أطفال حلب: باعة على الطرقات.. أو مصطفون لساعات على أبواب الأفران

قالوا إنهم اعتادوا المعارك ويستمدون منها أفكارا للعب

TT

لا تفتقد المدارس في حلب هذا العام لتلامذتها، ففيها ما يكفيها وأكثر من نازحين ضاقت بهم المساحات فأصبح الصف الواحد الذي يحوي عادة 30 تلميذا مأوى لخمس أو 6 عائلات نصبت نساؤها الشراشف كحدود بينها وبين خصوصية العائلة الجارة.

فإعلان النظام السوري في الثاني من سبتمبر (أيلول) انطلاق العام الدراسي وتأجيله بعدها الدروس لأسبوع لم يترك أي أثر على أطفال حلب الذين يتفرغون حاليا لافتراش الطرقات لبيع الماء والملابس والأحذية أو للوقوف في صف طويل لا بل طويل جدا على أبواب الأفران سعيا وراء تأمين لقمة العيش لبقية أفراد العائلة.

«لم يعد هناك طفولة في حلب»، هكذا يختصر محمد الحلبي، الناطق باسم تنسيقيات الثورة في المدينة وضع أطفالها لافتا إلى أنهم وفي المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر يقفون على أبواب الأفران، ويلعبون ألعابا عسكرية مستمدين من المعارك الجارية حولهم وقائعها فينقسمون ما بين عناصر في الجيش الحر يحاربون مجموعة من الجيش النظامي. ويضيف: «هنا ولد يرفع على دراجته علم الثورة ويلف رأسه بعصابة سوداء وهنا مجموعة من الأطفال تفترش الرصيف لبيع ما توفر لدى العائلة».

أما وضع الأطفال ما دون الرابعة فمأساوي أكثر، فأمهاتهم غير قادرات على تأمين الحد الأدنى المطلوب من نظافتهم لا بل حتى بات عليهن أن يصطحبن أولادهن إلى خارج المدارس التي نزحوا إليها عند حاجتهم لدخول الحمام نظرا للأعداد الكبيرة التي تنتظر على أبواب حمامات المدارس.

وفي الأرقام يقول الحلبي لـ«الشرق الأوسط»: «مدينة حلب تحوي اليوم ما يزيد عن 3 ملايين و400 ألف نسمة ما بين أهلها والنازحين إليها، 60% من أحيائها تقصف، 250 ألف نازح يمكثون في المدينة الجامعية، و100% من سكانها يعيشون في وضع مأساوي» مطالبا بتدخل المنظمات الإنسانية فورا لإغاثة النازحين في حلب الذين يتخطى عددهم النازحين إلى دول الجوار، ويضيف: «نحن مقبلون على كارثة إنسانية مع حلول فصل الشتاء فلا خيم قادرة على استيعاب من هجروا من بيوتهم والبرد القارس بدأ يتسلل إلى خيم النايلون التي أقامها النازحون في الحدائق العامة» مطالبا «المجتمع الدولي بالتحرك لإغاثة حلب من خلال الأراضي التركية باعتبار أن المسافة التي تفصل بين الحدود التركية ومدينة حلب مسافة صغيرة».

ويقول الطفل أحمد ردا على سؤال لوكالة الصحافة الفرنسية «هل أنا خائف؟ لا، لقد تعودت الآن»، ويتابع اللعب بالكرة في أحد شوارع حي سيف الدولة على بضع مئات الأمتار من الجبهة في حلب.

ويسكن الطفل ابن الثانية عشرة مع شقيقتيه وشقيقه ووالديه في منزل الجد الذي انتقل للعيش فيه أعمامه منذ أن غادرت الأسرة منزلها في حي صالحين الذي يتعرض لقصف مستمر من طيران ومدفعية الجيش السوري.

وعلى غرار الكثير من أطفال سوريا لا يذهب أحمد إلى المدرسة بسبب أعمال العنف.

ويقول الطفل بهدوء «دمروا مدرستي وربما سيدمرون منزلي قريبا». ويرتجف صوته قليلا عندما يتحدث عن الغارة الجوية التي سحقت الاثنين بنايتين سكنيتين في حي المعادي بوسط حلب التاريخي مخلفة خمسة قتلى حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وقال أحمد «ماتت زوجة عمي مع ابنتيها، قصفوهم فانهار منزلهم ولم ينج سوى عمي وأصيب بجروح في كل جسمه». وأوضحت أمه «عثروا على زوجة أخي ميتة وطفلتاها في حضنها».

وجلست شهد (8 سنوات) وآية (7) وحمود (3) على كراسي بنفسجية في قاعة الجلوس يطعمون قطا صغيرا تسلل إلى البيت فتاتا من الخبز. وقالت شهد التي كشفت عبر ابتسامتها عن خلو فمها من بعض الأسنان «في الليل عندما نكون نائمين، يوقظنا أبي وأمي عندما يبدأ القصف»، «في البداية صحيح كنا نخاف، ليس الآن».

وفي حين قالت آية على غرار شقيقها إنها «تعودت» على وقع الانفجارات ودوي رصاص القناصة المتمركزين في المباني المحيطة بها، أقرت شهد بأنها تخاف وتقول: «في التلفزيون رأيت الكثير من الجثث على الأرض». وأضافت: «في كل قصف نختبئ، ننزل إلى القبو أو نذهب إلى المسجد لأن كل الناس تموت» وأبي لا يتركنا ننظر كي لا نرى كوابيس».

وصنع الأب أيمن (36 سنة) أرجوحة علقها في السقف في مدخل البناية. وقالت شهد التي ارتدت ثوبا أصفر: «نحن البنات كنا في الماضي نلعب في الشرفات لكن الآن لم تبق شرفات، لقد سقطت».

وبإمكان شقيقها أن يغامر ويلعب بالكرة خارج المنزل لكنه لا يبتعد كثيرا، فأيمن وزوجته حريصان على أن يظل أبناؤهم على مرأى منهما. وعندما ينطلق فجأة دوي القذائف ورشاشات الكلاشنيكوف يجمعونهم في المنزل قبل غلق البوابة الحديدية.

هذا وكانت منظمة «سيف ذي تشيلدرن» (أنقذوا الأطفال) الدولية والمعنية بالدفاع عن حقوق الأطفال حذرت مطلع الأسبوع من أن عددا من الأطفال السوريين، الشهود على القتل والتعذيب وفظاعات أخرى، هم «مصدومون» بما شاهدوه وتعرضوا له في النزاع الذي تشهده سوريا منذ أكثر من 18 شهرا. ونشرت المنظمة، ومقرها بريطانيا: «شهادات صادمة» لأطفال سوريين وذويهم من الذين فروا من النزاع تحت عنوان: «فظاعات لا تحصى ولا تعد»، تظهر كيف أن «أطفالا تعرضوا لهجمات وحشية قد رأوا ذويهم وأشقاءهم وشقيقاتهم وأطفالا آخرين يموتون، أو أنهم شاهدوا وحتى تعرضوا لأعمال تعذيب».