باحثون وخبراء عسكريون: الهجوم على إيران قد يسرع حصولها على قنبلة نووية

أكدوا أن إدارة الرئيس السابق بوش توصلت إلى استنتاج أقوى سرا ورفضت القصف لأنه قد يأتي بنتائج عكسية

TT

لقد تمسك مؤيدو شن غارات جوية على المنشآت النووية في إيران منذ فترة طويلة بفكرة أن الهجمات من شأنها أن تؤجل قيام إيران بتصنيع قنبلة ذرية لعدة أعوام، وربما تمنح إسرائيل مساحة كافية من الوقت للإطاحة بالحكومة الإيرانية. وأكد هذا الاتجاه وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، الذي قال في تصريحاته لوسائل الإعلام، إن من شأنه (الهجوم) أن يضعف البرنامج النووي الإيراني، إن لم يدمره. وأعلن مؤخرا أن الهجوم سوف يعرقل الجهود الإيرانية «لفترة طويلة».

إلا أن عددا كبيرا من الباحثين والخبراء العسكريين وخبراء الحد من الأسلحة يتبنون رأيا مناقضا. ففي تقارير ومحادثات ومقالات ولقاءات، يشيرون إلى أن من شأن هجوم أن يؤدي فعليا إلى تسريع إيران وتيرة جهودها، لضمان تصنيع قنبلة والاندفاع نحو تحقيق هذا الهدف. وتحدث سكوت ساغان، وهو عالم سياسي بمركز الأمن والتعاون الدولي التابع لجامعة ستانفورد عن امتلاك إيراني سلاحا نوويا، قائلا: «من شأن هجوم أن يزيد من هذه الاحتمالية». ويتضح أن إدارة جورج بوش الابن قد توصلت إلى استنتاج أقوى سرا ورفضت القصف باعتباره قد يأتي بنتائج عكسية.

يسترجع مايكل هايدن، مدير وكالة الاستخبارات المركزية في تلك الفترة، كيف أن الرؤية السائدة بين كبار مستشاري بوش كانت هي أن شن هجوم «قد يدفعهم نحو القيام بما كنا نحاول إثناءهم عن القيام به». ويقول هؤلاء الذين يحذرون من شن هجوم على إيران إن تلك الخطوة من شأنها أن تحرر المسؤولين في طهران من العديد من القيود. على سبيل المثال، من المتوقع أن يؤدي هجوم بالتأكيد إلى إقصاء المفتشين الدوليين، وهو ما سيؤدي بدوره إلى السماح للحكومة بإلغاء المئات من أجهزة المراقبة والإجراءات الوقائية، من بينها وضع سدادات محكمة على وحدات التخزين تحت الأرض. إضافة لذلك، فقد يسمح لإيران بالظهور أمام العالم بمظهر الضحية لهجوم قد يلقى تعاطفا وربما واردات مهمة من دول أيدت في ما سبق فرض حظر تجاري. وينطوي هذا الرأي أيضا على حقيقة أن هجوما من شأنه أن يسمح لإيران بتوجيه اقتصادها لأهداف عسكرية.

ربما يكون الأمر الملحوظ بدرجة أكبر هو أن الهجوم يمكن أن يوحد دولة تعتبر الآن منقسمة، على حد قول هؤلاء المحللين، وأن يهيئ مناخا من حشد مشاعر الغضب. ومثلما كتب وزيرا خارجيتي السويد وفنلندا في وقت سابق من هذا العام، «من الصعب مشاهدة إجراء واحد يزداد احتمال أن يدفع إيران لاتخاذ القرار النهائي». إن التاريخ، على حد قول محللين، يظهر أن الغارات الجوية والتهديدات العسكرية عادة ما تؤدي إلى تصميم عنيد بين من هم مضطرون للقيام بأي شيء يتطلبه امتلاكهم أسلحة نووية. يقول جيفري لويس، اختصاصي عدم انتشار الأسلحة النووية بـ«معهد مونتيري للدراسات الدولية»: «دائما ما يفترض الناس أن الأعداء يشعرون بأنهم بحاجة إلى سلاح نووي». وأضاف: «لكني أعتقد أنه عادة ما يكون هناك تردد بشأن ميزان المخاطر. شعوري هو أن التهديد باتخاذ إجراء عسكري يجعل الأعداء يشعرون بأنهم بحاجة لامتلاك قنبلة نووية».

