النائب الليبي علي زيدان: التحقيق في مقتل السفير الأميركي ووضع دستور للبلاد على رأس أولوياتنا

عضو لجان «الأمن» و«الخارجية» و«حقوق الإنسان» بـالمؤتمر الوطني في حوار مع «الشرق الأوسط» : نعاني من غياب الدولة

النائب الليبي علي زيدان عضو لجان «الأمن» و«الخارجية» و«حقوق الإنسان» بـالمؤتمر الوطني («الشرق الأوسط»)
TT

ما بين الفنادق الكبرى في العاصمة الليبية طرابلس، وبين مقرات المؤتمر الوطني والحكومة والأمن، لا يمكن أن تجد الراحة. جدل ومناقشات في الردهات وعبر الشوارع، عن الطريقة التي يمكن بها إدارة دفة البلاد إلى الوجهة التي قامت من أجلها الثورة ضد العقيد الراحل معمر القذافي. تأتي الأخبار من ضواحي طرابلس ومن المدن الأخرى محملة بمشاكل جديدة عن نزاعات واشتباكات مسلحة وملاحقة لمن عملوا في السابق مع النظام البائد.

في ظل هذه الأجواء التي تستبق الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة بأيام يحاول الليبيون التخلص من إرث الماضي على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا على ما يبدو سيتطلب مزيدا من الوقت.

ويقول النائب في المؤتمر الوطني الليبي، علي زيدان، إن فرض الأمن والتحقيق في مقتل السفير الأميركي ووضع دستور للبلاد، يأتي على رأس أولويات المؤتمر والحكومة، مضيفا في حوار مع «الشرق الأوسط» في طرابلس إن الانتقادات التي تعرضت لها الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة الدكتور عبد الرحيم، بشأن الملفات العالقة هي «انتقادات موضوعية وحقيقية». ويشير إلى أن الحكومة كانت حديثة التكوين ولم تتمكن من أداء أعمالها في وقت لم تبن فيه مؤسسات الدولة بعد، مما جعلها أشبه بحكومة لـ«إطفاء الحرائق».

ويتابع النائب زيدان الذي عاش أكثر من 3 عقود في الخارج معارضا لنظام القذافي، أن المؤتمر الوطني ينتظر تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور مصطفى أبو شاقور، وتمكينها من أداء دورها لتحقيق ما يصبو إليه الليبيون من استحقاقات عاجلة، وإذا لم تحققها، يمكن للمؤتمر أن يطرح منها الثقة أو يغيرها أو يعدلها، مشددا على أن الأولوية الأولى للحكومة هي «الأمن» قبل كل شيء. ويرأس زيدان في الوقت الحالي «حزب التنمية والرفاه» ويشغل عضوية لجان «الأمن القومي» و«الخارجية» و«حقوق الإنسان» في «المؤتمر الوطني» الذي يعد أعلى سلطة في البلاد في الوقت الراهن. وإلى تفاصيل الحوار..

* ما أهداف حزب التنمية والرفاه الذي ترأسه؟

- نحن بعد قيام ثورة 17 فبراير وتداعياتها ووصولنا إلى يوم التحرير وانطلاق العملية السياسية، رأت كثير من الفئات أن تنطلق في تأسيس الأحزاب وإرساء دعائم الديمقراطية من خلال ممارسة الحياة الحزبية. والتقينا كعدد من الليبيين من مختلف المناطق وأسسنا هذا الحزب ليكون وسطا في كل شيء. لكي يكون مزيجا يعبر عن الإسلام والعروبة وأفريقيا والمشرق والمغرب العربيين، ليكون معبرا عن الخصوصية والشخصية الليبية.

* كيف تنظرون إلى العمل الحزبي في ظل الظروف الحالية التي تمر بها البلاد؟

ـ الآن نحن نرى أن الديمقراطية هي الخيار المتاح، الذي ينبغي أن يكون. والديمقراطية في حقيقتها تعني آلية حكم ونظام حكم، تصلح لأن تطبق في أي منظومة قيمية.. وهي تتلخص في الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء وتداول السلطة إلى آخر المنظومة الديمقراطية، التي من الممكن أن تكون في مجتمع مسلم أو مجتمع غير متدين. الشيء الآخر أن ليبيا خلال نحو 42 سنة تعرضت لكثير من الممارسات الخاطئة، التي ألقت بظلال قاتمة على المجتمع الليبي وأثرت فيه تأثيرا غير عادي. نحن نحتاج للخروج من هذه الوضعية إلى وضعية أفضل، تتيح للمجتمع الليبي أن يتحرك نحو التنمية والإبداع والترقي وإعادة بناء الوطن.. وهذا لن يتم إلا بإعادة بناء المواطن الذي يأتي بالتعليم والتأهيل الجيد. وهذا من الأهداف الأساسية للحزب في المرحلة الراهنة.

