رئيس مجلس ثوار طرابلس: القذافي كتب شهادة وفاته عندما وصفنا بالجرذان

مصدر إعلامي بريطاني: النظام السوري غدر بالعقيد لإنقاذ نظامه

يوسف المنقوش رئيس أركان الجيش الليبي وصقر الجروشي قائد القوات الجوية الليبية لدى زيارتهما مركز صيانة الطائرات الحربية في مطار معيتيقة في طرابلس أمس (إ.ب.أ)
TT

قدم عبد الله ناكر، رئيس مجلس ثوار طرابلس، أمس رواية جديدة لـ«الشرق الأوسط» حول ملابسات مقتل العقيد معمر القذافي، الذي يرى ناكر أنه «مات كمدا ولم يمت قتلا».

وأضاف ناكر، في تصريحات عبر الهاتف من طرابلس أن «تشريح جثة القذافي يثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه أصيب بشظية في رأسه تسببت في حدوث نزف بالإضافة إلى طلق ناري في الصدر قد يكون ناتجا عن إطلاق النار عليه بصورة عشوائية، خاصة أن المنطقة التي اعتقل فيها بمسقط رأسه في مدينة سرت الساحلية، كانت منطقة اشتباك بين قوات الثوار وفلول الكتائب العسكرية والأمنية الموالية للقذافي».

واعتبر ناكر أن القذافي أصدر حكم الإعدام على نفسه يوم وصف الثوار الليبيين بالجرذان، لافتا إلى أن ما رددته بعض التقارير الصحافية الغربية مؤخرا عن تسريب الرئيس السوري بشار الأسد رقم هاتف القذافي قد يكون أفاد في تأكيد وجود القذافي في سرت. وأضاف ناكر: «هذه المعلومة لن يكون بإمكان أي أطراف أجنبية الاستفادة منها في تلك المرحلة، والوحيدون الذين استفادوا من معرفة أن القذافي في سرت هم الثوار، ومصادر الثوار تنفي وجود أي جهات أجنبية في مناطق الاشتباكات خاصة مع عدم وجود علم مسبق بوجود القذافي؛ إذ إن الحادثة بأكملها قد وقعت بشكل عرضي».

وزاد ناكر، الذي يترأس أيضا حزب القمة الليبي، قائلا: «حتى لو تم تسريب المعلومات إلى المخابرات الفرنسية، فعدم وجود عناصر لها مسبقا على الأرض وعدم علمها المسبق بوجود القذافي وقصر المدة بين تحديد موقعه وحادثة مقتله يتنافي مع احتمال تصفيته بأياد أجنبية».

إلى ذلك، ذكرت مصادر إعلامية بريطانية أن نظام الأسد في سوريا عجل بموت العقيد القذافي من خلال تقديم معلومات استخباراتية مهمة إلى فرنسا ساعدت في إنجاز العملية التي انتهت بمقتله، حسب قول مصادر في ليبيا. وتشير المصادر إلى «قدرة الجواسيس الفرنسيين الذين يعملون في سرت، المدينة التي كانت آخر ملجأ للقذافي، على نصب شرك للحاكم الليبي المستبد بعد الحصول على رقم هاتفه المتصل بالقمر الاصطناعي من النظام السوري».

«وفي فعل يصل إلى حد خيانة رجال الشرق الأوسط الأقوياء بعضهم بعضا بشكل غير عادي، باع بشار الأسد زميله الحاكم الظالم ليحمي نفسه» على حد تصريح مسؤول استخباراتي سابق رفيع المستوى في طرابلس لصحيفة «ديلي تلغراف». ففي ظل تحول الاهتمام العالمي من ليبيا إلى سوريا وما يرتكب فيها من فظائع، عرض الأسد على باريس رقم الهاتف مقابل تخفيف الضغط الفرنسي على دمشق، بحسب رامي العبيدي.

وقال العبيدي: «حصل الأسد مقابل تقديم هذه المعلومات على وعد من فرنسا بمنحه فترة سماح وتخفيف الضغط السياسي على النظام وهو ما حدث بالفعل».

ولم يتسن التأكد من صحة هذه المزاعم من مصدر مستقل. وكان الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، اضطلع بدور بارز في مهمة حلف شمال الأطلسي في ليبيا، وحشد الضغط الدولي على نظام الأسد.

وتأتي مزاعم العبيدي، الرئيس السابق لاستخبارات الحركة التي أطاحت بالقذافي، بعد تعليقات محمود جبريل، الذي شغل منصب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية، ويرأس حاليا واحدا من أكبر الأحزاب السياسية في ليبيا، الذي أكد في نهاية الأسبوع الماضي تورط «عميل» أجنبي في العملية التي أدت إلى مقتل القذافي.

