الأكراد يستعدون لممارسة الحكم الذاتي في سوريا بعد الأسد

يجهزون أنفسهم للقتال الذي يتوقعونه قريبا.. وصراع محتمل على السلطة والأرض

سوريون مصطفون خارج مخبز انتظارا لدورهم لشراء الخبز في منطقة أزاز التركية الحدودية أمس (أ.ف.ب)
TT

في طريق متفرع من الطريق السريع الذي يمتد غرب هذه المدينة وعلى أجزاء من التلال الوعرة تحت ضوء القمر، يتدرب بضعة مئات من الأكراد السوريين استعدادا للمعركة، حيث يسيرون وسط الأحراش ويتدربون على السلاح. الرجال هنا، وأكثرهم من المنشقين عن الجيش السوري, يعيشون في منازل متنقلة بيضاء في معسكر على التل، لا يوجدون من أجل الانضمام إلى الثورة المسلحة ضد نظام الرئيس بشار الأسد، بل يستعدون للقتال الذي يتوقعونه قريبا عقب سقوط الأسد وحدوث اضطرابات في أنحاء سوريا بسبب الصراع على السلطة والأرض. يريد هؤلاء الرجال منطقة كردية تتمتع بالحكم الذاتي على أرض لا تزال سورية حتى هذه اللحظة، وهو ما يرونه خطوة باتجاه تحقيق حلم يراودهم منذ قرون يتمثل في جمع الأقليات الكردية في العراق وتركيا وإيران تحت راية دولة مستقلة. مع ذلك، تنذر هذه الرغبة في إعادة الحقوق لشعب عانى من ظلم تاريخي وتشتت عبر أجيال، برد فعل عنيف من قبل هذه الدول. لقد أبدوا عزمهم على القيام بخطوات جذرية، حتى لا يخسروا الأرض ويحصل عليها إقليم كردستان. وتم اتخاذ الخطوة الأولى بالفعل، حيث قدم أكراد العراق للجماعة المسلحة المستقبلية ملجأ آمنا وتدريبا وأسلحة. وقال محمود صابر، وهو واحد من بين عدد من أفراد المعارضة الكردية السورية الذين يعملون في العراق: «إنهم يتدربون للمرحلة التي تعقب سقوط النظام، استغلالا لما سيعقبه من فراغ أمني بعد انهيار نظام الأسد».

ومع تسليح الأكراد لأنفسهم استعدادا لقتال ربما يتبين أنه حاسم في تكوين سوريا ما بعد الثورة، يضاف عنصر آخر من عناصر تأجيج الصراع في سوريا، حيث يشير ذلك إلى أن انهيار النظام لن يؤدي إلى سلام، بل ينذر بحرب طائفية شاملة قد تمتد إلى دول الجوار.

وعلى خلفية الحرب الأهلية المشتعلة، اتخذ أكراد سوريا بالفعل خطوة تجاه الحكم الذاتي في الأراضي السورية، ليس بفضل حملهم للسلاح ضد النظام، لكن لأن النظام ترك السلطة في المناطق الكردية للأكراد مما سمح لهم بالتقدم خطوة نحو الحكم الذاتي. وترفرف الأعلام الكردية على مبان كانت تابعة للحكومة السورية في السابق في تلك المناطق، وتم فتح المدارس التي بدأت تعلم الطلبة اللغة الكردية، وهو أمر كانت يمنعه نظام الأسد. وقال صالح محمد رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، الذي تنظر إليه جماعات كردية أخرى بريبة كبيرة لعلاقته بحزب العمال الكردستاني: «نحن ننظم مجتمعنا؛ المجتمع الكردي».

وتعد الولايات المتحدة وأوروبا حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، وقد صعّد من هجماته التي تقوم على الكرّ والفرّ في تركيا خلال الفترة الأخيرة. ويقول الأكراد إنهم مستعدون للقتال في حال حاول النظام استعادة المدن الكردية أو في حال محاولة الجيش السوري الحر، الذي يهيمن عليه السنة، الذين يسعون لإسقاط النظام، التحرك باتجاه المناطق الكردية. وقال محمود: «نحن بالطبع سندافع عن أنفسنا. بحسب التقاليد الكردية، لدينا أسلحة في منازلنا. وينبغي أن يكون بداخل كل منزل سلاح خاص به». ويقود خطى محاولات الأكراد السوريين بشكل كبير مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان، الذي يقدم نموذجا لأكراد سوريا لما يتمتع به من حكم ذاتي ورخاء نسبي.

وتقوم وحدة قوات كردية عراقية خاصة لها علاقة بحزب بارزاني بتدريب الرجال في المعسكر وتزويدهم بالأسلحة. وسعى بارزاني للقيام بدور صنّاع الحكام فيما يتعلق بأكراد سوريا من خلال توحيد الفصائل المختلفة، مثلما فعل في المشهد السياسي بالعراق الذي يتسم بتعدد الطوائف والأعراق، فقد توصل في يوليو (تموز) إلى اتفاق ينظم أكثر من 12 حزبا تحت لواء المجلس الكردي الأعلى، ويعمل معه مسؤولون من مكتب في أربيل في مجمع لمختلف الأغراض يسمى «القرية الإيطالية».

الأكراد، الذين حُرموا من حقوقهم بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية على أيدي قائد تركي تلو الآخر، وعانوا من خيانة الحلفاء الذين وعدوهم بالاستقلال بعد الحرب العالمية الأولى، عازمون هذه المرة على استغلال فرصة الربيع العربي وتطويع التاريخ لإرادتهم.

