واشنطن: هجوم بنغازي مرتبط بـ«القاعدة»

«أنصار الشريعة» لعبت دورا أكبر من إرسال المقاتلين.. وتردي الأوضاع الأمنية يعرقل سير التحقيقات

TT

رغم أنها لم تقل إن تنظيم القاعدة لعب دورا في الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي الذي أدى إلى مقتل كريستوفر ستيفنز، السفير الأميركي، وثلاثة من مرافقيه، قالت واشنطن إن جماعة «أنصار الشريعة» التي قامت بالهجوم لها صلة بـ«القاعدة».

ونقلت مصادر إخبارية أميركية على لسان مسؤولين في الاستخبارات الأميركية أن الهجوم قام به «عدد قليل» من الرجال، وأن اثنين أو ثلاثة من هؤلاء لهم صلات بـ«تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي».

وقال واحد من المسؤولين: «يوجد أشخاص لديهم على الأقل بعض الصلات في قاعدة المغرب الإسلامي. ليست الصلات مباشرة حتى يمكن القول إن (القاعدة) خططت ونفذت الهجوم»، وإن «أنصار الشريعة» لعبوا دورا أكبر بكثير في إرسال المقاتلين، وتوفير الأسلحة للهجوم، وإن المسلحين كانوا يعدون للهجوم لمدة أسابيع، لكنهم كانوا غير منتظمين حتى إنهم بعد أن بدأت المعركة أرسلوا مقاتلين لإحضار أسلحة أثقل. ورغم أخبار سابقة بأن الهجوم خطط له بذكرى هجوم 11 سبتمبر (أيلول)، قال المسؤول إن الهجوم استعجل بعد المظاهرات التي تسلق فيها متظاهرون أسوار السفارة الأميركية في القاهرة كجزء من احتجاجات في دول كثيرة ضد الفيديو المعادي للإسلام. وقالت مصادر أميركية إن هذا التحليل له صلة بالحملة الانتخابية الأميركية الحالية، وذلك لأن المرشح الجمهوري ميت رومني اتهم أوباما بأنه قصر في حماية القنصلية، وكان يجب أن يعرف أن الهجوم خطط له مسبقا ليزامن ذكرى 11 سبتمبر، وأن رومني يريد أن يصور أوباما ضعيفا في السياسة الخارجية بدليل فشل حملته ضد تنظيم القاعدة، وفشل مواجهة صعود الفصائل الإسلامية في أعقاب الربيع العربي.

في الوقت نفسه، أعلنت الخارجية الأميركية سحب موظفين أميركيين أكثر من السفارة الأميركية في طرابلس «حرصا على سلامتهم»، لكنها قالت إن هذا الإجراء مؤقت، ونفت نية إغلاق السفارة. وفي رسالة على موقع السفارة، دعوة للمواطنين الأميركيين في ليبيا لتجنب مناطق المدينة التي تجري فيها المظاهرات. وكتبت الرسالة: «حتى المظاهرات التي يفترض أن تكون سلمية، يمكن أن تصير عنيفة بصورة غير متوقعة».

وكان الرئيس باراك أوباما قال، بعد الهجوم مباشرة، إنه مظاهرة تحولت إلى عنف، لكن في وقت لاحق غير تفسيره. وكررت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، أن الهجوم عمل إرهابي. وقالت كلينتون في تصريحات في الأمم المتحدة في نيويورك حيث تواصل مقابلة قادة وفود الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن الإرهابيين «يعملون مع غيرهم من المتطرفين العنيفين لتقويض التحولات الديمقراطية الجارية في شمال أفريقيا، كما رأينا بشكل مأساوي في بنغازي».

وكان مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، ماثيو أولسن، في شهادة أمام الكونغرس الأسبوع الماضي، قال إن السفير الأميركي والآخرين «توفوا نتيجة هجوم إرهابي»، وإن المحللين الاستخباراتيين يدرسون «دلائل أن الأفراد المتورطين في الهجوم ربما لهم اتصالات بـ(القاعدة) أو تابعة لـ(القاعدة)».

ومع استمرار تحقيقات مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) في الهجوم، أعلنت الخارجية الأميركية برنامج تعاون مع الحكومة الليبية في مجالات الأمن الداخلي. ويشمل البرنامج تدريب شرطة ليبية في أقسام التحقيقات ومواجهة الإرهاب وحراسة الحدود.

