نتنياهو وغالبية حلفائه في الائتلاف يريدون تبكير موعد الانتخابات الإسرائيلية

الحجة: مشاكل في الميزانية.. والحقيقة: خوف من أوباما خارجيا ومن أولمرت ودرعي داخليا

TT

أكدت مصادر سياسية في تل أبيب، أمس، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وغالبية حلفائه في الائتلاف الحكومي، متفقون على ضرورة تبكير موعد الانتخابات البرلمانية من أكتوبر (تشرين الأول) إلى مارس (آذار) أو حت فبراير (شباط) من السنة القادمة.

وقالت هذه المصادر إن أسباب عدة دفعت نتنياهو وحلفاءه إلى هذا القرار، أهمها منع منافسيهم الجدد من الانتظام في العمل السياسي واستباق التطورات المتوقعة في الولايات المتحدة الأميركية. ففي إسرائيل يستعد رئيس الحكومة الأسبق، إيهود أولمرت، لخوض الانتخابات مهددا مكانة نتنياهو نفسه. كما يستعد أريه درعي، الرئيس السابق وأحد المؤسسين لحزب «شاس» لليهود الشرقيين، أن يخوض الانتخابات على رأس حزب جديد أو في إطار حزبه الحالي، وفي الحالتين يهدد درعي مكانة رئيس حزب «شاس» وزير الداخلية، ايلي يشاي.

والحجة التي سيتذرع بها نتنياهو لتقديم موعد الانتخابات، هي العجز عن تمرير قانون الموازنة العامة. فالموازنة، التي كان مقررا الانتهاء من بحثها في الشهر الماضي، ما زالت عالقة. وهي تنطوي على توجيه ضربات قاسية للجمهور، لأن الحكومة فشلت في تقليص ميزانية الجيش. وستضطر إلى البحث عن مصادر تمويل أخرى لتغطية الزيادة في الميزانية العسكرية. وهذه المصادر هي زيادة الضرائب ورفع أسعار المواد الأساسية (الكهرباء والوقود والماء) والمواد الغذائية وتقليص ميزانيات التعليم والرفاه الاجتماعي. ومثل هذه الضربات تقلص عادة من شعبية الحكومة، حتى لو أقنعت الناس بأن «هناك أخطارا أمنية جدية تهدد إسرائيل، مثل التسلح النووي الإيراني وتسلح حزب الله بالصواريخ والأخطار الجديدة من سيناء المصرية والتغيرات في العالم العربي». فالجمهور لم يقتنع بعد بهذه الأخطار، وما زالت غالبية الإسرائيليين ترفض توجيه ضربة عسكرية لإيران.

لكن السبب الحقيقي لتبكير الانتخابات يعود إلى الحسابات الشخصية لنتنياهو وعدد من حلفائه. فالأوضاع الأمنية كانت قائمة أيضا في السنة الماضية، عشية البحث في موازنة العام الجاري. إنما الجديد هو أن أولمرت، الذي اضطر إلى الاستقالة من منصبه في رئاسة الحكومة بسبب تقديم تسع لوائح اتهام ضده في قضايا فساد، بدأ يتحرك للعودة إلى الحلبة السياسية بعدما تمت تبرئته من معظم القضايا. وحسب استطلاعات الرأي الإسرائيلية فإن أولمرت يحظى بشعبية متنامية في الشارع الإسرائيلي وهو الشخصية الوحيدة التي تهدد مكانة نتنياهو كرئيس حكومة. وبالمقابل فإن أريه درعي، الذي أمضى محكومية بالسجن سنتين بسبب قضايا فساد قبل 9 سنوات، أعلن في مطلع الأسبوع أنه سيعود بشكل مؤكد إلى الحلبة الحزبية، سواء كان ذلك من خلال حزب «شاس» أو من خلال حزب جديد. وقال في مقابلة مع صحيفة «هآرتس»، إن حزب «شاس» تحت قيادته حظي بـ17 مقعدا، إذ صوت له نصف مليون ناخب، بينما تحت قيادة يشاي الحالية هبط عدد المصوتين إلى 300 ألف وعدد المقاعد البرلمانية إلى 11 مقعدا. وينبغي أن يعود إلى قوته السابقة.

