الجزائر: ملف الاختفاءات القسرية يعود إلى الواجهة

بسبب أهالي «المفقودين» على البحث عن «الحقيقة والقصاص»

TT

تواجه السلطات الجزائرية صعوبات كبيرة في طي صفحة الاختفاءات القسرية، كأخطر ملف خلفه الاقتتال الدامي بين قوات الأمن والجماعات الإسلامية المسلحة، في عقد التسعينات من القرن الماضي. وتطالب عائلات ما يعرف بـ«المفقودين» بالكشف عن قاتليهم ومعاقبتهم لأنها تبدو متأكدة بأنهم قتلوا، أما السلطات فتقترح عليهم مبالغ مادية في مقابل «نسيان الماضي».

وإذا كانت الحكومة استطاعت أن تقهر الإرهاب في المناطق الحضرية، وأن تقلل من خطورته في الجبال والصحراء، فإنها تبقى عاجزة عن حل مشكلة «المفقودين». ويتعلق الأمر بآلاف الأشخاص الذين ينتمون للتيار الإسلامي، يقول ذووهم إن أجهزة الأمن اعتقلتهم في منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي، بسبب نشاطهم السياسي ولم يظهر لهم أثر حتى اليوم. ويقول أهاليهم أيضا إنهم ليسوا مفقودين بل إنهم مختطفون، على أساس أن اختفاءهم كان بفعل فاعل معلوم. ورفضت السلطات في بداية الأزمة الأمنية الحديث عن «اختفاءات قسرية» بحجة أن «غالبية المفقودين التحقوا طوعا بالجماعات الإرهابية وقتلوا في مواجهات مع قوات الأمن». كما أشيع بأن الكثير منهم تعرض للتصفية داخل صفوف الجماعات الإسلامية المسلحة.

ومن أكثر من روج لرواية «الالتحاق بالإرهاب»، كمال رزاق بارة، رئيس «المرصد الوطني لحقوق الإنسان» آنذاك، المرتبط بالحكومة، وهو حاليا مستشار برئاسة الجمهورية مكلف ملف محاربة الإرهاب. ولم تقدم السلطات أي دليل يثبت أن «المفقودين» إرهابيون. ولا تملك عائلاتهم ما يثبت بأنهم قتلوا فعلا، ولكن باستطاعتها أن تثبت أن أي مركز أمن اقتيدوا إليه للتحقيق معهم، ومنهم من لم يعد إلى البيت. والكثير من «المفقودين» أخرجوا من بيوتهم بالقوة ليلا على أيدي مسلحين، ولا أحد بإمكانه الجزم بأنهم ينتمون إلى قوات الأمن. ومنعت السلطات السبت الماضي، مظاهرة لعائلات «المفقودين» بالعاصمة بمناسبة مرور 7 سنوات على استفتاء «المصالحة الوطنية» 29 سبتمبر (أيلول) 2005، الذي نص على صرف منح وتعويضات لفائدة ذوي المفقودين. وتضمن المشروع السياسي أيضا، منع متابعة أي مسؤول سياسي وأمني في الدولة ضالع في ملف المفقودين أو في أي شكل من أشكال التجاوزات التي وقعت في إطار سياسة محاربة الإرهاب. ورضي قطاع من ذوي المفقودين بالمشروع ورفضه قطاع آخر. وطالب الذين نظموا المظاهرة بـ«الحقيقة والقصاص». واعتقل في المظاهرة علي بن حاج، القيادي في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» الذي حضر على سبيل الدعم والمؤازرة. وتقول السلطات إن عدد المفقودين لا يتجاوز ستة آلاف. أما جمعيات أهالي المفقودين فتقول: إن عددهم يفوق عشرة آلاف.

وأفاد فاروق قسنطيني، رئيس «لجنة حماية وترقية حقوق الإنسان» القريبة من الرئاسة لـ«الشرق الأوسط»، إن سياسة «المصالحة التي أشرف عليها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة شخصيا، سحبت ورقة المفقودين من أيدي المتاجرين بالأزمة عندما تكفلت إنسانيا واجتماعيا بأبناء وأرامل المفقودين»، وذلك في إشارة إلى «المتاجرين» أحزاب المعارضة التي تتهم السلطات بـ«التملص من مسؤوليتها بخصوص معاقبة المتسببين في خطف وقتل الآلاف من أبناء الجزائر».

وأضاف قسنطيني، وهو محام معروف: «أنا أنصح كل عائلات المفقودين بقبول التعويضات التي تقترحها عليهم السلطات. صحيح أن الشخص الذي فقد لا يمكن تعويضه بمال الدنيا كلها، ولكن حتى ندفن الأحقاد ونجنب أبناءنا تصفية حسابات في المستقبل، علينا أن نطوي صفحة الأزمة الخطيرة. وطيها يكون حتما عن طريق تسوية ملف المفقودين». وزاد قائلا: «ما الذي ستجنيه أم أو أرملة مفقود من معاقبة رجل أمن تتهمه بخطف ابنها أو زوجها؟ إنها لن تجني إلا مزيدا من النزيف في الجرح الغائر».