الأمن التونسي يحكم قبضته على العاصمة تحسبا لاحتجاجات جديدة

الرسوم المسيئة للرسول تثير غضبا وجدلا واسعا بسبب اغتصاب فتاة من قبل أعوان في الشرطة

TT

أحكم الأمن التونسي قبضته على العاصمة أمس تحسبا لاندلاع احتجاجات جديدة في الشوارع. وانتشرت وحدات الأمن بكثافة في أغلب الشوارع الرئيسية وسط العاصمة وأغلقت كل المنافذ المؤدية إلى شارع الحبيب بورقيبة الذي تحول منذ الإطاحة بحكم بن علي إلى معقل للاحتجاجات. وكانت سلطات الأمن قد عبرت عن خشيتها أمس من اندلاع احتجاجات جديدة عقب صلاة الجمعة، ليس فقط على خلفية الرسوم المسيئة للرسول، صلى الله عليه وسلم، ولكن أيضا بسبب حالة الغضب التي تسيطر على الشارع مع انتشار قضية اغتصاب فتاة من قبل أعوان في الشرطة ومقتل معتقل تحت وطأة التعذيب بمخفر للشرطة. وأعلنت السفارة الألمانية منذ أمس غلق أبوابها تزامنا مع قرار مجلة «تيتانيك» الألمانية نشر صور مسيئة للإسلام.

وقال مصدر بالسفارة لوكالة الأنباء الألمانية، إن قرار الإغلاق إجراء أمني احترازي تحسبا لحدوث احتجاجات. وهذا الإجراء هو الثاني من نوعه الذي تتخذه السفارة الألمانية بعد قرارها غلق أبوابها يوم الجمعة الماضي على غرار سفارات فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا بسبب الشريط الأميركي المسيء للإسلام والصور المسيئة بصحيفة «شارلي إبدو» الفرنسية.

وكانت صدامات عنيفة اندلعت في محيط السفارة الأميركية، وداخلها يوم 14 سبتمبر (أيلول) الحالي، سقط فيها 4 قتلى و50 جريحا. وشاهد مراسل وكالة الأنباء الألمانية أمس صفا من سيارات الأمن بشارع الحبيب بورقيبة، في حين أغلقت الشرطة الطريق المؤدي إلى مقر السفارة الفرنسية بالشارع وعززت إجراءاتها الأمنية في محيط السفارات الأجنبية في تونس.

وانتشرت فرق خاصة أخرى ومعها مدرعة وسيارات أمنية قرب جامع الفتح والشوارع المحاذية له للسيطرة على المصلين بعد خروجهم من صلاة الجمعة، بينما حلقت مروحيات عسكرية فوق العاصمة.

ولم تسجل أي صدامات أمس. يذكر أن تونس كانت مددت في شهر أغسطس (آب) الماضي حالة الطوارئ في البلاد شهرا إضافيا بعد أن كانت مددت العمل به في خمس مناسبات سابقة لمدة ثلاثة أشهر في كل مرة. وفجرت قضية قيام رجلي شرطة باغتصاب فتاة تونسية جدلا واسعا في تونس وعززت مخاوف نشطاء من تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان في تونس ما بعد الثورة. وقال محامون وناشطون هذا الشهر إن رجلي شرطة اغتصبا فتاة في عين زغوان قرب العاصمة. وتقدمت الفتاة بشكوى ضد رجلي الأمن. وقالت وزارة الداخلية إنه تم توقيف رجلي الأمن ويجري التحقيق معهما بشأن التهم الموجهة إليهما. لكن التهمة التي وجهت للفتاة بالتجاهر بما ينافي الحياء انتقادات واسعة في صفوف نشطاء حقوق الإنسان في تونس الذين حولوا الضحية إلى متهمة واعتبروا المسألة أمرا خطيرا وانتهاكا لحقوق الإنسان وكرامته. وقالت الفتاة: «وجهوا لي تهمة التجاهر بما ينافي الحياء. أنا أصبحت متهمة.. هم بهذا يغتصبونني من جديد.. حقيقة أنا في حيرة من أمري وفكرت في الانتحار». وأضافت الفتاة التي ترفض الكشف عن اسمها لأن عائلتها لا تعرف حتى الآن بالأمر: «رغم كل شيء أنا لن أتنازل عن حقي، وهذه المسألة تعني الموت أو الحياة بالنسبة لي».

وقالت وزارة العدل أمس في بيان، إن اعتبار شخص متضررا من جريمة لا يمنحه حصانة في حال ارتكابه جريمة أخرى، في إشارة إلى اتهام الفتاة بتهمة التجاهر بما ينافي الحياء.

كما انتقدت وزارة الداخلية التوظيف الإعلامي والسياسي لهذه القضية، معتبرة أن قضية يجري التحقيق فيها من اختصاص القضاء وحده.

واتهم محامون ونشطاء حقوق الإنسان في تونس القضاء بممارسة ضغوط على الفتاة لسحب شكواها ودفعها للتراجع عن أقوالها، معتبرين ذلك ضربا لاستقلال القضاء.

وقالت راضية النصراوي، وهي ناشطة حقوقية ومحامية، إن وزارة الداخلية حاولت التكتم على الجريمة ومارست عدة ضغوط على الفتاة. وقالت لـ«رويترز» إن الاعتداء على هذه الفتاة نموذج من استمرار عودة انتهاكات حقوق الإنسان في تونس بعد الثورة. واعتبرت أن الانتهاكات والتعذيب أصبحت ظاهرة شائعة. من جهته، ندد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عبد الستار بن موسى بتحويل الفتاة من ضحية إلى متهمة. وقال بن موسى إنه مصدوم من تحويل فتاة مغتصبة بوحشية إلى متهمة لتشويه سمعتها. وانتقدت الحقوقية إيمان الطريقي، رئيسة جمعية «إنصاف وحرية» سير القضية وقالت: «نفس الممارسات التي حصلت في العهد البائد تعاد الآن.. فمن يشتكي عون أمن يصبح مورطا ومتهما».

وتتزامن هذه القضية التي أثارت الرأي العام في تونس مع زيارة مقررة الأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان لتونس لرصد أي انتهاكات لحقوق الإنسان في البلاد. وستقدم المقررة نتائج الزيارة الأسبوع المقبل.

وتواجه الحكومة الحالية التي تقودها حركة النهضة مع حليفين علمانيين انتقادات واسعة بشأن تراجع سجل تونس في مجال حقوق الإنسان بعد وفاة شاب تحت التعذيب والحديث عن حالات تعذيب أخرى في معتقلات. وطالما كان سجل حقوق الإنسان من الملفات سيئة السمعة لتونس خلال حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي أطاحت به احتجاجات شعبية في 14 يناير (كانون الثاني) العام الماضي. ولكن مسؤولين في الحكومة الحالية ينفون التستر على أي انتهاكات ويقولون إن هناك حالات معزولة يجري التحقيق فيها. ويشكو مسؤولون حكوميون من أن التركيز بشكل مفرط على مثل هذه القضايا يضر بصورة تونس في الخارج.