الأمير سلمان: أدعو طلابنا للتمسك بمنهج الاعتدال في أمورهم وتفكيرهم لأنه الطريق الصحيح

في محاضرة بجامعة الملك عبد العزيز

ولي العهد السعودي في جامعة الملك عبد العزيز مساء أمس «الشرق الأوسط»
TT

قام الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي, مساء أمس بزيارة إلى جامعة الملك عبدالعزيز في جدة.

وكان في استقبال ولي العهد لدى وصوله إلى مقر الجامعة الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة والأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز محافظ جدة ووزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري ومدير جامعة الملك عبد العزيز الدكتور أسامة بن صادق طيب.

واطلع ولي العهد على معرض «الاعتدال السعودي: شواهد ومواقف» الذي يجسد مراحل من حياة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن في المجالات التاريخية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

وبعد أن أخذ الأمير سلمان مكانه في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بالجامعة, ألقى مدير جامعة الملك عبد العزيز كلمة رحب فيها بولي العهد في زيارته للجامعة وإلقائه محاضرة عن منهج الاعتدال السعودي، منوها باطلاع الأمير سلمان على مشروع منارات المعرفة.

وأعلن موافقة الأمير سلمان بن عبد العزيز على إطلاق كرسي علمي في الجامعة باسمه في مجال أبحاث الطاقة بتكلفة إجمالية قدرها 6 ملايين ريال يركز على إجراء الأبحاث في مجالات الطاقة المختلفة.

ثم قدم الأمير خالد الفيصل ولي العهد لإلقاء المحاضرة. وقال الأمير سلمان في محاضرته:

الإخوة والأخوات أعضاء هيئة التدريس.

الأبناء والبنات الطلاب والطالبات.

الإخوة والأخوات الحضور.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

يسعدني أن أكون معكم هذا المساء في رحاب جامعة غالية على نفوسنا جامعة المؤسس، جامعة الملك عبد العزيز التي بدأت بفكرة من نخبة خيرة من أبناء الوطن من أهالي جدة كجامعة أهلية ثم تعهدتها الدولة لتصبح من الجامعات الحكومية الرائدة ولله الحمد.

وأشكر لمدير الجامعة وزملائه على دعوتي ومشاركتكم هذا اللقاء الذي أعتز به.

الإخوة والأخوات:

الاعتدال منهج عظيم يحكم شؤوننا الدينية والدنيوية، ولهذا حث عليه الدين الإسلامي الحنيف في قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) وسلكه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه والتابعون رضوان الله عليهم. فقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله (القصد القصد تبلغوا) والقصد هو الوسط بين الطرفين. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)، والاعتدال ليس كلمة تقال، أو وصفا لموقف أو شعار براق يرفع، وإنما هو منهج شامل والتزام بمبدأ يحقق مصالح عامة تهدف إلى الخير والنماء.

والاعتدال يشمل جميع نواحي الحياة، فهناك اعتدال في الأكل، واعتدال في الكلام، واعتدال في التربية، واعتدال في الإنفاق، واعتدال في التعامل وغير ذلك من شؤون الإنسان بصفة عامة.

والملك المؤسس عبد العزيزــ رحمه الله ــ طبق منهج الاعتدال متبعاً في ذلك نبينا محمدا عليه أفضل الصلوات والتسليم، وسيرة أسلافه، حيث اعتدل في مواقفه ورؤيته وسياساته، فكانت هذه الوحدة العظيمة التي ننعم بها جميعاً اليوم ولله الحمد والمنة.

فلقد اعتدل عبد العزيز في إعادة تأسيس الدولة السعودية على المبادئ ذاتها التي تأسست عليها الدولة الإسلامية الأولى، والدولة السعودية الأولى، والدولة السعودية الثانية.

فلم يكن مغامراً أو مجازفاً بحياة الآخرين سواء ممن كانوا معه أو أولئك الذين كانوا من خصومه.

ورغم نجاحه في توحيد البلاد بتوفيق من الله ، ثم بمساندة رجاله من أنحاء البلاد لم ينتقم أو يحقد على أحد، وإنما اعتدل ورضي بما تحقق، وشغل نفسه بما يحقق الأمن والرخاء للجميع، بل ومن تميز اعتداله ــ يرحمه الله ــ أنه استعان بهم في مناصب الدولة ومسؤولياتها، وحفظ كرامتهم.

