فاروق حسني: بعد 23 عاما وزيرا و18 سنة دبلوماسيا يسألونني عن 1.5 مليون دولار

وزير الثقافة السابق في حوار مع «الشرق الأوسط»: أدعو الله أن لا تكون هناك نية للانتقام مني بسبب موقفي من الحجاب

الوزير السابق فاروق حسني في مرسمه الخاص بفيلته بحي الزمالك («الشرق الأوسط»)
TT

قال فاروق حسني وزير الثقافة المصري الأسبق، إنه لم يعجز عن تبرير مصادر ثروته، وقام بتقديم كل المستندات التي تثبت حصوله على ثروته بطرق مشروعة عن طريق بيع لوحاته الفنية في المزادات والمعارض الفنية العالمية. وأكد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني لـ«الشرق الأوسط» أن مصادر ثروته شرعية بالكامل، وأنه قدم لسلطات التحقيق العام الماضي ما يثبت أصل ومصدر كل مليم دخل جيبه.

وكان الوزير الأسبق خلال نحو ساعتين قضتهما «الشرق الأوسط» في فيلته الخاصة بحي الزمالك الراقي، لا يحزنه بشدة سوى صدور أمر بوضع اسمه على قوائم الممنوعين من السفر، بعد أن اختاره معرض الشارقة الدولي للكتاب لجائزة شخصية العام الثقافية في الدورة الـ31 لمهرجان الشارقة الثقافي في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وكانت «الشرق الأوسط» التقته قبل تحويله إلى محكمة الجنايات بتهمة الإثراء غير المشروع، ولكن الاتهامات كانت وجهت إليه، قائلا إنه عرف بها أيضا من الصحف.

كانت غمامة حزن تمر على وجه الوزير الأسبق فارق حسني، وتنقبض ملامح وجهه، وهو يتحدث عن منعه من السفر بعد كل هذا العمر الذي قضاه في خدمة بلده وزيرا للثقافة لأكثر من 23 عاما ، ومستشارا ثقافيا في الخارج في أوروبا لنحو 18 عاما، ويقول: «بعد كل هذا العمر في خدمة وطني الحبيب، أنا قيد المحاكمة وممنوع من السفر.. أنا شخصيا لا أصدق».

وأضاف حسني أنه قدم للنيابة من قبل كل الشيكات والأوراق التي تثبت حصوله على ثروته بطرق مشروعة، وتم حفظ القضية، ومن وقتها حتى هذا اليوم لم يحدث أن استدعته النيابة للتحقيق، وما قيل حول امتلاكه «ثروات عقارية وأسهما وسندات وأرصدة في البنوك تقدر قيمتها بملايين الجنيهات، لا أساس له من الصحة». ولفت إلى أنه سبق أن تقدم بذمته المالية إلى جهاز الكسب غير المشروع خلال مايو (أيار) من العام الماضي، نافيا أن يكون يمتلك ما حمله قرار الاتهام بحقه من قصور وأراض في عدة محافظات مصرية. وقال إنه تقدم بكل ما يملك إلى جهاز الكسب غير المشروع، الأمر الذي يدحض جميع الاتهامات التي حملها قرار الإحالة إلى محكمة الجنايات، وقال: «لو كنت غير شريف لامتدت يدي إلى مبالغ طائلة من التي خصصتها لي الدولة عندما كنت مرشحا لليونيسكو». وأبدى حسني اندهاشه مما حدث، نظرا لأن الاتهام الموجه إليه كان قد تم حفظ التحقيق فيه العام الماضي، بعد تقديم كل الأدلة والوثائق التي تؤكد سلامة موقفة وذمته المالية، مشيرا إلى أنه لو أراد الكسب غير المشروع لكان حصل على عشرات الملايين، كما جاء في الاتهام، لأنه لم يفكر يوما في الحصول على أراض أو فيلات، ولأن أراضي مصر كانت تحت يده من خلال إشرافه على مشاريع مصر الثقافية.

وقال حسني إنه يثق تماما في نزاهة القضاء المصري وحكمه العادل الذي سيصدر منزها عن أي أغراض سياسية أو شخصية، خاصة أنه لا يستبعد أن تكون إعادة التحقيق معه مرة أخرى «بمثابة تخويف لجموع المبدعين والمثقفين المصريين».

