المسؤولون العراقيون ينأون بأنفسهم عن أعمال العنف.. وصحف الأحزاب الحاكمة تتجاهلها

365 قتيلا في سبتمبر ليصبح الشهر الأكثر دموية منذ عامين

شرطيات عراقيات يقفن في وضع الاستعداد خلال حفل تخرج في بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

قتل 365 شخصا في العراق الشهر الماضي بحسب حصيلة لوزارات الداخلية والدفاع والصحة، ما يجعله الشهر الأكثر دموية منذ أكثر من عامين. وفيما تتواصل أعمال العنف فإن المسؤولين العراقيين يتبنون ما يمكن وصفه بـ«سياسة النأي بالنفس» عما يجري.

وأوضحت الحصيلة التي أوردتها وكالة الصحافة الفرنسية أن 182 مدنيا قتلوا في أعمال عنف متفرقة الشهر الماضي، بينما قتل 95 جنديا و88 شرطيا، ما يجعل هذا الشهر الأكثر دموية منذ أغسطس (آب) 2010 حين قتل 426 شخصا. كما أشارت الحصيلة إلى إصابة 683 شخصا بجروح، هم 453 مدنيا، و120 جنديا، و110 عناصر في الشرطة، بينما قتل 64 «إرهابيا» واعتقل 242 شخصا. وقتل منذ بداية العام الحالي في العراق الذي يشهد منذ سقوط النظام السابق عام 2003 أعمال عنف يومية راح ضحيتها عشرات الآلاف، نحو 1800 شخص، وفقا للأرقام الحكومية.

وشهدت الأسابيع الماضية سلسلة هجمات متكررة استهدفت مناطق متفرقة في البلاد بالسيارات المفخخة والعبوات والأحزمة الناسفة. وقتل أول من أمس 33 شخصا على الأقل وأصيب حوالي 104 آخرين بجروح في موجة هجمات أغلبها بسيارات مفخخة استهدفت نحو عشر مناطق مختلفة، بعد يومين من هروب عشرات السجناء المنتمي بعضهم إلى تنظيم القاعدة من سجن شمال العاصمة. كما أعلن مصدر في وزارة الداخلية أمس انفجار سيارة مفخخة مركونة في المنصور (غرب بغداد) مستهدفة موكب ضابط كبير برتبة لواء في وزارة الداخلية، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة أربعة آخرين بينهم اثنان من عناصر حماية الموكب.

وشهد يوما التاسع والعاشر من سبتمبر (أيلول) مقتل 88 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 400 آخرين في هجمات بينها انفجار سيارة مفخخة قرب القنصلية الفرنسية في الناصرية جنوب البلاد، وتبناها تنظيم القاعدة في العراق. كما قتل سبعة أشخاص على الأقل وأصيب 24 بجروح في هجوم انتحاري بسيارة مفخخة استهدف أحد مداخل المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد قبل أسبوعين.

ويمثل عدد ضحايا سبتمبر ارتفاعا كبيرا عن الشهر الذي سبقه حين قتل 164 شخصا وفقا لأرقام الوزارات الثلاث، علما أن 325 عراقيا قتلوا في يوليو (تموز) الذي كان أكثر الأشهر دموية منذ نحو عامين. واستطاعت قوات الأمن قتل 64 «إرهابيا» واعتقال 242 آخرين خلال الشهر الماضي، وفقا للمصادر ذاتها.

ويقول الخبير الأمني علي الحيدري إن أسباب تصاعد العنف «كثيرة بينها افتقار المؤسسة الأمنية للمعدات الفنية وضعف الجانب الاستخباراتي» و«وجود نوع من الفساد المالي والإداري في المنظومة الأمنية». ويضيف إلى ذلك «الخلافات السياسية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية». من جهته، يرى المحلل السياسي إحسان الشمري أن «هناك ما يؤشر إلى وجود خلل في عدم جاهزية المنظومة الأمنية وضعف في القدرات العسكرية ونقص في التدريب».

ويتابع أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد أن «هذه التفجيرات باتت أيضا أداة للضغط وتصعيد الصراع السياسي والأمني».

من جهتهم، يتبنى المسؤولون العراقيون في العلن سياسة «النأي بالنفس» عن أعمال العنف. إذ بينما عاش العراقيون أول من أمس رعبا متنقلا في نحو عشر مناطق مختلفة شهدت انفجار أكثر من 15 سيارة مفخخة وعبوة ناسفة، قتل فيها 33 شخصا على الأقل، لم تصدر أي إدانة وتعليق عن أي مسؤول كبير.

ويقول مستشار الأمن القومي السابق موفق الربيعي لوكالة الصحافة الفرنسية «مع الأسف أعمال العنف الإرهابية (...) أصبحت تمر مرور الكرام على بعض السياسيين بحيث لا يرمش لهم جفن». ويضيف «السبب أنهم هم أصلا جزء من المشكلة».

وغابت البيانات المنددة بالعنف والتي نادرا ما تنشر أصلا على مواقع الرئاسات الثلاث وغيرهم من المسؤولين خلال الأيام الدامية، ونشر بيان على موقع البرلمان حمل تهنئة لمنتخب كرة القدم للناشئين بالفوز على نظيره الكويتي. حتى قناة «العراقية» الحكومية، تجنبت الأحداث الدامية التي طبعت معظم فترات النهار. وأوردت القناة خبرين عاجلين، الأول أعلنت فيه فوز منتخب الناشئين وتأهله إلى تصفيات كأس العالم لكرة القدم، والثاني نقلت فيه تهنئة رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة للمنتخب. بدورها تجنبت معظم الصحف التابعة إلى أحزاب سياسية حاكمة صباح أمس التركيز على أعمال العنف.

ويرى المحلل السياسي إبراهيم الصميدعي أن «سياسة التجاهل والنأي بالنفس سببها عقدة الذنب». ويوضح «لو كان المعنيون يدركون أنهم قد يستفيدون منها لكانوا استخدموها كل الاستخدام، ووظفوها كل التوظيف.