* حسنا. يرى البعض أن الليبيين لا يُقبلون على الانخراط في الأحزاب السياسية؟

- نحن في هذه المرحلة نضع من ضمن أهدافنا أيضا العمل على تشجيع المواطن الليبي على الدخول في الأحزاب والانخراط في العملية السياسية الديمقراطية.. لا تنسى أن المواطن الليبي أصابه النظام السابق بالذعر على مدى سنوات بسبب الإرهاب والاستبداد والتسلط وأبعد عن ممارسة الشأن العام. نريد أن نستعيد هذا المواطن للشأن العام وتشجيعه على ممارسة العمل السياسي والدخول في العمل الحزبي وممارسة أعمال المجتمع المدني وممارسة العمل الإعلامي والانفتاح على العالم الآخر وإشاعة معنى حرية الرأي والتعبير.

* هل يحمل أعضاء المؤتمر الوطني الليبي صفة «نواب برلمان»؟

- نحن أعضاء جمعية تأسيسية وليست لنا صفة النائب البرلماني لأن هذه الجمعية التأسيسية (المؤتمر الوطني) لها خصائص أكثر من البرلمان تتعلق بالجوانب السيادية وجوانب أخرى، وتعتبر هذه المؤسسة هي رأس الدولة. ونعتبر جهة رقابية وجهة متابعة وجهة محاسبة على السلطة التنفيذية.

* في الفترة الأخيرة ظهرت انتقادات لأداء الحكومة. على سبيل المثال معالجة ملف بعض الكتائب ومعالجة ملف مدينة «براك الشاطئ (قرب سبها جنوبا)» ومدينة «بني وليد (قرب سرت في الوسط)» وغيرها. كيف ترى هذه الانتقادات؟

- هذه الانتقادات انتقادات موضوعية وانتقادات حقيقية. هناك ممارسات وهناك خروقات في هذه المناطق، ولكن الحكومة حديثة التكوين.. لم تبن مؤسسات الدولة بعد، البناء الذي يمكنها من ممارسة وأداء أعمالها. نحن في حاجة لمزيد من الوقت، حتى تتكون المؤسسات القادرة على تفعيل دور الحكومة، وهذه الأمور للأسف لم تتم بعد. تم تشكيل الحكومة المؤقتة التي يرأسها السيد عبد الرحيم الكيب ولم تفلح حتى الآن.. احتوتها الأزمات المتتالية والمشاكل فأصبحت سياستها سياسة إطفاء حرائق.. تطفئ حريقا هنا وحريقا هناك، ولم تجد نفسا ولم تجد راحة لتلتفت حول هذه الأمور.

* في رأيك.. متى يمكن أن يحدث هذا؟

- من الصعب أن تجد نفسك في أشهر قليلة قد خرجت من موضوع مثل الذي مرت به ليبيا في العهد السابق.. لجنة حقوق الإنسان أمامها استحقاقات كبيرة، لكني لا أتوقع أن تكون قادرة خلال السنة الأولى على إحداث شيء كبير في هذا الموضوع؛ لأن القضية تحتاج إلى صبر وإلى إعمال جانب الوقت حتى تهدأ الخواطر وتطمئن النفوس. وبعد ذلك يمكن الحديث حول هذا بشيء من الموضوعية والعقلانية.