ورغم أنه لم يحدد جنسيته، فإن صحيفة «كوريري ديلا سيرا» الإيطالية نقلت عن مصادر دبلوماسية غربية في طرابلس قولها إن هذا العميل إذا كان أجنبيا، فلا بد أنه كان فرنسيا. وقد تسبب هذه الأنباء عن اتفاق سوري حرجا لحلف شمال الأطلسي، الذي كان يزعم في البداية أنه «لم يستهدف أفرادا».

وحسب الرواية الرسمية للحلفاء، رصدت طائرة استطلاع تابعة للقوات الجوية الملكية البريطانية موكب سيارات ضخما يحاول الهروب من سرت في 20 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، أي بعد شهرين من هروب القذافي من طرابلس. وقصفت طائرات حلف شمال الأطلسي الحربية بعد ذلك الموكب ربما من دون معرفة الأشخاص الذين كانوا بداخل السيارات، قبل أن يعثر المقاتلون المسلحون بعد ذلك على القذافي مختبئا في أنبوب صرف صحي. ويعتقد أنه قتل على أيدي الذين أمسكوا به وهو في طريقه من مصراتة إلى غرب سرت.

مع ذلك، قال العبيدي إن فرنسا كانت العقل المدبر للعملية من خلال توجيهها المسلحين الليبيين إلى مكان الكمين الذي يمكنهم من قطع الطريق على موكب القذافي. كذلك أشار إلى أن فرنسا لم تكن مهتمة بشكل التعامل مع القذافي بعد القبض عليه رغم حث المقاتلين على محاولة الإمساك به حيا. وقال العبيدي: «اضطلعت الاستخبارات الفرنسية بدور مباشر في موت القذافي بما فيه مقتله. لقد أصدروا تعليمات باعتقاله، لكنهم لم يهتموا بما إذا كان سيصاب، أم يوسع ضربا ما دام سيتم تسليمه حيا». وحسب العبيدي، بدأت الاستخبارات الفرنسية مراقبة هاتف القذافي المتصل بالقمر الاصطناعي، وحققت إنجازا مهما عندما حاول الاتصال بأحد كبار الموالين له في سوريا وهو يوسف شاكر، فضلا عن أحمد جبريل، وهو قائد فلسطيني. نتيجة لذلك، بات في مقدورهم تحديد موقعه ورصد تحركاته. ورغم اطلاع مسؤولي الاستخبارات التركية والبريطانية، الذين كانوا في سرت في ذلك الوقت، على خطط لأكمنة مسبقا، بما في ذلك القوات الجوية الخاصة، فإنهم لم يشاركوا في تلك العملية التي كانت «مقتصرة على فرنسا»، على حد قول العبيدي.

وقت مقتل القذافي، لم يكن العبيدي على وفاق مع أقوى فصيل في الحكومة الانتقالية الليبية بسبب علاقته باللواء عبد الفتاح يونس، أحد كبار القادة الثوريين الذي قتله أعوانه في يوليو (تموز) من العام الماضي. ورغم ذلك، فإن العبيدي استمر في أداء دوره الاستخباراتي على مستوى رفيع، لكن غير رسمي.

وذكرت المصادر، التي نقلت عنها صحيفة «كوريري ديلا سيرا»، أحد أسباب تولي فرنسا القيادة في العملية ورغبة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في رؤية القذافي مقتولا، وهو تهديده علنا بالكشف عن تفاصيل المبالغ المالية الطائلة التي تبرع بها لساركوزي خلال حملته الانتخابية عام 2007. وقال دبلوماسيون غربيون بحسب ما ذكرت الصحيفة: «كان لدى ساركوزي أسباب كثيرة تجعله يرغب في التخلص من العقيد القذافي بأسرع ما يمكن».

وفي باريس، لم تعر الصحافة الفرنسية كبير اهتمام للمعلومات التي تناقلتها الصحافتان البريطانية والإيطالية عن الظروف الغامضة لمقتل العقيد القذافي، كما لم تصدر عن الهيئات الرسمية الفرنسية أي تعليقات بهذا الخصوص. وسئلت الخارجية الفرنسية أمس، في إطار مؤتمرها الصحافي الإلكتروني، عن صحة المعلومات التي نقلتها صحيفة «تلغراف» البريطانية التي تتحدث عن قيام تعاون مخابراتي بين الأجهزة الفرنسية والسورية. غير أن الخارجية الفرنسية رفضت الرد واكتفت بالقول إنها «لا تعلق على هذا النوع من المزاعم».

وفي غضون ذلك، تقول مصادر سياسية فرنسية ردا على اتهامات القذافي وابنه سيف الإسلام عن تمويل ليبي لحملة الرئيس ساركوزي الانتخابية في عام 2007 إنه إذا كان صحيحا أن القذافي مول هذه الحملة فلماذا لم يكشف عن الوثائق التي تثبت أقواله؟

وهذه الاتهامات ليست جديدة، لكن المشكلة المرتبطة بها أنه لم تقم على وثائق يمكن الارتكان إليها ما ينزع عنها الكثير من المصداقية.