واعتدل عبد العزيز في سياسته الخارجية عندما كان محاطاً بالقوى الاستعمارية التي كانت تراقبه, وتحاول منعه من إعادة تأسيس الدولة السعودية, واستطاع أن يتجاوز أخطارهم, وأن يؤسس المملكة العربية السعودية بعيداً عن أي حسابات إقليمية أو نفوذ أجنبي, وأن يجنب شعبه وبلاده ويلات الحروب العالمية.

كما اعتدل عبد العزيز في مواقفه من بعض مواطنيه الذين ترددوا في قبول بعض التطورات الجديدة والمفيدة لهم, فواجههم بالصبر والحلم والحكمة والعقل. عفا عن خصومه فأصبحوا من أقرب رجاله, وصبر على مخالفيه بسبب قصور في رؤيتهم تجاه المستقبل الذي هو لمصلحتهم, وحاورهم وأقنعهم.

واعتدل عبد العزيز في التزامه بالدين متأسياً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم, ولم يتطرف أو يفرط, ولم يتنازل أو يتشدد.

قال الملك عبد العزيز حسب ما نشرته صحيفة «أم القرى» في عام 1356هـ «إن الحياة المجردة عن الدين والزاخرة بأنواع القوى ليست حياة, وإنما الحياة الدين والتمسك به, وإقامة حدود الله».

ولكي ندرك حقيقة الاعتدال الذي سلكه الملك عبد العزيز علينا أن نقرأ التاريخ لأولئك القادة الذين تطرفوا في سياساتهم وقراراتهم وهو ما عرض بلادهم لويلات الحرب والفوضى, نتيجة لنزوة فردية, أو آيديولوجية بشرية زائلة.

الإخوة والأخوات:

نحن اليوم أحوج إلى الاعتدال في خضم التحولات والتيارات والمحاولات المتعددة لتغيير المفاهيم, وتشويه الحقائق, والتأثير على الآخرين باستخدام معلومات ظاهرها مغرٍ, وباطنها غير صحيح ولا ينشد المصلحة للناس.

ونحن بحاجة أيضا إلى تطبيق الاعتدال الحقيقي منهجا وسلوكا وثقافة والتزاما في رؤيتنا للأشياء والحكم عليها وعدم تغليب الانفعال والاستعجال.

يقول الملك عبد العزيز كما ورد في صحيفة «أم القرى»: «إنني أتألم جد الألم إذا رأيت بعض الأشخاص يشذون عن الطريق السوي, فيصغون لوساوس الشيطان, ومما لا شك فيه أن المصلحة العامة هي فوق كل مصلحة» .

ومصلحتنا اليوم هي مصلحتنا بالأمس؛ لأن أساسنا لم يتغير وإن تغير تفكير بعض الناس أو أسلوبهم في التعاطي مع أمور حياتهم .

واعتدالنا اليوم لا يقل أهمية عن اعتدالنا بالأمس؛ لتزايد التحديات, وكثرة المغريات, وتخبط البعض, وتقليدهم للآخرين من خارج بيئتنا ومجتمعنا وديننا.

واعتدالنا هو أيضا في الإفادة من العلوم والمخترعات والتطورات الحديثة في إطار ديننا ومبادئنا وما يخدم مجتمعنا.

الإخوة والأخوات:

اعتدالنا اليوم مطلب شرعي وضروري لمواجهة ما تعيشه الأمة من اضطراب وتجاهل للأسس والمبادئ كي نعزز وحدتنا وقوة بلادنا ونحافظ عليها.

وبلادنا ولله الحمد هي مهبط الوحي, وقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم, ومنطلق العروبة والإسلام. ولهذا أصبح دستورها القرآن الكريم وسنة نبيه الكريم. اعتدالها في المنهج والمواقف والرؤية معتمدا على أساسها الإسلامي الواضح, فأين تلك الدعوات البشرية والانفعالية لقومية عربية براقة لا أساس لها, وأين هي تلك الإيديولوجيات الكبيرة التي تابعها البعض وأيدها؟ لم تبق أو تصمد لأن أساسها غير حقيقي ولا يتصل بالإسلام ومبادئه, بل تناقضه وتصادمه.

وبلادنا هي منطلق العروبة والإسلام , حيث نزل فيها القرآن بلسان عربي, على نبي عربي, وقام أبناؤها بنشر هذه الرسالة الخالدة بأمر المولى عز وجل في أنحاء العالم بشكل معتدل.