في الوقت نفسه، قالت مصادر إخبارية أميركية إن وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) أعادت إلى ليبيا ضباطها الذين كانوا أجلوا من ليبيا بعد قتل السفير الأميركي وزملائه، وإن التحقيقات التي سوف يجريها الكونغرس حول قتل السفير الأميركي وزملائه الثلاثة سوف تتطرق إلى دور، أو عدم دور، الـ«سي آي إيه» في متابعة نشاطات المتطرفين الإسلاميين، وذلك لأن تحقيقات وزارة الخارجية لن تتطرق إلى الـ«سي آي إيه». وكان مسؤولون سابقون في الـ«سي آي إيه» اشتكوا من تقصير الوكالة في هجوم بنغازي يمكن أن يقارن بتقصيرها في هجوم 11 سبتمبر سنة 2001، وأيضا بما يجري في سوريا. وقالوا إن الـ«سي آي إيه» في ليبيا اعتمدت على مخبرين محليين وأجهزة استخبارات أجنبية ووسائل تكنولوجية لجمع المعلومات الاستخباراتية، ولهذا لم تقدر على متابعة المتطرفين الإسلاميين الذين هاجموا القنصلية في بنغازي.

وقال مدير سابق لمكاتب الـ«سي آي إيه» في الشرق الأوسط، طلب عدم نشر اسمه أو وظيفته: «هذا شيء يدعو للتقزز.. لماذا ننفق مليارات الدولارات سنويا على الاستخبارات، ولا نستفيد منها في هذه اللحظة عندما نحتاج إلى معلومات استخباراتية؟!»، ورفضت الـ«سي آي إيه» التعليق.

إلى ذلك، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أمس أن المخاوف من تردي الأوضاع الأمنية في ليبيا تتسبب في عرقلة سير التحقيقات التي يجريها وكلاء مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي (إف بي آي) لتقصي الحقائق حول حادث الاعتداء على مقر القنصلية الأميركية في مدينة بنغازي الليبية.

وأوضحت الصحيفة - في سياق تحليل إخباري أوردته على موقعها الإلكتروني - أنه بعد مرور 16 يوما على مقتل أربعة من أفراد البعثة الدبلوماسية الأميركية في ليبيا جراء ذلك الحادث على رأسهم السفير الأميركي ستيفنز، حالت مخاوف موظفي وعملاء مكتب الـ«إف بي آي» حيال ما يشبه «حالة انعدام تام للأمن» داخل البلاد دون ذهابهم إلى موقع الحادث، مما أجبرهم على مباشرة عملهم حول القضية من العاصمة الليبية طرابلس.

وأشارت الصحيفة إلى ما جاء على لسان بعض المصادر التي تعمل على تلك القضية ومطلعة على سير التحقيقات بأن المحققين لديهم مخاوف بالفعل من الحالة الأمنية المتردية إلى درجة تجعلهم عازفين عن المخاطرة بجلب وإحضار بعض شهود العيان من الليبيين في مقر السفارة الأميركية في طرابلس ويلجأون - عوضا عن ذلك - إلى حلول «سخيفة» تتمثل في سؤال المواطنين المستقلين سيارات خارج مقر السفارة التي تعمل الآن تحت إدارة طاقم الطوارئ بعد أن تم إخلاء مزيد من الدبلوماسيين لدواع أمنية.

ولفتت الصحيفة إلى أن الحكومة الليبية أطلعت مكتب الـ«إف بي آي» بعدم قدرتها على ضمانة سلامة وأمن المحققين الأميركيين في بنغازي، مما دفع محققي الـ«إف بي آي» إلى إجراء تحقيقاتهم عن بعد، معتمدين في ذلك على السلطات الليبية المحلية لتساعدهم في تحديد وترتيب مواعيد لقاءاتهم مع شهود العيان لسرد تفاصيل الحادث والتعاون معهم في التأكد من صحة أقوالهم.

ونوهت بأن أحد العوامل المحورية الأخرى التي تعرقل سير تحقيقات المباحث الأميركية هو مخاوف شهود العيان الليبيين من الكشف عن هويتهم وحساباتهم أمام الحراس الليبيين ممن يتولون حراسة المحققين الأميركيين خشية أن يتم تسريب محتوى شهاداتهم وبالتالي ينتقم منهم المعتدون على القنصلية.