ومقر إقامة فاروق حسني في فيللا بقلب الزمالك يلاحظ عليها الفن الراقي واللمسات الجميلة من المدخل إلى الحديقة الصغيرة الخضراء المرتبة بعناية، إلى الفراندة، إلى الديكور، إلى الألوان ومساحات الضوء الموزعة بانتظام، إلى الآتيليه الخاص الملحق بمرسم الفنان فاروق حسني الوزير السابق.. أو كما يقولون: «كل شيء في موضعه من دون زخرف».

وعندما التقته «الشرق الأوسط» كان مرتاحا ومعنوياته مرتفعة، وهو يتحدث عن القضايا التي رفعت ضده وفي حقه بعد الثورة، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أدعو الله العلي القدير أن لا تكون هناك نية انتقام مني» بسبب تصريحاته السابقة، خلال فترة وجوده بالوزارة، بخصوص موقفه من الحجاب، مشيرا إلى أنه على قناعة تامة بأن الحجاب حرية شخصية تامة، وعندما كان يتقلد وزارة الثقافة، كان في إدارة مكتبه سيدات محجبات، ولكنه ضد وضع الحجاب على رؤوس البنات قسرا في سن صغيرة للغاية، و«هو خطأ تربوي بالغ».

وتحدث عن الدين الإسلامي الذي أسس لفلسفة متميزة في رؤية الكون والحياة والعلاقات بين الأحياء، مضيفا أن الإنسانية التي خلقها الله من نفس واحدة تتنوع إلى شعوب وقبائل وأمم وأجناس وألوان.. وكذلك إلى شرائع في إطار الدين الواحد، وإلى مناهج؛ أي ثقافات وحضارات في إطار المشترك الإنساني الواحد، الذي لا تختلف فيه الثقافات.. كما تتنوع إلى عادات وتقاليد وأعراف متمايزة حتى داخل الحضارة الواحدة، بل والثقافة الواحدة.

وقال: «بعد كل هذا العمر؛ بعد 23 عاما خدمت فيها بلدي وزيرا للثقافة، و18 عاما أخدم فيها وطني في الخارج دبلوماسيا ومستشارا ثقافيا، يحاسبونني اليوم على مليون ونصف مليون دولار.. هل هذا معقول؟ لقد قدمت لهم كل شيء».

وقال حسني لـ«الشرق الأوسط»: «إنني فنان عالمي ولوحاتي لها أسعار موجودة في كتالوجات صالات المزادات العالمية، يمكن الرجوع لها»، مشيرا إلى أنه قدم للمحققين صورة من كل شيك صدر باقتناء لوحة له، سواء من متاحف عالمية أو شخصيات اعتبارية، وأنه لم يكن هناك فارق بين ما قدمه من مستندات وبين حجم ثروته.

وبعيدا عن ملف الاتهامات الموجه إلى الفنان الوزير الأسبق، قال فاروق حسني إن رأسماله الحقيقي هي إنجازاته في وزارة الثقافة خلال 23 عاما، و«ليست أملاكا وبيع لوحات وسيولة بنكية يتحدثون عنها اليوم»، وأشار حسني إلى أنه لو كان يريد تكوين ثروة طائلة من خلال موقعة لصنع ذلك بشكل مشروع في ظاهره، من خلال شراء أراض وفيللات في مارينا أو الساحل الشمالي وبيعها لحسابه الخاص بأسعار باهظة مثلما فعل بعض الوزراء، مضيفا أنه قام «بإنشاء أكثر من 70 متحفا ضخما خصصت لها ميزانيات هائلة وكان من السهل تكوين ثروة من خلال تلك المشروعات، فميزانية المتحف المصري الكبير بمفرده بلغت أكثر من 700 مليون دولار»، وأخيرا قال حسني إنه إن كان قد كون ثروة غير مشروعة حسب ما قيل في 23 عاما وزيرا للثقافة «أكون بذلك عبيطا، فالأموال الطائلة كانت تحت يدي وكان من السهل الحصول عليها».

وحاولت «الشرق الأوسط» أن تأخذه بعيدا عن ملف القضايا والاتهامات الموجهة إليه، وانفعاله اللحظي، وهو يدافع عن نفسه، وسألته عن الموعد الذي يدخل فيه الآتيليه الخاص لرسم لوحات أو يكمل لوحة ما، فابتسم وقال: «عندما تجدني في المرسم (الآتيليه) ستجدني في أعلى معنوياتي».

