«المناطق المحررة»: حصان طروادة الغربي في الأزمة السورية

فرنسا تراهن على توسعها وتضغط على المعارضة لتقديم برنامج سياسي موحد يسهل قيام حكومة مؤقتة

دخان كثيف يتصاعد من بنايات بدرعا بعد أن تعرضت لقصف القوات النظامية أمس (أ.ب)
TT

في حين يبدو الوضع الميداني في سوريا يراوح في مكانه؛ حيث لم يفلح، حتى الآن، الجيش السوري الحر ومعه التشكيلات المسلحة الأخرى في إحراز تقدم ميداني حاسم، تراهن باريس ومعها دول غربية وعربية على ما يمكن أن تنتجه «المناطق المحررة» التي خرجت عن سلطة الدولة السورية من أجل إحداث تغيير في الوضع الراهن والخروج من مأزق المراوحة.

وتحاول فرنسا، كما تقول مصادرها، أن تروج لأهمية «المناطق المحررة» ولما يمكن أن تشكله في المستقبل من نقطة انطلاق من أجل الالتفاف على تعطيل مجلس الأمن الدولي بسبب الفيتو المزدوج الروسي – الصيني، وحرص موسكو على حماية نظام الرئيس بشار الأسد ومنع المجلس من تبني أي قرار تحت الفصل السابع يمكن أن يفرض عقوبات اقتصادية أو يهدد بفرضها أو يجيز التدخل العسكري في سوريا.

وحتى الآن، اكتفت باريس بتقديم الدعم «الإنساني» لهذه المناطق القائمة شمال وشرق سوريا التي تضم نحو مليون شخص. وتتعامل فرنسا مع المجالس المحلية والثورية من أجل توفير الحاجيات الأساسية مثل الخبز والدواء والخدمات الملحة وإنشاء شرطة محلية وتسيير مصالح الناس، وذلك تحت شعار «إبقاء الناس في قراهم ومساكنهم». لكن الهدف السياسي واضح: التحضير لما بعد سقوط الأسد.

وبموازاة ذلك، تقوم فرنسا بتقديم الدعم للمعارضة، ورغم إعلان مصادرها، أكثر من مرة، أنها «تدرس جديا» موضوع تسليم السلاح للمعارضة المسلحة، فإنها ما زالت ملتزمة بحظر تصدير السلاح إلى سوريا الذي فرضه الاتحاد الأوروبي. ولذا، فإنها تقدم «معدات غير قاتلة» ومنها معدات اتصال ومناظير للرؤية الليلية لبعض مكونات المعارضة السورية.

وقالت مصادر فرنسية إن ما تتمناه باريس هو أن تشكل هذه المناطق والمناطق الأخرى التي قد تتحرر، وحدة جغرافية متكاملة يمكن أن توفر الدليل على أن سلطة الدولة السورية (النظام الحالي) قد تلاشت وأن ثمة سلطة جديدة قامت.

ولا يمكن فهم إعلان باريس، بلسان رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند، عن استعدادها للاعتراف بشرعية حكومة مؤقتة ذات صفة تمثيلية، إلا على ضوء هذه الخطة. وعمد هولاند بداية الأسبوع الماضي في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى تكرار استعداده للاعتراف بحكومة كهذه «حال قيامها». وفي المفهوم الفرنسي، فإن قيام حكومة معارضة انتقالية تحوز الشرعية الدولية سيكون حدثا «له انعكاسات قانونية وسياسية بالغة الأهمية» وفق قول المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط».

ويقوم التصور الفرنسي على الدعوة لقيام حكومة تكون بمثابة الواجهة السياسية للجيش السوري الحر الذي تريد منه أن يكون المظلة التي تستظل بها أغلبية الفرق المقاتلة. ولذا، فإن توسع «المناطق المحررة» ميدانيا وقيام حكومة مؤقتة جامعة للمعارضة وتشكيل هيئة تضم القوى المسلحة المقاتلة، هي العناصر المكونة لمنظومة متكاملة سياسية وعسكرية من شأنها التأثير على مسار الحرب الجارية في سوريا؛ لا، بل إحداث تغيير حقيقي فيها.

وتعتبر باريس أن «تركيبة» كهذه يمكن أن تساعد على الالتفاف على مجلس الأمن الدولي بحيث تستطيع الحكومة الشرعية المؤقتة التعاطي مع المجتمع الدولي على أنها «ممثلة» الشعب السوري. وبالتوازي، تستطيع هذه الحكومة أن تطلب مدها بالسلاح؛ لا، بل توفير الحماية للمدنيين من الأمم المتحدة أو من أطراف «صديقة». ومع وجود مظلة سياسية وهيئة عسكرية شبه موحدة، تتراجع عندها المخاوف من إيصال أسلحة متطورة إلى المعارضة لوضع حد للتفوق الجوي الذي يستفيد منه النظام وقواته المدرعة التي لم تنجح حتى الآن قاذفات «آر بي جي» القديمة من منعها من التقدم ودك المدن والقرى.

غير أنه دون الوصول إلى هذه التركيبة «المثالية» عقبات كأداء؛ أبرزها انقسام المعارضة وتفتتها بين داخل وخارج، ومعارضة علمانية مدنية وأخرى دينية، فضلا عن الفروقات الإثنية، وتراجع دور المجلس الوطني السوري لصالح الهيئات والتنسقيات القائمة ميدانيا. وعلى الصعيد العسكري، تعاني المعارضة المسلحة من التفتت والتنافس بين تشكيلاتها. وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن تفتت المعارضة المسلحة حرمها حتى الآن من الحصول على الأسلحة التي تحتاجها من المصادر التي قبلت تسليحها.

وبسبب مجمل هذه العوامل، تراهن الدول الغربية على الاجتماع الذي من المفترض أن تعقده المعارضة في الدوحة خلال الأسبوعين المقبلين للخروج ببرنامج سياسي واضح يفتح الباب أمام تشكيل حكومة انتقالية. وترغب هذه الدول في أن يحصل هذا التطور قبل انعقاد مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في مدينة مراكش المغربية أواخر الشهر الحالي. والمراهنة الغربية تقوم على انتهاء فترة «الشلل» الأميركي بسبب الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وبالتالي فإن الأمل يحدو العواصم الغربية وعددا من العواصم العربية بأن تجاوز الاستحقاق الرئاسي الأميركي سيحفز واشنطن على العودة بقوة إلى التحرك بدل الاكتفاء بمراقبة الوضع عن بعد و«تقطيع» الوقت. وحتى ذلك الوقت، تأمل العواصم المعنية بأن يتطور الوضع في الاتجاه الذي تتمناه؛ الأمر الذي لا يبدو مؤكدا حتى الآن.