وبالإضافة إلى ذلك، يحسب نتنياهو حسابات شخصية أخرى تتعلق بالدور الأميركي في السياسة الإسرائيلية. فإذا أعيد انتخاب باراك أوباما رئيسا، يخشى نتنياهو أن يبدأ حملة ضغوط لإسقاطه، تماما كما كان قد حصل له نفسه في دورة حكمه الأولى (1996 - 1999) عندما اختلف مع إدارة الرئيس بيل كلينتون وكما حصل مع سابقه، إسحاق شامير، في سنة 1992 في زمن حكم الرئيس جورج بوش الأب. وهو، أي نتنياهو، يعرف أنه أغاظ الرئيس أوباما كثيرا بتدخله الفظ في الانتخابات الأميركية لصالح مرشح الحزب الجمهوري، ميت رومني، وشوش على خطط الرئيس أوباما في مواجهة التسلح النووي الإيراني. وهو يخشى من انتقام أوباما، بشكل شخصي.

بناء على ذلك، ينتظر أن يجري نتنياهو خلال الأسبوع الحالي جولة محادثات واتصالات مع مختلف شركائه في الحكومة، لفحص ما إذا كان بمقدوره التوصل إلى اتفاق حول جملة التقليصات المقترحة في الميزانية للعام القادم، علما بأنه لم يجر لغاية الآن أي اتصالات رسمية بهذا الخصوص، ما يعزز الاعتقاد بأنه يعتزم الإعلان عن تبكير موعد الانتخابات. ونقلت «هآرتس» عن وزير وصفته بأنه مقرب من نتنياهو: «إذا لم يطرأ تطور حاد فإنه سيتم تبكير موعد الانتخابات، بسبب الخلافات على الميزانية المقترحة التي ستضر شعبيا بالأحزاب المشاركة في الحكومة، فأنا لا أرى سببا مقنعا لعدم تبكير الانتخابات، إلا إذا قرر رئيس الحكومة تمرير الميزانية بأي ثمن».

وكان نتنياهو قد أجرى في الأسابيع الأخيرة اتصالات غير رسمية مع أحزاب الائتلاف معلنا أنه يفضل المصادقة على الميزانية للعام القادم على الذهاب للانتخابات، ومع أن الأحزاب أعلنت مبدئيا موافقتها على الميزانية المقترحة إلا أنه لم يتم التوصل إلى تنسيق كاف يضمن تأييدها للميزانية فعليا. ومع أن نتنياهو يعتقد أنه سيكون الرابح من الانتخابات، وبالتالي فإن لعهوده ووعوده للأحزاب معنى وأهمية، إلا أن التخوفات في الليكود تشير إلى احتمالات تراجع نسبة التصويت لليكود نفسه لصالح أحزاب «اجتماعية» أخرى في اليمين الإسرائيلي أو لصالح أحزاب تمثل قطاعات محددة مثل حزب ليبرمان أو شاس. وتشير تقديرات الأحزاب المختلفة وفق «هآرتس» إلى أن نتنياهو سيعلن عن تبكير موعد الانتخابات خلال أسبوعين، أي قبل افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، إذا توصل إلى قناعة بأنه لن يتمكن من تمرير الميزانية الجديدة. وقد اجتمع نتنياهو، أمس، بوزير المالية يوفال شطاينتس لمناقشة مشروع الميزانية المقترحة.

في غضون ذلك، قالت الصحيفة إن حزب «شاس» يستعد بدوره للانتخابات ولا ينوي التصويت مع الميزانية المقترحة، كما أن شاس تفضل تبكير موعد الانتخابات، خاصة بعد إعلان أريه درعي عودته للحلبة السياسية وبالتالي فإن تبكير الانتخابات سيساعد الحركة في منع درعي من إقامة حزب جديد والاستعداد لمنافستها بشكل كامل. في المقابل فإن نتنياهو، وخاصة بعد خطابه في نيويورك، يفضل تبكير موعد الانتخابات في الوقت الذي يتمتع فيه بتأييد شعبي كبير وقبل أن تتراجع شعبيته بفعل الضربات الاقتصادية الناجمة عن سياسة حكومته.