ودخل الوزير الأسبق إلى الآتيليه الخاص به في الداخل وأحضر معه كتابا فخما بالإنجليزية تحت عنوان «الشارع الأعظم» عن شارع المعز لدين الله الفاطمي درة القاهرة الإسلامية، أهداه لـ«الشرق الأوسط»، وقال إن شارع المعز يعتبر أكبر متحف مفتوح في العالم للآثار، الذي أشرف بنفسه على ترميماته وإعادته إلى الحياة، على حد قوله، وقال حسني: «يشتمل شارع المعز لدين الله الفاطمي بقاهرة المعز، على مجموعة من الآثار والقيم التخطيطية والمعمارية التي يرجع تاريخها إلى مجموعة عصور متوالية منذ أنشئت القاهرة الفاطمية وعبر عصر المماليك البحرية والمماليك الشراكسة، وهى فترة العصور الوسطى التي تمتد من القرن العاشر حتى القرن السادس عشر الميلادي، ثم الحكم التركي الذي خلف أيضا العديد من العناصر المعمارية والمباني الأثرية، وبالإضافة إلى أن الشارع مزار أثري وسياحي، فإنه يعد سوقا تجارية يتردد عليها مئات الآلاف يوميا»، وقال حسني لـ«الشرق الأوسط»: «لقد كنت أذهب أثناء عمليات ترميم القاهرة الإسلامية يوميا بالبنطلون الجينز إلى الشارع وأشرف على لحظات تاريخية في قلب قاهرة المعز لدين الله يوميا، كنت هناك بين العمال». وأوضح حسني: «لقد كانت فترة وجودي في وزارة الثقافة عملا متواصلا من أجل تاريخ وحضارة مصر». وتطرق إلى شارع المعز الذي يعتبر من أهم إنجازاته إلى جانب المتحف المصري الكبير بالقول: «يعتبر شارع المعز عصب مدينة القاهرة منذ نشأتها، ويضم كوكبة من أجمل الآثار الإسلامية بالعالم يصل عددها إلى 29 أثرا، حيث تنفرد تلك الآثار برونق خاص من حيث جمال ودقة وتنوع وضخامة العمارة والزخرفة، وتتميز ليس فقط بمساجدها الشامخة، بل تضم أيضا مدارس ومدافن وبيمارستانات (مستشفيات) وأسبلة وكتاتيب وقصورا، ومن بين تلك الآثار ما يرجع إلى العصر الفاطمي ومنها ما يرجع إلى العصر الأيوبي والعصر المملوكي، علاوة على ذلك، يضم الشارع أيضا آثارا من العصر الشركسي، والعصر العثماني، ثم عصر محمد علي، وهي آثار تزخر بالروحانيات والجمال الذي يشهد بروعة الفنان والمعماري المصري المسلم».

ويضيف الفنان فاروق حسني: «عندما أتيت وزيرا للثقافة، لم تكن هناك مكتبة واحدة، حتى (دار الكتب القومية) كانت إدارة في هيئة الكتاب، وبالتالي كان يجب علي إرجاع (دار الكتب) التي تحتوي على كم هائل من الكتب التاريخية والمخطوطات النادرة إلى بيتها الأساسي عند نشأتها الأولى في بداية القرن الـ19، وكنت أتساءل: كيف يكون هذا الفراغ المكتبي الهائل على مستوى الجمهورية؟ وقبل أن أغادر مكتبي في الوزارة أستطيع القول إن هناك اليوم مكتبات في القرى والكفور والنجوع وبطون الجبال، وأغلبها لم يكن معروفا على خرائط مصر، وكانت تأتيني خطابات من الشباب المصري.. يقول أحدهم، كما أتذكر، إنه يقطع خمسة كيلومترات للذهاب إلى المركز لشراء كتاب، ونجحت في إنشاء 145 مكتبة، بالإضافة إلى مكتبات قصور الثقافة المصرية، وتحديث نحو 54 قصرا ثقافيا على مستوى الجمهورية، وكانت القاهرة منبع الكتاب والشعراء والأدباء، ولكن في عموم أنحاء الجمهورية هناك كم كبير من الشعراء والمثقفين وكتاب الرواية والقصة أيضا، وكان (مؤتمر أدباء الأقاليم) هو المدخل الحقيقي لاكتشاف العشرات من المواهب المدفونة من الشعراء والأدباء والمبدعين الجدد، وكان لابد من البحث عن رموز أدبية جديدة تنير الطريق وتحمل المشعل الثقافي».