يبدو أن وزير خارجية باكستان، ذو الفقار علي بوتو، قد جسد ذلك النوع من التصميم عندما أدلى بقوله الشهير في عام 1965 وهو: «إذا ما صنعت الهند القنبلة، فسوف نأكل العشب أو أوراق الشجر، بل وسنعاني من مجاعة، ولكن ستصبح لدينا قنبلة خاصة بنا». وقال مارك فيتزباتريك، وهو مسؤول رفيع المستوى متخصص في منع انتشار الأسلحة النووية بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهي مؤسسة بارزة متخصصة في تحليل الأسلحة في لندن، في حوار عبر البريد الإلكتروني إنه يبدو «شبه مؤكد أن هجوما عسكريا على إيران من شأنه أن يؤدي إلى اندفاع على طراز مانهاتن لإنتاج أسلحة نووية بأقصى سرعة ممكنة».

ويرى هؤلاء المحللون أن تاريخ انتشار الأسلحة النووية يظهر أن محاولة عرقلة برنامج نووي عبر هجوم يمكن أن تأتي بنتائج عكسية. عادة ما يستشهد لويس من معهد «مونتيري» وخبراء آخرون بمثال هجوم إسرائيل على مفاعل «أوزيراك» النووي العراقي في عام 1981، الذين يرون أنه قوى شوكة صدام حسين وأحيا مطامحه النووية من جديد. كتب لويس مؤخرا: «كل الأدلة التاريخية التي شهدتها تشير إلى أنه قد تعين على صدام اتخاذ قراره بامتلاك أسلحة نووية حتى الغارة المذلة». يختلف مسؤولون إسرائيليون كبار مع هذا الرأي؛ فقد أشار أموس يادلين، أحد الطيارين الذين هاجموا المفاعل العراقي ورئيس سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، في وقت سابق من هذا العام إلى أن البرنامج النووي للعراق «لم يستأنف بشكل كامل مطلقا» واستشهد بحادثة تفجيره على أنها مبرر منطقي مقنع للقيام بعمل عسكري ضد إيران. إلا أن عددا من المسؤولين الإسرائيليين السابقين قد رددوا رأي هؤلاء الذين رأوا أن الهجوم قد عزز موقف صدام، ويساورهم الخوف من أن يؤدي هجوم مماثل على إيران للنتيجة نفسها.

أشار يوفال ديسكين، الذي تقاعد العام الماضي من عمله مديرا لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، في اجتماع عقد في أبريل (نيسان) إلى أن «العديد من الخبراء» يستشهدون بخطر التعجيل». وقال: «ما يفضل الإيرانيون اليوم القيام به ببطء وروية قد يتمتعون بشرعية القيام به بسرعة وفي غضون وقت أقصر بكثير». ويقول خبراء في مجال الطاقة النووية إن الترويع وحده قد يؤدي إلى رد فعل عنيف، مثلما حدث عندما دفع العداء الأميركي الصين للسعي لامتلاك أسلحة نووية. ونجحت بكين في عام 1964 من خلال ضربة مدوية. في «الصين تصنع القنبلة»، كتب جون ويلسون لويس وشيويه ليتاي أن تهديدات واشنطن تسببت في «موجة غضب عارمة واتخاذ القرار بتنفيذ برنامج الأسلحة النووية المكلف».

يبدو أن مسألة العامل المحفز لتسريع وتيرة البرنامج النووي يتجاوز نطاق الأزمة الإيرانية والتاريخ الذري، نظرا لأن عدد الدول النووية الخاملة (الدول التي يمكنها تصنيع قنابل نووية، ولكنها تؤثر عدم القيام بذلك، مثل اليابان وألمانيا) قد زاد بمختلف أنحاء العالم في العقود الأخيرة. يقدر عددها الآن بنحو 40 دولة. لقد دخل العلماء في جدال منذ فترة طويلة بشأن العوامل الاجتماعية التي تمنع الدول من تجاوز الخط الأحمر. كان محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد أخبر زملاءه قبل نيلهم جائزة نوبل للسلام في عام 2005 أن قرار القصف عادة ما لا يؤول إلى أية نتيجة أكثر تعقيدا من «الشعور بالأمان أو عدم الأمان». وأضاف أنه في عالم مضطرب، من المحتمل أن يتغير ذلك النوع من التقييمات بشكل سريع. ووصف هامش الأمان بأنه «رفيع ومقلق».

* خدمة «نيويورك تايمز»