزراء: «إنه خطاب حاقد، ويشير إلى عدم توفر الرغبة لديه في تهيئة شعبه للسلام».

ووصف وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، أبو مازن بـ«كاذب وخطابه تحريضي». وقال، خلال مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي: «إنه يكذب ويتبجح، ولا يمكن أن يكون شريكا لأي محادثات أو أي اتفاق تسوية». وتابع: «إنه يقول إن إسرائيل تقوم بتطهير عرقي، ومن الواضح أنه لا يستطيع القيام بأي شيء سوى التحريض على إسرائيل». وأردف بسخرية: «إنه يحول فشله الداخلي إلى اتهامات ضد إسرائيل.. لقد قام بزيارة مدينة باريس أكثر مما زار قلقيلية وطولكرم، لا يستطيع حل مشاكله الداخلية، فيصدرها لإسرائيل». وطالب وزير العلوم رئيس حزب «البيت اليهودي» الديني، دانيئيل هرشكوفيتس، بإسقاط مطالب الفلسطينيين بالحصول على دولة من على جدول الأعمال الإسرائيلي. وقال إن خطاب عباس «أثبت مجددا أن أي دولة فلسطينية قد تنشأ على الحدود الشرقية ستكون دولة معادية تعرض أمن إسرائيل ذات الخاصرة الضيقة جغرافيا للخطر، وهذا يؤكد أنه لا مجال إلا لدولة واحدة بين البحر المتوسط ونهر الأردن، وهي إسرائيل».