وقال لـ«الشرق الأوسط» ردا على سؤال حول النجوم الثقافية التي عملت معه وساعدته من أجل النهوض وإدارة الهيئات الثقافية في مصر مثل جابر الأنصاري وزاهي حواس وجابر عصفور وأحمد نوار، فأجاب: «كل من هؤلاء يصلح أن يكون وزيرا»، مضيفا: «إذا أردت أن تنجح مجتمعا بأكمله وترفع من شأنه، عليك باختيار أفضل الأدمغة لتعمل معك من أجل تنفيذ الغرض المطلوب، وخلال عملي كنت أبعد عن الذاتية وكنت دوما أبحث عن الفكر الجمعي، وقد سعدت بالعمل والتعاون مع هؤلاء جميعا، وهم أيضا شركاء في النجاح الثقافي خلال الفترة التي توليت فيها شؤون وزارة الثقافة المصرية، ويمكن الإشارة أيضا إلى المجلس الأعلى للثقافة المصرية الذي كان يضم رموز الفكر الثقافي، مثل زكي نجيب محمود، وإسماعيل صبري عبد الله، وسليمان حزين، والدكتورة بنت الشاطئ، وسهير القلماوي، ويحيى حقي، ونجيب محفوظ، والفنان صلاح طاهر.. جميعهم قمم ثقافية شامخة أثرت تاريخ بلدنا، وهذا المجلس أدير بالخيال والإبداع».

وعن روشتة علاج الثقافة المصرية، قال الوزير الأسبق فاروق حسني: «الخيال أي تصور لما يجب أن تكون الحال الثقافي عليه، لأن الوزير في مصر مسؤول أيضا عن هوية ثقافية عربية كاملة، أي إنها قاطرة تشد المجتمع العربي للتنافس في المحافل الدولية الثقافية، ويمكنني القول اليوم إن كثيرا من الدول العربية باتت على درجة عالية جدا من التصور الثقافي الراقي بإقامة المتاحف والقصور الثقافية بمستوى عال من الإمكانات، والثقافة العربية لها جذور قديمة جدا، وفي اعتقادي أن وزير الثقافة المصري لا بد أن يكون لصيقا بالثقافات العربية وخادما لها، أي لا يستأثر بثقافة مصر؛ بل عليه أن يحتمي بثقافة العرب، وكانت القاهرة دوما مركز استقطاب المثقفين العرب ومنبرهم، ودائما ستجد مصر تحتضن المثقفين العرب وتفتح ذراعيها لهم، فتجد وليد عوني، ونصير شمة، والمايسترو سليم سحاب، وكانت هناك مؤتمرات دولية للمثقفين العرب، كان يشرف عليها الأستاذ جابر عصفور».

وحول موقف الإسلاميين و«الإخوان» من فاروق حسني، قال الوزير السابق: «لا أتمني ذلك، وأتمنى من الله العلي القدير أن لا يكون هناك تخليص حساب من الإسلاميين ضدي اليوم، وأن يكون القضاء هو الفيصل في أي قضايا مرفوعة ضدي، لأن القضاء المصري في المقام الأول قضاء نزيه يعطي لكل ذي حق حقه، فعندما تتهم بمليون ونصف المليون دولار بعد 23 عاما وزيرا للثقافة و18 عاما في أوروبا.. هل هذا معقول؟ ومثلا المتحف المصري الكبير الذي كنت أشرف على إنشائه، تكاليفه 6 مليارات جنيه، ومتحف الحضارة في الفسطاط تبلغ تكلفته 900 مليون جنيه، هذا غير 42 متحفا أثريا أنشأتها، وكذلك 35 متحفا فنيا، ومئات المكتبات، واليوم يسألونني عن مليون ونصف مليون دولار: من أين لك هذا؟ وبعدما أغلق ملف الإهمال سابقا يعاد فتحه من جديد، وطوال خدمتي في الحكومة لم آخذ مترا واحدا أرضا وبعته، أو طوبة من الدولة لحسابي الخاص.. أنا زاهد جدا، ولي في العالم العربي أموال مقابل لوحات لي لم تعد لي حتى الآن، وربما لجان الفحص قدرت أشياء أكثر أو أقل من قيمتها الحقيقة.. لا أعرف، ولكني أدعو الله أن لا تكون المسألة برمتها تخليص حق مني، ولكني أثق في عدالة الله، وفي كلمة القضاء المصري».