* بالنسبة للجنة العلاقات الخارجية التي تشغل عضويتها أيضا، هناك موضوع يطرح بين وقت وآخر من جانب المسؤولين الليبيين عن طلب تسليم التابعين لنظام القذافي الموجودين في مصر وتونس والجزائر؟

- دول مصر وتونس والجزائر تربطنا بها علاقات استراتيجية.. علاقة جوار وعلاقة أخوة عربية وأخوة إسلامية. هذه من ثوابت علاقاتنا الخارجية التي لا تقبل الاهتزاز. العناصر الموجودة في هذه البلدان، وأنا أعبر الآن عن وجهة نظري الشخصية، أنا لا أخشى من استعمالهم لأرض هذه الدول لضرر ليبيا. هذه الدول؛ مصر وتونس والجزائر، لن تسمح لأحد أن يستعمل أراضيها لإلحاق الضرر بليبيا. هذه قناعة عندي.. أنا كنت معارضا وعشت في مصر وكنت في الجزائر وكنت في تونس. ونحن معارضون في ذلك الوقت لم يسمحوا لنا بأن نستعمل أراضيهم لمحاربة القذافي. طبعا الشارع الليبي يشعر بالضيق من استمرار وجود عناصر من النظام السابق في هذه الدول المجاورة لليبيا، ويحتاج لطمأنة، والشارع يراعى، لكن لا تؤسس سياسيات الدول على وجهة نظر الشارع.. لأنه توجد كثير من المعلومات وكثير من الحقائق التي لا يمكن أن تبقى مشاعا لكل أحد. الأمر يقتضي سياسة دولة وسياسة أجهزة وتراتيب أمنية وقانونية. وأنا أؤكد أن هذا الأمر ليس بمزعج وليس منه خوف.. في وقت ما ستكون هناك حلول إن شاء الله.

* وبالنسبة لقضية المصالحة التي تطرح بين وقت وآخر. هل تشمل جميع الليبيين بمن فيهم أتباع النظام السابق والهاربين في الخارج؟ أم تعني مجموعات موجودة في الداخل فقط؟

- نحن عندما نتحدث عن المصالحة فهذا مصطلح شامل لكل الليبيين بمن فيهم عناصر القذافي.. الذي بيننا وبين عناصر القذافي أن من أجرم سيقدم لمحاكمة عادلة ويقول القاضي كلمته في الأمر. لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال التفريط في أي مواطن ليبي. الدولة مسؤولة عن المواطنين الليبيين أيا كانوا، ولهم حقوق وعليهم واجبات وأي استحقاقات لهؤلاء المواطنين ينبغي أن تتم سواء من خلال القضاء أو من خلال الحكومة، ولكن المصالحة ينبغي أن تشمل الجميع، كل في موقعه ووضعيته بشفافية وبأعمال للقانون والعدل، ويجب ألا يترك أي ليبي بعيدا عن وطنه، أو أن يلتجئ إلى أي أمر قد يضر به الوطن. إذا كان متهما سيكون تحت مسطرة العدالة، وإذا لم يكن متهما من الممكن أن يرجع لوطنه، وإذا كان من القيادات التي استلمت مهاما في عهد النظام السابق ويرى المجتمع الآن ألا يتولوا أي مهام، يرجعون للوطن ومن حقهم أن يعيشوا وتتاح لهم فرصة معاش مناسبة وفرصة للحياة كغيرهم من الليبيين.

* وبالنسبة للجنة الأمن القومي.. كيف تفاعلت مع حادث الهجوم على القنصلية الأميركية ومقتل السفير الأميركي؟

- بكل تأكيد تفاعلت اللجنة مع هذا الحدث.. دور اللجنة رقابي توجيهي للحكومة. وطبعا كانت اللجنة على صلة بالحكومة طوال هذه الفترة، وعلى علم ومتابعة بكل ما تم. وعدد من أعضاء اللجنة كانوا موجودين في بنغازي واطلعوا على مجريات الأحداث.

* وماذا عن مسار التحقيقات بين الجانبين الليبي والأميركي حول الحادث؟

- توجد النية في التعاون الكامل بيننا وبين الجانب الأميركي. وهذا ما حدث فعلا، خاصة أن الأميركيين جاءوا لنا منذ وقت مبكر من قيام الثورة ضد القذافي، والسفير الأميركي الذي قتل جاءنا وقتها إلى بنغازي. وقدم الأميركيون يد المساعدة والعون لنا. وبيننا وبينهم تعاون وثيق وفعال من أجل إبراز الحقيقة، لأنه يوجد إجماع بين الليبيين على أن ما تم كارثة بكل المعايير وجريمة، وأساء للشعب الليبي أيما إساءة، وبالتالي من مصلحة ليبيا ومن واجبها أن يتم التحقيق وأن يكون التعاون بيننا وبين الولايات المتحدة في هذا الموضوع.