وأثارت الحرب تطلعات السورية الأكراد لدولة يحلمون بها منذ قرون. لقد ظلت هذه الأحلام مؤجلة منذ تقسيم الدول الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى للأرض بشكل عشوائي ورسمها حدودا جديدة للشرق الأوسط، مما قسم الأكراد بين 4 دول هي تركيا والعراق وسوريا وإيران.

وقال كاوا عزيزي، أستاذ السياسة والسياسي المعارض الكردي: «إنها لحظة تاريخية ينبغي أن يستغلها الأكراد من أجل تحقيق التغيير». ويعمل عزيزي في أربيل عاصمة إقليم كردستان، التي تعد الآن مركزا للمسلحين الأكراد والنشطاء المدنيين. وعندما اندلعت الثورة منذ 18 شهرا، شعر بعض المراقبين بالقلق من دعم الأكراد للأسد مقابل الحصول على المزيد من الحقوق والحكم الذاتي.

ورأى الكثيرون أن الأكراد يقفون على الحياد في انتظار اختيار الجانب الذي سينحازون إليه. ويفنّد الكثير من الأكراد هذا التحليل بقولهم إنهم لطالما كرهوا الأسد. وبتخلي نظام الأسد عن السيطرة في المدن الكردية، أصبح قادرا على تركيز أسلحته الثقيلة في القتال مع المعارضة التي يقودها السنة. وأثارت هذه الخطوة عداء لتركيا، التي تدعم المعارضة، لكنها تشعر بالقلق من أن يمنح إقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد في سوريا مركزا يشنّ منه الأكراد المتمردين هجمات على تركيا بحرية.

وكان رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، قد اقترح أن يكون لتركيا الحق في التدخل في المناطق الكردية بسوريا في حالات تهديد الأمن التركي.

وبدا أكراد سوريا، الذين ينقسمون إلى عدد من الفصائل مختلفة التوجهات، متفقين على الأقل في معارضتهم لنظام الأسد، لكنهم يتشككون في طموحات الجيش السوري الحر. وقال عزيزي عن الجيش السوري الحر: «قبل كل شيء، إنهم جميعا من العرب».

وفي الوقت الذي لا يدور فيه قتال في المدن الكردية السورية، وعلى الرغم من تأكيد المسؤولين، الذين أُجريت معهم مقابلة في العراق، على هدوء تلك المناطق، يتدفق لاجئون أكراد بشكل مستمر على شمال العراق. ويقول اللاجئون إن أفراد أجهزة الاستخبارات التابعة للنظام لا تزال تتحرش بالأكراد وتهددهم بالأذى إذا لم ينضموا إلى جيش النظام. ويدفع نقص المواد الغذائية والطبية اللاجئين إلى مغادرة البلاد. ويضم معسكر دوميز للاجئين بالقرب من دهوك نحو 2500 شخص، ويصل إليه من 150 إلى 200 لاجئا جديدا كل يوم. وقال جوان سليمان، الذي يبلغ من العمر 32 عاما، ويقيم في المعسكر منذ أبريل (نيسان): «المكان الوحيد الذي يمكن أن نذهب إليه هو كردستان العراق». ويجني سليمان رزقه من بيع الوجبات الخفيفة والسجائر للمقيمين في المعسكر. ويعلق في منزله، وهو عبارة عن طبقة رقيقة من الخراسانة وله سطح خيمة، لوحة لوالد بارزاني الراحل، الملا مصطفى بارزاني، وهو قائد عسكري كردي وزعيم سياسي شهير.

وأخذ سليمان يوضح، وهو يرتشف عصير الخوخ ويدخن السيجارة تلو الأخرى، أن الأكراد لم يتخذوا أبدا موقفا محايدا في الثورة السورية. وقال: «لقد عانينا كثيرا، لكن حان الوقت الآن لاتخاذ موقف وانتزاع دولتنا حتى نحصل على حقوقنا».

ولا يوجد الجيش السوري بشكل كبير في المناطق الكردية، وفي ظل تركيزه حاليا على سوريا، يعترف القادة الأكراد بتطلعهم لإقامة دولة مستقلة تجمع الأكراد المتشتتين في تركيا وسوريا وإيران والعراق، لكنهم يقولون إنهم سيسعون إلى الاستقلال داخل سوريا الموحدة كخطوة مؤقتة. ولم تصبح معاناة الأكراد والظلم الواقع عليهم في الشرق الأوسط ماضيا تماما، لكنها فقط إرهاصات لما يحدث حاليا.

وتعود الجذور التاريخية لما تعرضوا له من ظلم إلى قرون والأعمال البطولية للقائد المسلم الكردي صلاح الدين، أول سلاطين مصر، الذي انتصر على الصليبيين في القرن الثاني عشر، كما يرى بعض الأكراد. ويعتقد بعض الأكراد أن ما حدث في القرن العشرين من منع الحلفاء إقامة دولة كردية بعد الحرب العالمية الأولى، ومن دعم المجتمع الدولي للحكام العرب المستبدين الذين تعاملوا مع الأكراد باعتبارهم مواطنين درجة ثانية، ومن سياسات تجبر الأكراد على مغادرة أراضيهم وإعادة توطين العرب محلهم، ومن إبادة لهم بالأسلحة الكيميائية على أيدي صدام حسين، كرد على انتصارات صلاح الدين.

يقول عزيزي: «إن الغرب يعاقبنا على ما فعل هو. أعتقد أن مرحلة العقاب انتهت».

* شارك دريد عدنان وأحد صحافيي «نيويورك تايمز» في العراق في إعداد هذا التقرير من دهوك وأربيل