وبالنسبة لاقترابه من الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وتأثير ذلك على ما يوجه إليه من اتهامات، قال: «أستطيع أن أؤكد أنه خلال فترة عملي في داخل مصر وزيرا للثقافة، أو مستشارا ثقافية في أوروبا، لم أعمل أبدا لصالح فاروق حسني أو الرئيس السابق حسني مبارك، ولكني عملت لصالح دولة كنت أراها من الخارج في باريس وروما، وكنت، وما زلت، أدرك قيمتها الكبرى، وأنا أعرف وأدرك القيم الجمالية العظيمة الموجودة في كل شبر من أرض مصر.. ومنذ بداية عملي في الوزارة كنت أدرك أنني خادم للمثقفين وهذا الشعب، وكانت الاتهامات تكال ضدي بأنني أجند المثقفين، ولكنني كنت أجندهم لخدمة الوطن، ولم يحدث أبدا أن طلبت من أحدهم أن يكتب مقالا لمدح حسني مبارك مثلا، والفضل لله أيضا يمكن القول إنه ظهر على يدي المسرح التجريبي، وصالونات الشباب للفنون، ثم المسارح الحديثة، وكذلك مشروح الترجمة، وكل هذه الأفكار أحدثت طفرة ثقافية في المنطقة كلها، وأيام الأديب طه حسين ترجم 600 كتاب، ولكن مشروع الترجمة الذي أشرفت عليه ترجم 5 آلاف كتاب، وأشرف الدكتور جابر عصفور على ترجمة شموخ وأمهات الكتب العالمية في كل مناحي المعرفة الإنسانية، من 27 لغة.. وصلت إلى 30 لغة ترجمت إلى العربية.. بالإضافة إلى مشروع قاهرة المعز، وكنت أذهب إلى هناك يوميا لأقيس ارتفاع الرصيف وأشاهد تبليط الشارع الأثري التاريخي درة القاهرة القديمة، وكنت أرى إعادة الجمال والضوء والبهجة إلى الشارع حلما مستعصيا، لكنه تحقق بفضل الله، والذين عملوا معي على تحقيق الحلم».

وعن أهم إنجازاته خلال توليه وزارة الثقافة، قال فاروق حسني: «هناك المتحف المصري الكبير، على مساحة 117 فدانا، وسيكون بداخله أكبر عدد من الآثار في العالم، وأهم مشروع ثقافي في الـ100 عام المقبلة، ولا تتوقف عظمة هذا المتحف على المساحة أو المقتنيات فقط، وواجهته 800 متر بارتفاع 45 مترا، وسينتهي العمل به في 2015، ويقام على أحدث تكنولوجيا عالمية في العرض المتحفي وإقامة المتاحف على مستوى العالم، فمصر تقدم للعالم مؤسسة ثقافية حضاريه ذات قيمة فريدة، والمتحف سيضم آثار مصر الفرعونية، وأيضا سيكون به مركز لترميم الآثار، وصالات للمحاضرات، ومخازن متحفية علمية». والمتحف بني على أرض مساحتها 4.000 متر مربع بالإضافة إلى مباني الخدمات التجارية والترفيهية ومركز ترميم الآثار، وحديقة متحفية. وقال حسني: «أتاحت مصر موقعا فريدا لهذا المشروع الثقافي المعماري على طريق مصر - الإسكندرية الصحراوي؛ إذ يبعد عن أهم منطقة أثرية ألا وهي أهرامات الجيزة نحو كيلومترين، ويقدم المتحف تجربة فريدة في الإبحار عبر الزمن من خلال قصة مصر القديمة وتراثها الثقافي، التي امتدت لنحو سبعة آلاف سنة. ويضم المتحف أماكن للعرض الدائم وأخرى للعرض المؤقت وفق نظم بالغة الحداثة مخصصة لاستيعاب خمسة عشر ألف زائر يوميا، وتحدث حسني أيضا عن متحف الحضارة في الفسطاط بمنطقة تتجاور فيها الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية على مساحة 25 فدانا في منطقة الفسطاط، بجنوب غربي القاهرة، ويجاوره جامع عمرو بن العاص والكنيسة المعلقة ومعبد بن عزرا اليهودي. وتشرف على إنشائه منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو)، ويضم المتحف العديد من المقتنيات الأثرية ومكتبة متخصصة في علم المصريات ومركز أبحاث ومعامل للترميم، كما يضم مركزا للمؤتمرات، وسينما ثلاثية الأبعاد، وأماكن مخصصة لخدمة الزائرين؛ مثل المطاعم والكافيتريات، ومحلات الهدايا، ومحلات بيع مستنسخات فنية، وحدائق خارجية، ومواقف انتظار السيارات. ويعرض المتحف أكثر من مائة ألف قطعة أثرية بدءا من العصر الفرعوني وحتى العصر الروماني، ويتم هذا المشروع على ثلاث مراحل».