* هل التحقيقات الليبية الأميركية حول الحادث تعمل في الوقت الحالي؟

- نعم.. التحقيقات جارية والبحث جارٍ بالاشتراك بين الجانبين وبالتعاون الكامل.

* بصفتك عضوا في أكثر من لجنة في المؤتمر الوطني، ما أولويات المؤتمر في الوقت الحالي؟

- تعتبر لجنة الدستور على رأس الأولويات في الجانب التشريعي وهي أهم استحقاق.. الشيء الثاني تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور مصطفى أبو شاقور، وتمكينها من أداء دورها بالكيفية التي نتمناها.. يوجد إجماع في المؤتمر الوطني بأن تتاح للحكومة فرصة وعدم وضع أي عراقيل أو مشاكل أمامها. وتجرب، إذا حققت ما يصبو إليه الليبيون في هذا الوقت من استحقاقات عاجلة، كان بها، وإذا لم تحقق فهي تحت الرقابة والمؤتمر من مهامه أن يطرح الثقة أو يغيرها أو يعدلها أو يوجهها.

* وما الأولويات التي يراها المؤتمر الوطني لحكومة أبو شاقور؟

- بتشكيل الحكومة الجديدة نرى أن تتولى مهام قضية الأمن وقضية الجيش وقضية الحدود والاستحقاقات السياسية والاستحقاقات المعيشية المتعلقة بعملية إعادة نظام الخدمات في البلاد وتوفير الحياة الكريمة للناس وإعادة إصلاح النظام الصحي والنظام المالي والاقتصادي وتفعيل دور الدولة.

* حسنا.. وهل بدأ المؤتمر في عملية وضع الدستور؟

- سيبدأ.. سيتم خلال هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل البدء في مناقشة هذا الأمر وترتيب كيفية تشكيل هذه اللجنة التي ستكتب الدستور.

* البعض يتخوف من أن يكون دستورا إسلاميا متشددا؟

- لن يكون.. لكن في ليبيا سيكون الإسلام حاضرا في الدستور باعتباره المصدر الرئيسي للتشريع، وباعتبار الليبيين كلهم مسلمون. يهمنا أن يكون الإسلام حاضرا في الدستور حضورا متميزا، ولكن هذا الحضور لن يكون فيه تطرف ولا شطط ولا ابتعاد عن الوسطية وعن الإسلام الذي اعتاده الليبيون، وهو إسلام سني مالكي فيه حضور للوسطية بشكل ظاهر.

* وبالنسبة للنظام السياسي.. هل تتوقع أن يكون نظاما رئاسيا أم برلمانيا؟

- لم يحدد هذا الأمر بعد، لكن في كل الأحوال سيكون نظاما ديمقراطيا سواء كان رئاسيا أو برلمانيا.

* وما أهم القوانين الموضوعة على أجندة المؤتمر؟

- الدستور أولا.. ثم ستأتي قوانين أخرى. بعد الدستور سيأتي قانون الأحزاب ثم قانون الانتخاب، ثم ستتوالى القوانين التي تحتاجها الدولة في تسيير أمورها.

* لكن يوجد مشروع قانون أيضا لفرض حالة الطوارئ في البلاد؟

- يوجد مشروع قانون مطروح من رئاسة المؤتمر وتكلم عنه النائب الثاني لرئيس المؤتمر الوطني العام، ولكن وجهة نظري الشخصية، ما لم نجد الأداة التي تنفذ القانون وتفرض استحقاقات القانون وهي قوات الأمن والبوليس القضائي والجيش، أرى أنه من العبث أن نصدر قانون طوارئ، لأنه سيصدر بينما الناس تخشى هذا، لأنهم ما زالوا يذكرون تداعيات فرض قانون الطوارئ في مصر والبلدان الأخرى.. هذا أمر مفزع، وأنا عملت في مجال حقوق الإنسان 3 قرون ونصف القرن، وأرى أن مثل هذه القوانين دائما ستكون لها ظلال قاتمة على حياة الناس، وينبغي عندما تصدر أن توضع لها كافة الضوابط. الخلل الذي نحن فيه ليس بسبب غياب القانون، ولكن بسبب غياب الدولة ومؤسساتها الأمنية والدفاعية.