نحن شرفنا الله بخدمة الحرمين الشريفين, وهي مسؤولية عظيمة نتولاها بكل ما نملك من مقدرات, وما لدينا من شعب وقيادة. وشرفنا الله عز وجل أن نخدم قضايا الأمتين العربية والإسلامية, في اعتدال حقيقي يقوم على مبادئ الدين لا على أساس المصالح.

وما نملك في بلادنا من ثروات مادية لا ترقى إلى ما نملكه من ثروة العقيدة الإسلامية, والرجال والنساء في بلادنا المخلصين لدينهم وأمتهم. ولقد استعملت بلادنا ولا تزال ولله الحمد والمنة ثرواتها المادية وغير المادية لخير الجميع من العرب والمسلمين, بل والعالم أجمع.

اعتدلنا ولا نزال في سياستنا الخارجية منذ توحيد البلاد على يد المغفور له الوالد المؤسس الملك عبد العزيز ورجاله المخلصين في أنحاء الوطن. فصداقتنا معتدلة مع الجميع ونعطي الأولوية لأمتنا العربية والإسلامية.

بل وبلادنا معتدلة أيضا في مواجهة خلافات الآخرين, حيث تترك المجال دائما رحبا للعودة والمصالحة دون انتقام أو انعزال أو مصادمة, وهذا هو الاعتدال الحقيقي.

واعتدالنا اليوم هو شكر لله عز وجل على ما حبانا من نعمة التوحيد والدين الصحيح, ونعمة الوحدة الوطنية والأمن والاستقرار, التي نتفيأ ظلالها ويحسدنا عليها الكثيرون.

وبهذه المناسبة أدعو أبنائي الطلاب وبناتي الطالبات إلى أن يلتزموا بالوسطية والاعتدال في أمورهم وتفكيرهم, لأنها هي الطريق الصحيح الذي سنه لنا الله عز وجل في وسط هذا العالم الذي يموج اليوم بالفكر والآراء, منها ما هو جيد ومنها ما هو رديء.

وهذه البلاد قامت على الاعتدال والعدل منذ تأسيسها قبل أكثر من مائتين وسبعين عاما, واستمرت على منهجها الإسلامي العظيم هذا في عهد الملك عبد العزيز ــ طيب الله ثراه ــ وسار على منهجه أبناؤه الملك سعود, والملك فيصل, والملك خالد, وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد ــ يرحمهم الله ــ وسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله يحفظه الله.

وهذا المنهج هو منهجنا جمعيا ونحن بصفتنا مواطنين مسؤولون عن المحافظة عليه, والالتزام به لأنه أساس قيام بلادنا على الكتاب والسنة النبوية, وأساس وحدتنا في أنحاء هذا الوطن الغالي.

ولنتذكر ما قاله الملك عبد العزيز ــ رحمه الله ــ «على كل فرد من رعيتنا يحس أن ظلما وقع عليه أن يتقدم إلينا بالشكوى... وعلى كل من يتقدم بالشكوى أن يبعث بها بطريق البرق, أو البريد المجاني على نفقتنا... وعلى كل موظف بالبريد أو البرق أن يتقبل الشكاوى من رعيتنا ولو كانت موجهة ضد أولادي وأحفادي وأهل بيتي...

وليعلم كل موظف يحاول أن يثني أحد أفراد الرعية عن تقديم شكواه مهما كانت قيمتها, أو حاول التأثير عليه ليخفف لهجتها, أننا سنوقع عليه العقاب الشديد...

لا أريد في حياتي أن أسمع عن مظلوم, ولا أريد أن يحملني الله وزر أو ظلم أحد, أو عدم نجدة مظلوم, أو استخلاص حق مهضوم... ألا قد بلغت, اللهم فأشهد...» ونحن سائرون بإذن الله على هذا المنهج وسنحافظ عليه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

حضر المحاضرة الأمير تركي بن ناصر بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة والأمير فيصل بن عبد الله بن محمد وزير التربية والتعليم والأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار والأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز رئيس ديوان ولي العهد المستشار الخاص لولي العهد والأمير الدكتور مشعل بن عبد الله بن مساعد المستشار بديوان ولي العهد والأمير خالد بن طلال بن عبد العزيز والأمير سلطان بن خالد الفيصل والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز المستشار الخاص والمشرف على المكتب والشؤون الخاصة لولي العهد والأمير بندر بن سلمان بن عبدالعزيز.

كما حضرها الوزراء وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة وكبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين وعدد كبير من طلاب وطالبات الجامعة.