ويعد فاروق حسني من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في الوسط الثقافي المصري على مدار سنوات طويلة ظل فيها مبقيا على كرسي وزارة الثقافة ليكون المسؤول الأول بعد مبارك الذي استطاع الإبقاء على كرسيه لما يزيد على عقدين من الزمان، وذلك على الرغم من الأزمات الكارثية التي عصفت بالوزارة خلال توليه مسؤوليتها.

وقد ظل فاروق حسني وزيرا للثقافة في الفترة من 1987 حتى 31 يناير (كانون الثاني) 2011؛ إذ سحبت منه حقيبته الوزارية في التغيير الذي أجراه مبارك أملا في الإبقاء على كرسي الرئاسة حتى نهاية فترته الانتخابية، في محاولة لترضية ثوار 25 يناير القابعين آنذاك في ميادين مصر المختلفة، والمطالبين برحيله.

وفاروق حسني (74 عاما) من مواليد الإسكندرية، وحصل على بكالوريوس الفنون - قسم الديكور من جامعة الإسكندرية، وشغل قبل الوزارة عددا من المناصب؛ بدءا من مدير قصر ثقافة الأنفوشي في 1967، ثم مدير مكتب وزير الثقافة 1978، فنائب مدير أكاديمية الفنون 1979، ثم مدير الأكاديمية المصرية في روما 1982.

يوم في حياة الفنان فاروق حسني

* عن يوم في حياة الفنان الوزير الأسبق فاروق حسني، قال لـ«الشرق الأوسط»: «أبدأ يومي عادة في الصباح الباكر بفنجان قهوة إيطالية، ثم أبدا في متابعة الأخبار العربية والعالمية، ومتابعة مقالات الرأي التي أتابعها بصفة يومية منتظمة في الصحف اليومية التي تصلني، وكذلك أتابع الأخبار في المحطات العالمية، وأذهب إلى مكتبي لاستقبال ضيوفي من أصدقاء ومفكرين وزملاء العمل السابقين، وكذلك هو في الوقت نفسه آتيليه ومرسم، ولا أدخل للرسم إلا إذا كنت أشعر بسعادة ومعنوياتي مرتفعة، وأحيانا في الآتيليه أقضي ساعة أو ساعتين أو ثلاث، وكل وقتي في المرسم يعتمد على مزاجي العام، وكما ترى حولي الموسيقى الكلاسيكية لا تتوقف، فأنا أحيا معها ليل نهار في المنزل والمكتب، ولا أستطيع الرسم أو الدخول إلى نقطة الإبداع الحقيقي وأنا غير سعيد».

وسألته «الشرق الأوسط»: كم لوحة أنجزت حتى الآن منذ أن خرجت من الوزارة؟ فقال: «تقريبا 45 لوحة فنية». وعن مسؤوليته السابقة عن وزارة الثقافة المصرية، قال الفنان فاروق حسني: «عندما تكون مسؤولا عن ثقافة وعقل مصر، فأنت أمام مسؤولية كبرى رهيبة، متصلة بالتراث والتاريخ والآثار والجغرافيا، وكذلك بالإبداع والواقع والمستقبل، وعندما توليت الوزارة كنت أعتبر هذه الحقبة فترة قحط ثقافي، لأن الآلة الثقافية في المسارح ودور السينما والمكتبات العامة كانت متهرئة بشكل كبير، ولم يكن هناك وهج في عملية الإبداع الثقافي، وكانت التركة ثقيلة، وتحتاج في الوقت ذاته إلى جرأة وخيال، ولم يكن في استطاعتي تنفيذ المهام الملقاة على عاتقي من دون كتيبة منسجمة فكريا، وكان أول شيء في خطتي للنهوض، هو تحديث الرؤى الثقافية، بمفهوم تقديم ثقافة معاصرة وليس تقليدا لما سبق».